مصر تمضي نحو الانفجار.. “2261” احتجاجا في النصف الأول من “2020”

- ‎فيأخبار

تذهب تقديرات موقف إلى أن نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي الذي اغتصب الحكم بانقلاب عسكري وارتكب عشرات المذابح الدموية التي أسفرت عن مقتل آلاف المصريين، وأغلق المجال العام وأمم الفضاءين السياسي والإعلامي لحساب أجهزته الأمنية؛ يدفع المصريين دفعا نحو الانفجار الشعبي الذي سيكون هائلا ومدويا.

يستند هؤلاء إلى قاعدة "لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه". وقوة الغليان الشعبي سوف تصل إلى مرحلة انفجار واسع ستطيح أمامها كل مؤسسات القوة داخل النظام؛ وهو ما يمكن أن يفضي إلى  سيناريوهين: الأول، إعادة هندسة النظام من جديد بما يلبي تطلعات الشعب نحو الحرية و الاستقلال. والثاني، أن يفضي ذلك إلى فوضى كبيرة لا يمكن احتواؤها سوف تستغلها قوى إقليمية ودولية للتدخل بشكل أكثر سفورا في الشأن المصري على غرار ما حدث في سوريا. ولن يكون المتهم في ذلك الشعب المظلوم الذي يبحث عن العدل والإنصاف بل هم الطغاة الذين دفعوا الشعب إلى التمرد على هذه الأوضاع الجائرة؛ فمتى نهض شعب بالظلم؟ ومتى تقدمت دولة بالفساد والطغيان؟ وقد صدق الإمام ابن تيمية عندما قال عبارته الشهيرة" إن الله ليقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ويمحق الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة".

ويبرهن على حالة الغليان التي تسود الدوائر والأوساط الشعبية، انتفاضة 20 سبتمبر 2020م، حيث خرج عشرات الآلاف من المصريين يعبرون عن غضب عارم تجاه الظلم الفاجر والقوانين الجائرة، والاستبداد الذي دمر البلاد وفرض عشرات الرسوم الباهظة بخلاف الغلاء الفاحش الذي لم يتوقف يوما. وقد حققت انتفاضة 20 سبتمبر زخما ثوريا وإعلاميا هائلا، حيث تواصلت المظاهرات التي تهتف برحيل رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي  أكثر من أسبوع واتسعت رقعة الااحتجاجات من أسوان جنوبا حتى الإسكندرية ودمياط شمالا. وأكدت هذه الانتفاضة أن مصر تشهد حالة من الغليان المتواصل الذي أوشك على الانفجار.

ولم يتوقف الغليان الشعبي ضد نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي عند انتفاضة 20 سبتمبر، بل توكد منصة العدالة الاجتماعية وهي مؤسسة مجتمع مدني مصرية، أنه رغم تفشي جائحة كورونا وإغلاق النشاط العام والحصار الأمني الشامل لكل أشكال التظاهر والاحتجاج؛ فقد شهد النصف الأول من 2020م، نحو "2261" احتجاجا؛ ورغم الحصار الأمني والقيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير فإن المحتجين ــ وفقا لمنصة العدالة الاجتماعية ــ استخدموا مجموعة متنوعة من أدوات التعبير عن الاستياء من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، خلال أشهر النصف الأول من العام. واعتمادًا على البيانات المجمعة من تقارير إعلامية مختلفة، رصدت المنصة الاتجاهات العامة للاحتجاج خلال النصف الأول من العام، والفئات الأكثر احتجاجًا أيضًا، والاحتجاجات التي جرت بشأن الجائحة.

وجاءت الاحتجاجات الاجتماعية في الصدارة لتصل إلى 1998 احتجاجًا وتلتها الاحتجاجات الاقتصادية بواقع 158 احتجاجًا، وأخيرا بلغ عدد الاحتجاجات العمالية 105 احتجاجات.  ووثق الفريق 41 حالة إيذاء للنفس في النصف الأول من 2020، انتهت 31 حالة منها بالوفاة، بما يشير إلى ارتفاع حاد في عدد الحالات، مقارنة بإحصائيات منتصف عام 2019، التي سجلت 15 حالة فقط. وسُجلت غالبية هذه الاحتجاجات على أنها احتجاجات اقتصادية، على أساس الرواية الرسمية التي نشرتها الوسائل الإعلامية، والتي أفادت بأن “الصعوبات الاقتصادية” كانت سببًا للإقدام على هذا الفعل.

