متى صرنا “أمة العوز والفقر”؟

- ‎فيمقالات

لا ننكر أننا أمة فقيرة معدمة، تعيش على الكفاف، وتمد يدها للقريب والبعيد. ولكن من فعل هذا بنا سوى العسكر؛ الذين يستخفون بنا الآن ويدّعى كبيرهم أنهم إنما جاءوا لينتشلونا من وهدة الفقر والمسكنة؟
لقد وقع الانقلاب الأول (23 يوليو 1952) ونحن أمة عظيمة الشأن، ممتدة الأطراف، كثيرة الخيرات، تصدر منتجاتها الزراعية المتميزة إلى أسواق الغرب، وتنافس الأوربيين فى رقيها ونظافة حواضرها، وكانت تقرض الإمبراطوريات الغربية لدعم ميزانياتها المتعثرة.. وفى خلال سنوات معدودات من حكمهم المشئوم صرنا دولة حقيرة، تضاعف فيها الفقراء، وقلّ الأغنياء، وحوربت رءوس الأموال بحجة القضاء على الإقطاع، ووضعت خطة شيوعية ممنهجة لتحويل المحروسة إلى (كانتون) من المدقعين؛ لضمان ربطهم بكرسى الحكم، يلقى الجنرالات إليهم بالفتات فيهتف لهم البائسون، بل يتطوعون لقتال طبقات: «البرجوازية»، و«البروليتاريا» و«الإمبريالية» إلخ تلك الألفاظ «الباذنجانية» المعروفة صناعة (الأجهزة السيادية!!)..

إذًا العسكر هم من جلبوا لنا الفقر عامدين، ولِمَ نذهب بعيدًا ونحن نعيش الآن تجربة كلها حنظل ومرار، بطلها ذلك الذى أثار القضية: كيف كنا منذ خمس سنوات وكيف صرنا الآن؟ ومن فعل هذا يا «….»؟ ألم يكن الناس فى عام 2012 -رغم أحداث الثورة وما فعله «الطرف الثالث»- يعيشون بكرامتهم، وكان أقصى أمانيهم أن يرتفع الحد الأدنى للأجور إلى «800» جنيه؟ صف لنا حال المصريين اليوم؛ كيف يعيشون؟ وما الحد الأدنى المطلوب كى يعيشوا عيش عام 2012؟

أنتم يا «…..» من استنبتم هذا الفقر بغشمكم وجهلكم، وعمالتكم وتبعيتكم، وبحقدكم الأسود وكراهيتكم للدين، والله لا يبارك لذى قلب أعمى، إنما يفتح بركات السماء لمن آمن واتقى، وعدل فلم يظلم، ألم تقرأ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124]؟
إن الفقر يا «…..» لا يعم أمة إلا إذا فسد رأسها، وليس هناك أفسد منكم الآن، تحاربون دين الله، وتصدون عن قرآنه وسنة نبيه، وتعادون أولياءه، وتقدمون شرعكم على شرعه، وتسخرون من وحى السماء الذى حكم أممًا لم يشهد التاريخ لها مثيلاً فى عظمتها وكرامتها واستغنائها عن الناس، وإن الفقر والحاجة لا يكونان إلا فى قوم غارقين فى الظلم والفسق (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].
إن أمة حكامها تابعون أذلاء، لا ينتمون إليها ولا يعملون لها. كيف تكون أمة غنية؟ الطبيعى أن تكون أمة معوزة تابعة لا حظ لها من غنى أو حضارة أو سيادة؛ فالأمم من جنس حكامها، والناس على دين ملوكهم؛ فالحاكم الصالح بطانته صالحة، وشعبه صالح، وأمته غنية موفورة الكرامة، والفاجر الظالم الدنىء شعبه عاجز، مشلول الإرادة، لا يستطيع الوصول إلى خير، ولا يغادر دائرة الفقر والحاجة.

والظلم مؤذن بخراب العمران، والتاريخ شاهد على ذلك، وقد هلكت الأمم الظالمة -من دون استثناء- بذنوبها، أى بذنوب قادتها ورؤسائها، وليس هناك ذنب فى حكم الشعوب أعظم من الظلم. ألا ترى أنه يهلك الحرث والنسل، وينزع البركة، ويذهب الأمن، ويلبس الناس لباس الخوف؟ بخلاف العدل فإنه يستنبت المروءة فى مجتمعاته، ويبارك فى كل شىء، ويمنع الوباء والبلاء والغلاء، ويجعل الناس فى أمن ورغد ورحمة؛ وانظر فى التاريخ: كيف زاد المحصول على عهد عمر بن عبد العزيز حتى عم الإنسان والبهيمة والطير، وحتى زاد حجم الثمرة على غير ما عهد الناس، وحتى صادق الذئب الراعى. ويوم تجرأ الذئب على غنيمات لراع فى البادية قال: والله لقد مات الرجل الصالح. وبالفعل علم ممن قدم من الحضر أن عمر توفاه الله ليلة قضم الذئب الشاه.

يا «…..» إن تولية النفايات وتأخير الكفايات، وسجن الأحرار وتغليب الفسقة الأشرار لهو الجالب للفقر، والتخلف وسوء الحال والمآل، وما سمعنا فى بلد يريد التقدم يُسجن فيه العالم وتُقدم الراقصة، وما نهضت أمة ومن يحكمونها لا يحسنون إدارة أنفسهم؛ فتجد فيهم المضطرب والمعتوه، والسكير ومن لا خير فيه؛ إنما الأمم الراشدة تبنى على أكتاف أقوام مخلصين للسماء أولاً؛ فهم على نور من ربهم، ثم لشعوبهم وأهليهم وأوطانهم ثانيًا فلا يعرفون غدرًا ولا خداعًا، ولا يتآمرون ولا يكذبون.. فمتى تكفون عن الكذب والخداع حتى تخرج أمتنا من هذا المستنقع الآسن الذى وضعتموها فيه؟

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها