مليونيات “تفكيك القنابل”.. أحدث “أفلام” داخلية الانقلاب

- ‎فيتقارير

“تحيا مصر.. عُشرميت مرة”، كان هذا هو حال عشرات المواطنين الذين التفوا حول رجل بزي مقنع “ميري” يفكك قنبلة تدّعي داخلية الانقلاب مرة أنها “هيكلية” وأخرى أنها “بدائية الصنع” وهو نمط منوع للاستهلاك الإعلامي النمطي في إطار الحرب على “الإخوان”، وهكذا تكون رواية “داخلية” الانقلاب، فآخر قنبلة من هذا النوع وجدت داخل مسجد “سيدي علي القطوري” بقرية النحارية مركز كفر الزيات غربية، تعرف عليها الأهالي مباشرة أنها “قنبلة” وأنها معدة لتفجير جنازة أثناء الصلاة عليها!

ومع إبلاغ “مقيم الشعائر” الذي هو في العادة يعمل بوظيفة أخرى، وغير موجود بالمسجد إذ إن راتبه لا يبلغ في أقصى الأحوال 900 جنيه، انتبه رجال الشرطة المتخصصون بالمتفجرات والأجهزة المعنية (الإسعاف والمطافئ) أن المواطنين يكادون يفككون هم القنبلة.

ويبدو أن هذا الفعل ليس مجرد “جبروت شعب” كما تدّعي صحف وإعلام الانقلاب، بل عن استخفاف أمني بعقول المصريين، تماما كتلك الاغتيالات التي تقوم فيها عناصر قذرة من داخلية الانقلاب وأجهزة أمنية أخرى بقتل الشباب المختفي قسريا والموجود لديها دون أن يخدش ضابط بخدش واحد!

الطريف أنه في كفر الزيات حيث وجدت القنبلة الأخيرة، والتي تبرر بها سلطات الانقلاب حملات القتل خارج إطار القانون والإعدامات على الهوية لا على الجريمة، أشيع فيها عدة شائعات عن وجود قنبلة؛ ففي 19 يوليو 2017، نفى أمن الغربية العثور على قنبلة بجوار مسجد في كفر الزيات، وفي 15 مايو عنونت صحف الانقلاب “بلاغ سلبي بوجود قنبلة داخل مسجد في كفر الزيات”، وفي أبريل من العام نفسه أشيع إبطال مفعول قنبلة أخرى.

غير أن تلك الحوادث ترتبط أيضا لا بالقتل فقط بل بإشاعة مناخ يساعد على قبول حملات الاعتقال لشرفاء الوطن؛ ففي 3 الشهر الجاري أعلنت مديرية أمن الشرقية عثورها على قنبلة بدائية في محكمة أبوحماد وقيام شرطة المفرقعات بتتفكيكها؛ ما يحمل استغرابا لدى البعض عن مهارة قسم مفرقعات الشرقية وعدم خبرة نفس القسم في القاهرة؛ حيث قتلت قنبلة بدائية الصنع ضابطا يدعى مصطفى عبيد كانت موضوعة بمسجد إلى جوار كنيسة!

الطريف أن مصادر صحفية قالت إن “سير العمل داخل محكمة أبوحماد لم يتأثر؛ حيث تم التعامل مع الجسم الغريب في وقت قصير، وأنه لم يتم تأجيل أو توقف القضايا بسبب القنبلة”.

مليونيات شعبية

ويسود لدى المصريين شعور بأن القنبلة غير ذات أهمية، وأنها باتت روتينا عسكريا في الشوارع، وفي العادة يتم تفكيكها، ولذلك تكون عمليات التفكيك مصحوبة بوجود العشرات وربما المئات حول الحدث، ويبدو أن المحتشدين لا يستبعدون أن يكون للشرطة يد في مثل هذه الأعمال التي تتحول إلى أعمال إرهابية عندما تريد مثل تلك الأجهزة الوصول لأهدافها السالفة.

ففي 21 يناير الماضي، سجلت عدسات الفيديو لحظة تجمع الأهالي لرؤية تفكيك قنبلة بالإسكندرية، وتبين فيما بعد أنها قنبلة هيكلية خالية من المتفجرات.

ونقلت الكاميرات تجمع الأهالي مع ضحات وابتسامات دون خوف للحظة واحدة أثناء عملية التفكيك، في الوقت الذي يتعامل الجميع مع نبأ وجود قنبلة بأنه شيء يستدعي الهروب من مكان تواجدها.