وتظل الشكاوى والبلاغات متصدرةً لأشكال الاحتجاجات الاجتماعية، ومع ذلك، اتخذ 58 احتجاجًا شكل التظاهر أو الاعتصام داخل أماكن العمل أو قطع الطرق، حسب التقرير الحقوقي. ويظل هذا النوع من الاحتجاج، المتمثل في البحث عن مساعدة أو المطالبة بتفسيرات، شكلًا مفضلًا وآمنًا للتعبير عن الاستياء من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة وسط تزايد القيود المفروضة على الأشكال المختلفة للمعارضة السياسية وصعوبات التنظيم.  وازداد هذا الأمر منذ 2017، حيث تم التعامل مع أشكال عديدة من التظاهرات الاحتجاجية باستخدام العنف والاعتقالات التعسفية، وفق التقرير.

وكان الباحث «تيموثي كالداس» قد حذر في ورقة بحثية نشرها معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في ديسمبر 2019 من تصلب نظام السيسي وأن هذا التصلب الظاهر يخفي في جوهره هشاشة ستكون سببا في سقوط النظام في مصر بصورة فوضوية للغاية. وتحت عنوان «استبداد السيسي الهش.. لماذا سيكون انهيار النظام في مصر فوضويا للغاية؟» يحذر "كالداس"  من رهان الدول الغربية على الاستقرار الظاهر لنظام السيسي الذي كرسه بوسائل وحشية.  ويقر أن قبضة السيسي على السلطة في هذا الوقت قوية للغاية، لكن الطريقة التي عزز بها هذه السلطة تجعلها أيضا هشة للغاية وحساسة للصدمات غير المتوقعة. ويرى "كالداس" أن النظام رغم تمكنه من إخماد الاحتجاجات التي خرجت استجابة لدعوة الفنان والمقاول محمد علي في سبتمبر 2019م، فإن الأمر مسألة وقت حتى تندلع شرارة أخرى و جولة أكبر من الاحتجاجات التي لن يتمكن النظام من إخمادها بسهولة. لكن الأكثر خطورة على مستقبل مصر هو عدم وجود آلية للانتقال السلمي للسلطة كما شوهد في تونس، إضافة إلى عدم وجود مساحة لإعداد قيادات بديلة موثوقة؛ وبذلك فإن الخوف من انتقال السلطة رغم حتميته أجبر السيسي على اتخاذ إجراءات من شأنها أن تجعل أي عملية انتقال للسلطة في مصر فوضوية للغاية، وينتهى "كالداس" إلى أن نصل السيسي الحاد الصلب ربما يكون قد أطاح بخصومه وركز السلطة في يديه، لكنه عندما يواجه تحديا أكثر صعوبة فقد لا يتراجع ولكنه ربما ينهار تماما؛ فالمخاطر المرتبطة بهشاشة النظام المصري كبيرة للغاية ولا يمكن التنبؤ بها على حد سواء.

وتتوقع الأكاديمية الأمريكية «إيمي أستون هولمز» التي عملت سابقا كأستاذ مشارك بالجامعة الأمريكية بالقاهرة خلال فترة ثورة يناير، أن تكون الثورة أو الانتفاضة القادمة في مصر اقتصادية الدوافع بامتياز. وتفسر ذلك بأن  الطبقة الحاكمة الثرية والتي تمثل نحو (1%) باتت تمتلك بحلول 2014 حوالي نصف مقدرات البلاد بنسبة  49%، مما يعني أن مليون مواطن مصري يستحوذون على نصف ثروة البلاد فيما يتصارع 99 مليون مصري على النصف الباقي. وأن الغياب المهول للعدالة الاجتماعية، برأي هولمز: هو وصفة لتحركات قادمة لا يرى المشاركون فيها أي مستقبل لهم في بلد تعوزه الحرية والرفاه على السواء. ويذهب مركز "ستراتفور" البحثي لما هو أبعد من ذلك بالتأكيد على أن «ولع «السيسي» بالقوة لابد أن يتسبب في زواله عاجلا أم آجلا. ومع كل يوم يبقاه في منصبه فإنه يعطي شعبه سببا جديدا للاعتقاد بأن التمرد هو السبيل الوحيد للتغيير السياسي».