لماذا يخفي العسكر  معدلات الفقر فى مصر منذ  قرار  التعويم؟

- ‎فيتقارير

يحكى أن ملكا معتوها، قرر أن يعلم حماره القراءة والكتابة، مشترطا على رعيته أن من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة سوف يرعاه طول فترة التعليم،  وإذا نجح في مهمته؛ سوف يعطيه مكافأة مجزية، أما إذا فشل فسوف يقدم رقبته للسياف.  تقدم البعض متعهدين بتعليم الحمار  خلال سنة؛ فما كان جزاؤهم إلا السيف؛ وهنا أدرك جحا أنه أمام ملك معتوه أكثر غباء حتى من حماره؛ فدخل إلى بلاط الملك  مزهوا، وتعهد بتعليم الحمار  مشترطا على الملك أن ينجح في مهمته خلال 40 سنة؛ ووافق الملك على الفور؛ وعاد جحا مسرورا، فسأله أحدهم ألا تخاف من الإعدام؟ فأجاب: بعد أربعين سنة إما أن أموت أو يموت الملك أو يموت الحمار!

هذه القصة يضرب بها المثل في الوعود التي يطلقها بعض المعاتيه ويستحيل عليهم تنفيذها، هم فقط يستخدمون ذكاءهم في كسب مزيد من الوقت وآفة الناس النسيان.

ينطبق هذا المثل تماما  على  بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أمس الأربعاء بمناسبة اليوم العالمي ‏للقضاء على الفقر، والذي يحتفل به يوم 17 أكتوبر من كل عام، مدعيا أن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة ” تستهدف تخفيض نسبة الفقر بجميع ‏أبعاده إلى النصف بين الرجال والنساء والأطفال بحلول عام 2020، والقضاء على الفقر نهائيا ‏بحلول عام 2030.

العهود الوردية

بيان الجهاز  يمكن وضعه في سياق العهود الوردية التي يدمنها نظام العسكر  وعلى رأسهم قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي الذي تعهد مرارا وتكرارا  بضبط الأسواق وخفض الأسعار وتوفير السلع، لكن شيئا من ذلك لم يحدث مطلقا بل على العكس فكلما  تعهد بخفض الأسعار  زادت،  وكلما تعهد بضبط الأسواق عمتها الفوضى؛ حتى بات الناس يتندرون عليه ويطلقون المزج والنكات سخرية من وعوده التي لا تتوقف والتي لا يتحقق منها شيء في ذات الوقت!

ووفقا لقاعدة “الناس على دين ملوكهم” يبدو أن المركزي للإحصاء يقتدي بجنراله الأعظم في هذا الشأن، فأطلق هذه المزحة دون أن يدعمها  بأي خطة يمكن أن تؤدي إلى خفض معدلات الفقر   إلى النصف بعد عامين ونهائيا بعد 12 عاما!

لم يوضح لنا بيان المركزي للإحصاء  كيف سيتم خفض أعداد الفقراء إلى النصف في عامين، بينما نصف الفقراء الآخر سوف يستغرق 10 سنوات كاملة حتى يدخلوا جنة المستورين، خصوصا وأن مؤشرات الاقتصاد كارثية  فلا زيادة في الإنتاج ولا التصدير، والسياحة لا تزال تعاني، وقناة السويس أصابتها لعنة التفريعة فتراجعت إيرادتها خلال السنوات الماضية، والنظام لا يعتمد في إيرادته سوى على القروض الضخمة والضرائب الباهظة ؛ فعلى أي أساس  بنى المركزي للإحصاء وعوده تلك؟!

28 مليون فقير

الأكثر دهشة،  أن المركزي للإحصاء توقف منذ سنة 2015 عن إصدار معدلات الفقر  في مصر، والتي بلغت في آخر  إحصاء “27,8”% ، ما يعني أن عدد الفقراء يصل إلى 28 مليون مصري على أساس أن عدد سكان البلاد 100 مليون. وكان يتعين على الجهاز إصدار بيان جديد في 2017 لأن الجهاز يصدر البيان بشكل دوري كام عامين لكنه  لم يفعل!.

