لماذا يرفض حلفاء “النهضة” تولي الغنوشي رئاسة الحكومة؟

- ‎فيتقارير

رفضت الكتل المرشحة للتحالف مع حركة “النهضة” الإسلامية تولي الغنوشي رئاسة الحكومة في تونس، على غرار التيار الديمقراطي وحركة الشعب، وحركة تحيا تونس؛ حيث تطالب بترشيح إحدى الشخصيات المستقلة لقيادة الحكومة الجديدة.

وأجرت تونس شرارة الربيع العربي انتخابات رئاسية مبكرة في منتصف سبتمبر الماضي، أفضت إلى جولة إعادة في منتصف أكتوبر المنقضي، عرفت فوزًا كاسحًا للمرشح المستقل قيس سعيد، على حساب رجل الأعمال نبيل القروي المحسوب على نظام زين العابدين بن علي.

ائتلاف عريض

وفي الأسبوع الأول من أكتوبر، حققت “النهضة” فوزًا في الانتخابات البرلمانية، لكنه غير كافٍ لتأليف الحكومة بمفردها؛ إذ فرضت النتائج التي أعلنتها هيئة الانتخابات المستقلة ضرورة الدخول في تحالفات وتشكيل ائتلاف عريض مع عدة كتل لضمان الأغلبية ونيلها ثقة مجلس النواب.

ومن المقرر أن يعقد مجلس النواب الجديد أولى جلساته الأربعاء المقبل، لأداء اليمين الدستورية، على أن يكلف رئيس الجمهورية، قيس سعيد، حركة النهضة بتشكيل الحكومة المقبلة.

وبينما تجد حركة “النهضة” التونسية – الفائزة بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان – نفسها أمام مأزق سياسي لعدم قدرتها على تشكيل تحالف يمكنها من تشكيل حكومة؛ فالحركة تسعى للتحالف مع حزب “التيار الديمقراطي” الذي حل ثالثًا في الانتخابات التشريعية، إلا أن الأخير وضع أمامها “شروطا تعجيزية” للقبول بالمشاركة في الحكم، وبالتزامن مع ذلك ينسق التيار مع “حركة الشعب” للبقاء في صف المعارضة، لتتراجع خطوة إلى الوراء، وتعلن ترشيح “الغنوشي” لرئاسة البرلمان.

ووفقًا للدستور التونسي، فإن حركة “النهضة” هي الطرف السياسي المكلف بتشكيل الحكومة؛ لأنها الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في 6 من أكتوبر.

وينص الفصل 89 من الدستور: “في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة”.

نبيل القروي

ويمكن اعتبار حزب “التيار الديمقراطي” الطرف السياسي الأبرز الذي ستتفاوض معه حركة “النهضة” من أجل تكوين تحالف؛ فحركة النهضة – كما أكد رئيس المكتب السياسي في الحركة وعضو في لجنة المفاوضات لتشكيل الحكومة نور الدين العرباوي – لن تتحالف مع حزب “قلب تونس” الذي يقوده نبيل القروي ولا مع “الحزب الدستوري الحر” الذي تقوده عبير موسي والذي يعتبر امتدادًا لـ”التجمع الدستوري الديمقراطي” الحزب الحاكم قبل ثورة 2011.

من جهته، شدد رئيس مجلس شورى “النهضة”، عبد الكريم الهاروني، على أن سياسة المحاصصة الحزبية لن يتم اعتمادها في تشكيل الحكومة التي سترتكز في جوهرها على البرامج القوية، وفق تعبيره.

وأشار إلى أن النهضة لا تخشى إعادة الانتخابات البرلمانية، حال تعذر تشكيل الحكومة، مؤكدًا أنها حرصت على تحمل المسئولية في إدارة المشاورات حولها، وأن الناخبين سيعاقبون في قادم المحطات الأطراف التي تسعى إلى “إفشالها والتنصل” من مسئوليتها.

الغنوشي

ويعد المفكر والسياسي الإسلامي التونسي راشد الغنوشي من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي التي غيرت اسمها لاحقًا إلى حركة النهضة، حوكم أكثر من مرة بسبب نشاطه الدعوي والسياسي زمن الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. عاش نحو عقدين في المنفى بالعاصمة البريطانية لندن، ثم عاد إلى تونس بعد سقوط نظام بن علي عام 2011، وأسهم مع حركته في تذليل عقبات المرحلة الانتقالية بعد فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي.

وقد كان لراشد الغنوشي دور كبير في نجاح تجربة التوافق الوطني، وفي نجاح التجربة التونسية الاستثنائية؛ ما جعل البعض يعتبره صمام أمان للتوافق الوطني؛ الأمر الذي يفسر تنامي شعبيته والتعاطف الذي يحظى به.

إلى جانب ذلك، أسهم الغنوشي بعلاقاته القوية وحواراته المثمرة مع مختلف الأطراف السياسية التونسية في حلحلة العديد من الإشكالات السياسية والفكرية المعقدة التي كادت تربك المرحلة الانتقالية في البلاد، خاصة سنوات 2012 و2013.

قوة كبيرة

كما كان الغنوشي راعي التوافق في البلاد، ويعد التوافق السياسي في تونس “أحد أهم مقومات الصمود أمام محاولات الانفلات بالوضع الاجتماعي والأمني في البلاد”، حسب تصريح سابق لأستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية هاني مبارك، الذي أكد أيضًا أن “هذا التوافق أغلق مساحات كبرى من الفراغات التي كان يمكن للانفلات النفاذ من خلالها؛ حيث ضيق من هوامش المناورة من الأطراف وسد منافذ التلاعب على المتناقضات”.

ويحسب للغنوشي تأثيره الكبير في حزبه، فوجوده منح النهضة قوة كبيرة، وجعل منها حزبًا قويًا متماسكًا متحكمًا في القرار السياسي والحكم في البلاد، فحركة النهضة تعتبر الحزب الأول في البرلمان التونسي وصاحبة أكبر عدد من المستشارين البلديين.

فضلاً عن ذلك، أسهم زعيم النهضة بمقالاته وكتبه ومحاضراته في دعم الخط المعتدل والوسطي في الحركة الإسلامية داخل تونس وخارجها، وأسهم في زعزعة عدد من القناعات التقليدية بشأن قضايا دينية وفكرية وسياسية وتصحيحها كحقوق المواطنة والحريات العامة والديمقراطية والعلمانية وغيرها.