مبادرة المركزي المصري لا تكفى لتنشيط الصناعة

- ‎فيمقالات

أعلنت الحكومة المصرية والبنك المركزي الأسبوع الماضي عن مبادرة لتمويل الشركات الصناعية، التي تصل مبيعاتها السنوية حتى مليار جنيه، بنسبة 10 في المئة بقيمة مئة مليار جنيه خلال بضعة سنوات، بالإضافة إلى مبادرة أخرى لإسقاط الفوائد المتراكمة على عدد 5148 مصنعا متعثرا، وإلغاء القضايا المرفوعة على تلك المصانع وإمكانية إعادة تعاملها مع البنوك بشرط سداد 50 في المئة من أصل الدين.

وذكر محافظ البنك المركزي أن قيمة الفوائد التي يمكن إسقاطها لتلك المصانع المتعثرة تبلغ 31 مليار جنيه، بينما بلغت قيمة أصل تلك الديون ستة مليارات جنيه، وهو ما يعني بلوغ قيمة الفوائد خمسة أضعاف قيمة أصل الدين، وضخامة المكاسب التي تحققها البنوك على حساب الشركات.

ويظل السؤال: هل تفلح تلك المبادرة الجديدة في تنشيط القطاع الصناعي؟ وهو القطاع الذي لم يحظ بالاهتمام الكاف من قبل السلطات المصرية، باعتراف الجنرال نفسه بذلك مؤخرا، وزيادة الأعباء تجاهه بعد تعويم الجنيه المصري قبل ثلاث سنوات، وفرض ضريبة عقارية على المصانع، وزيادة أسعار الفائدة لأكثر من 20 في المئة، وزيادة أسعار الوقود والكهرباء عدة مرات.

ويجيب عن ذلك استبيان للمركز المصري للدراسات الاقتصادية الممول من قبل المعونة الأمريكية خلال الربع الثالث من العام الحالي، حول أبرز المعوقات التي تواجه مجتمع الأعمال، حيث جاء بصدارة تلك المعوقات عدم توافر العمالة المؤهلة، ثم التضخم، تليه المنظومة الضريبية، ثم إجراءات التعامل مع الحكومة وانتشار الفساد، وصعوبة إجراءات التقاضي، وتغير سعر الصرف، وتخبط السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية.

سعر الفائدة المعوق رقم 14

ويأتي بعد ذلك الحصول على تراخيص للعمل، وبالمركز العاشر في ترتيب المعوقات البنية التحتية، وكذلك الحصول على الأراضي للمشروعات الجديدة وللتوسعات، أيضا المنظومة الجمركية وتأخر الإفراج عن السلع، وعدم الاستقرار السياسي. ثم يأتي ارتفاع سعر الفائدة على القروض بالمركز الرابع عشر في ترتيب المعوقات حسب أهميتها، إلى جانب الجرائم والسرقات، وصعوبة شروط منح الائتمان أو الحصول على الخدمات المالية والائتمانية، والحصول على المياه والطاقة.

وهكذا تتعدد المشاكل التي تواجه الصناعة المصرية، وأبرزها حالة الركود في الأسواق، مما يؤثر على صعوبة المبيعات في الداخل، خاصة مع عدم تفعيل قانون تشجيع المنتجات المصرية في التعاقدات الحكومية، إلى جانب تسبب زيادة التكلفة للإنتاج في ضعف القدرة التنافسية خلال التصدير، إلى جانب المنافسة غير المتكافئة من قبل الشركات التابعة للجيش والتي دخلت العديد من المجالات الصناعية.

ومن هنا تشكو العديد من القطاعات الصناعية في الوقت الحالي من صعوبات في تسويق إنتاجها، سواء في قطاع مواد البناء أو الأسمنت أو السكر أو الأثاث أو الألومونيوم وغيرها، رغم بعض الإجراءات التي قامت بها الحكومة مؤخرا ومنها خفض سعر الفائدة، وخفض سعر الغاز الطبيعي لبعض القطاعات الصناعية، وإصدار بعض القوانين مثل التراخيص الصناعية والاستثمار والثروة المعدنية.