فلماذا توقف الجهاز عن إصدار معدلات الفقر  في 2017م؟  ولماذا يتعمد النظام  إخفاء هذه المعلومات الحساسة؟ خصوصا وأن قرارات التعويم في نوفمبر 2016م  أفضت إلى تآكل قيمة العملة المحلية إلى أكثر من النصف، بخلاف رفع أسعار الوقود 3 مرات منذ 2016 حتى اليوم، وكذلك رفع أسعار الكهرباء والمياه وتعريفة وسائل النقل ورسوم استخراج الوثائق إلى أكثر من 500% . ويمكن أن نعزو أسباب الإصرار على إخفاء حقيقة معدلات الفقر لعدة عوامل:

أولا، تستهدف الحكومة  الاحتفاظ بالرقم القديم في أذهان الناس، للحفاظ على أكذوبة نجاح ما يسمى بالبرنامج الاقتصادي، وعدم تحميلها مسؤولية زيادة الفقر، وعدم الإضرار بصورة هذا البرنامج الوهمي. وبحسب الباحث الاقتصادي في مركز كارنيجي، وائل جمال، “يُشير الخبراء في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، التابع للحكومة، إلى أنه ربما ارتفع معدل الفقر إلى 35 في المئة في العام 2017، بعدما كان 27.8 في المئة في العام 2015، قبل بدء برنامج صندوق النقد الدولي، وحتى بعد تحديث خط الفقر الوطني نسبةً إلى التضخم.” ويستدرك: “لكن بما أن التقييم كان أوّلياً، قد يكون مستوى الفقر أعلى. ومن المرتقب فرض مزيد من الإجراءات التقشفية، وفقاً لمندرجات المرحلة الرابعة من البرنامج، ما يحمل في طياته خطر تدهور الأمور أكثر بالنسبة إلى المصريين المستضعفين وذوي الدخل المتدنّي”.

أكاذيب النظام

ثانيا، يتعمد النظام تعريف حد الفقر بمبلغ ضئيل حوالي ثلث التعريف العالمي وهو 1.9 دولار في اليوم، وبناء عليه فخط الفقر العالمي هو مبلغ 1014 جنيها في الشهر، وليس 482 جنيها كما تحسبه حكومة العسكر ، ولو استخدمت هذا التعريف فغالبا فإن نسبة الفقر سوف تتضاعف إلى ما فوق 60%. لكن ما يثير  الدهشة أن البنك الدولي، لا يزال يعتمد على أرقام الحكومة؛ فهم أيضا لا يريدون الاعتراف بفشل برنامج صندوق النقد ويشاركون في الأكذوبة”.

ثالثا، تصر الحكومة على إخفاء حقيقة عدد الفقراء، لأن حقيقة الرقم سوف تعصف بكل أكاذيب النظام وأساطيره حول وهم ما يسمى بالبرنامج الاقتصادي، فإذا كانت معدلات الفقر  في 2015 بلغت 27,8% فإن ثبات هذا الرقم هو  إصرار على التضليل. وحتى تقديرات مركز كارنيجي بأن نسبة الفقر وصلت إلى 35% مبنية على بعض التقديرات وليس على مسوحات بالعينة التي يقوم بها مركز الإحصاء، وربما ترتفع نسبة الفقر  إلى معدلات مخيفة تضم على الأقل نصف شعب مصر.

خلاصة الأمر، أن تعهد النظام بالقضاء على الفقر  يماثل تماما وعد جحا بتعليم حمار الملك  القراءة والكتابة، فهل تمكن جحا من تعليم الحمار  شيئا من القراءة والكتابة؟ فعلى خطاه يمضي نظام العسكر  وعود مستحيلة وبؤس يتواصل.