مؤتمر “إسطنبول” وتأكيد ثوابت الجماعة

- ‎فيمقالات

مع اقتراب قدوم المئوية الثانية من عُمر جماعة الإخوان المسلمين، ما زالت الجماعة ثابتة على مبادئها، رغم موجة العداء العالمي التى واجهتها الجماعة منذ نشأتها وحتى اليوم، فقد أوكلت القوى العالمية لأذنابها في الداخل حصار الجماعة والتضيق عليها وإفشالها، ووأدها في مهدها، عبر إلصاق التهم بها والوقوف في وجهها، ولكن شاءت إرادة الله لهذه الدعوة المباركة أن تعبر الحدود والقارات إلى ما وراء البحار والمحيطات، رغم أنف الحاقدين والمتربصين.

فمن مصر الدولة الأم، إلى بلاد الشام والعراق وجيبوتى والسودان، ثم إلى قارات العالم الست، وقد أرست الجماعة قواعد للعمل والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وانتهاج الوسطية المستمدة من القرآن والسنة، بعيدا عن الغلو والتطرف.

فقد امتدت رحلة الجماعة منذ عشرينيات القرن العشرين الماضي، ومع أول يوم لتأسيسها، في مارس 1928 وحتى اليوم، واجهت خلال هذه الرحلة الطويلة الكثير من المصاعب، حيث فُتحت المعتقلات، ونُصبت والمشانق، وتعرض أتباعها للمنافي والمطاردات، وهجوم بالباطل على مبادئها، وسيل من الفِرى من قبل أجهزة الأنظمة القمعية الديكتاتورية، لتشويه الجماعة وأفرادها بتهم ليس لها زمام ولا خطام.

ونحن على أعتاب المئوية الثانية، عقدت جماعة الإخوان المسلمين مؤتمرًا فكريًّا بعنوان "أصالة الفكرة واستمرارية المشروع"، فانتصب من يقول ما الفائدة من هذا المؤتمر؟ وما هى أهدافه وغاياته؟ وما هى النتائج التى ستترتب عليه؟.

وقد جاء المؤتمر في قت توجه في السهام والحراب إلى الجماعة، حتى ظن أعداؤها أن الجماعة قد انتهت إلى الأبد، حتى إن أحد هؤلاء الحاقدين قال: إن الجماعة قد ماتت وتكريم الميت دفنه، لكن هيههات فالجماعة فكرة والفكرة لن تموت، وهى فكرة ربانية المصدر والوجهة.
يأتى هذا المؤتمر في هذا التوقيت المناسب من وجهة نظري على الأقل، ليرد على هؤلاء المبطلين، ليؤكد بأن الجماعة ما زالت فتية بشبابها وبالدماء الجديد التى تضخ في شرايينها، وبمواقفها الثابتة من القضايا المطروحة على الساحة.

ومع انعقاد المؤتمر، بدأ الإعلام الانقلابي يخور ويرغى ويزبد، متهما الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بدعم المؤتمر، ونسى هؤلاء أن تركيا دولة مؤسسات وقانون، ولا يستطيع الرئيس ولا غيره أن ينفق مليمًا خارج الميزانية، وإلا سيخضع للمحاسبة، فهم يظنون أن الأمور تدار في البلاد الديمقراطية بنظام "العزب"، المعمول به في أنظمة العسكر الديكتاتورية، والمشايخ والعائلات المتسلطة.

ومنهم من فعل كما يفعل التاجر المفلس، الذى ظل يقلب في دفاتره القديمة ليستدعي بعض شماعات وتهم الماضي، التى عفا عليها الزمن، ولم يعد يصدقها أحد. ومنهم من ظل ينبح ويهذى طوال الليل، قائلاً: إن الجماعة في أضعف حالتها، فكيف تجمع أكثر من خمسمائة مفكر وعالم في إسطنبول وتعقد مؤتمرًا بهذا الحجم؟.

وللأسف فإن هؤلاء لا يفهمون غايات الإخوان. فقد قال الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا-رحمه الله- في رسالة المؤتمر الخامس: "إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة، وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام، وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم".

وقد نجح الإخوان المسلمون في إيقاظ الأمة من رقادها وتبنى فكرة شمولية الإسلام التى حاول العلمانيون أن يطمسوا معالمها، كما نجح الإخوان في إيقاظ الوعى لدى شرائح كبيرة من الشعوب المغيبة، فضلا عما قدموه من تضحيات على أرض فلسطين والقناة وغيرها، كما نجحوا في فضح الأنظمة الفاسدة المستبدة التى تستعبد الشعوب باسم الوطنية الزائفة.

ويقول الراحل إحسان عبد القدوس: "لقد ربى الإخوان المسلمون أجيالًا عديدة تربية صميمة، وقدموا نماذج من الجيل المسلم الوطني يتميز بنظافة اليد ونقاء الضمير ممن يعيشون بفكرة ويعملون لغاية ويكافحون في سبيل عقيدتهم، يعطون ولا يأخذون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويتمسكون بالفضيلة ومكارم الأخلاق، يؤثرون البذل والتضحية في سبيل الله وابتغاء مرضاته، أينما يكونون فهم عمليون في كل ميدان يدخلونه، فإذا جد الجد ودعا داعي الجهاد كانوا فرسان الميدان جنود الحق باذلي الأنفس، فإذا دخلوا ميدان السياسة كانوا أبصر الناس بالمصالح والمفاسد وأعلمهم بالسياسة الشرعية وأقضى الناس لحاجات العباد، وإذا عاملوا الناس في التجارة كانوا أصدقهم وأكثرهم أمانة.

وقال فيهم الشاعر:

حييت فيك عصابة ٌ لبسوا على الطهر الثياب

ومشوا على سُنن الهدى والدين في شرخ الشباب

هم في المصلى خاشعون وفي الكريهة أسْدُ غاب

لم يحسبوا إلا حسابَ الله في يوم الحساب

أو يبتغوا من غيره في هذه الدنيا الثواب

أقسمت أن معادن الإخــــــــــــوان من ذهب لبُاب

ومبادئ الإخوان أنفع للعليل من الشراب

المصلحون الطارقون إلى الهداية كل باب

القائلون كأنما قد ألهموا فصل الخطاب

الكاتبون بكل سن يقطر الشهد المُذاب

ليس التدين عندهم محض السجود والاقتراب

وكم حاول الطغاة الوقوف في وجه هذه الدعوة، بما يملكون من آلة عسكرية، وإزالة بنيانها من أساسه، لكن البناء الربانى، الذى تأسس على هدى من الله، استعصى على الهدم، وفشلت محاولات اجتثاثه، فذهب الطغاة وبقى بناء الإخوان شامخًا.