إلا الواقع العملي لم يشهد بعد تطبيقا كاملا لنصوص تلك القوانين، وما زالت هناك حاجة لتعديلات بقانون العمل، وإصدار قانون للمشروعات الصغيرة كي يساهم في حفز القطاع غير الرسمي، على الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي من خلال الحوافز المختلفة، وكذلك سرعة الفصل في القضايا المنظورة أمام المحاكم.

إمكانية الاستفادة غير متاحة للجميع

ومن ناحية أخرى، فإن هناك ملاحظات للصناعيين على مبادرة البنك المركزي الجديدة، حيث يطالبون بمضاعفة قيمة المبيعات للمشروعات التي يمكنها الاستفادة من سعر الفائدة المنخفض في المبادرة، إلى ما بين مليارين وثلاثة مليارات جنبه سنويا، بدلا من مليار واحد في المبادرة.

كما أن اشتراط سداد نسبة 50 في المئة من أصل الدين للمتعثرين لا يقدر عليه غالب المتعثرين بسبب ضعف المبيعات، حيث يطالبون بخفض النسبة إلى 20 في المئة وجدولة نسبة الثلاثين في المئة الباقية على أقساط ربع سنوية، كما أن تلك الشركات المتعثرة تحتاج إلى تمويل أول لإعادة ممارسة النشاط حتى تتمكن من سداد ما عليها من التزامات تجاه البنوك.

الأمر الآخر أن المبادرات السابقة للبنك المركزي تجاه الشركات لم تنجح في إخراج الصناعة من كبوتها، حيث كانت هناك آلية لتعامل البنوك مع العملاء غير المنتظمين بقطاع الصناعة في أيار/ مايو عام 2015، ومبادرة لإقراض الصناعات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 5 في المئة في كانون الثاني/ يناير 2016، ومبادرة لإقراض الشركات الصناعية المتوسطة بفائدة 7 في المئة لتمويل الآلات والمعدات في شباط/ فبراير 2016، وإتاحة قروض قصيرة الأجل للشركات الصناعية لتمويل رأس المال العامل بفائدة 12 في المئة في آذار/ مارس 2017.

وعلى أرض الواقع العملي كانت استفادة الشركات الصغيرة من قروض نسبة الخمسة في المئة قليلة، حيث استفادت منها كثير من الشركات الكبيرة، إلى جانب الشركات التجارية قبل وقف استفادتها، كما أن حجم قروض تلك المبادرة البالغ 200 مليار جنيه خلال أربع سنوات، بدأت مع مطلع عام 2016 وتنتهي مع مطلع بدايات العام الجديد، لم يتم استنفاده رغم استفادة الشركات الكبيرة والتجار من تلك القروض.

ويؤكد ذلك الواقع الصعب لقطاع الصناعة بيانات مؤشر مديري المشتريات بالشركات المصرية، الذي يعده بنك الإمارات دبي الوطني شهريا، عن شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والذي سجل 47.9 نقطة، مما يعد أدنى رقم للمؤشر خلال عشر سنوات، والذي يعني البقاء في منطقة الركود التي يعبر عنها انخفاض المؤشر عن درجة 50 نقطة، وهو الانكماش بالمؤشر المستمر للشهر الرابع على التوالي، بسبب استمرار تباطؤ السوق وتراجع الإنتاج والطلبات الجديدة.

وهو ما أكده أيضا باروميتر الأعمال الصادر عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية عن أداء الشركات المصرية في الربع الثالث من العام الحالي، حيث كانت محصلة تقييم أداء الشركات الصغيرة والمتوسطة ضعيفة، نتيجة لحالة ركود المبيعات وعدم قدرة الشركات الصغيرة على التصدير، مما أدى إلى ثبات الإنتاج وارتفاع المخزون السلعي.

نقلاً عن “عربي21”