ورصد فيديو لحظة تفكيك قنبلة في وسط الاسكندرية ؛ حيث اقترب خبير المفرقعات نحوها وتبين أنها مجرد قنبلة هيكلية لا تستدعي الخوف ونجح في إبطالها وسط صيحات وهتافات الشعب الإسكندراني، وهي الهتافات التي يراها كثيرون ساخرة من الحدث.

المثير للدهشة أن بعض الصحف تتغافل عن هذه السخرية والتفاعل المليوني في مبالغة لإظهار كم غير مصدق إنها “قنبلة” بالمعنى المتداول، ويقول هذا الإعلام إنه “جبروت شعب” أو “رسالة للأعداء بأن الشعب لا يخشى سوى الله”! .

 

ذكرى يناير

وفي يناير وما حوله قبل بأسبوعين وبعده بفترة موازية، تتكرر مثل تلك الحوادث لتزامن يناير مع احتفالات الأقباط والتي يحرص فيها السيسي على تقديم القرابين وإثبات ولاء مصطنع لأرباب نعمته ورضا الغرب عنه، وتحرير صحف الإنقلاب ديباجة “حيث تواصل قوات الشرطة المصرية تأكيدها على يقظتها واستعدادها الدائم لحماية الشعب المصري”.

وفي نفس يوم عبوة وسط الإسكندرية أعلنت في مشهد مماثل أجهزة المفرقعات والحماية المدنية بالقليوبية؛ تفكيك جسم غريب عثر عليه داخل سيارة ملاكي تركها صاحبها وفر هاربا أمام محطة كهرباء بنها العملاقة أمام قرية جمجرة مركز بنها على طريق بنها المنصورة في اتجاه مدينة المنصورة يشتبه في كونه قنبلة هيكلية!.

ويستعير بعض المراقبين وجهة نظر الجاني، الذي أستأجر أو اشترى سيارة ووضع فيها قنبلة لتفجير محطة كهرباء أولا ليغضب منه الشعب عندما يقطع عنهم “الكهرباء”!، ثم يفاجئ رئيس مباحث القليوبية وخبراء المفرقعات والإطفاء، أن القنبلة وضعت أولا في مكان ظاهر “جسم غريب تم إخراجه من الكرسي الموجود بجوار قائد السيارة”، ويزيدون “وقام خبراء المفرقعات بتفجيره عن بعد، حيث أحدث صوتا خفيفا دون حدوث انفجار”.

قنبلة الأوبرا

المواطنون الذين شاركوا الشرطة في تفكيك قنبلة بميدان الأوبرا، كانوا أشبه بمليونية، ففي 8 يناير الماضي، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورًا قالو إنها لقنبلة زرعت في ميدان الأوبرا بالقاهرة.

وتُظهر الصور التي نشرها النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” أعدادا كبيرة من المواطنين تجمعوا في محيط تواجد القنبلة داخل ميدان الأوبرا، بعد وصول قوة من خبراء المفرقعات.

ووفقا لشهود عيان فقد قامت الشرطة بعمل طوق أمني بمحيط شارع عبد الخالق ثروت، في محاولة لمنع تواجد المواطنين، غير أن المواطنين كانوا موجودين وبكثافة إما رضا بالغباء حيث اكتشفت الأجهزة الأمنية، بحسب مصادر صحفية، عدم احتواء الكيسة السوداء على أية مواد متفجرة، بل على أسلاك وقطع تشبه الرخام.. ويرجح أن يكون الراكب قد تركها سهوًا بداخل سيارة التاكسي التي كان يستقلها، وجار استدعاؤه، بينما تم اتخاذ الإجراءات القانونية.

وفي تعليقها على مثل هذه الحوادث كتب صحيفة الوفد قبل شهرين: “فيديو.. لحظة تفكيك قنبلة بجوار محطة وقود بميدان الجيزة”، ونشرت “بوابة الوفد” أول فيديو للحظة تفكيك قنبلة بجوار إحدى محطات الوقود بميدان الجيزة، يصاحبه تجمهر عدد كبير من المواطنين حول رجال المفرقعات خلال عملية التفكيك فيما ردد آخرون هتافات!

قنبلة نحتاجها

وساخرا علق الباحث أحمد غانم على مشهد المسكين “خبير المفرقعات” الذي انفجرت فيه القنبلة هو مشهد مصغر لمصر الدولة والمجتمع والشعب، فيقول: “لست خبيرا في المفرقعات ولكني رأيت تفكيك قنابل في أمريكا ورأيت كم اجراءات الأمن والسلامة التي تتخذ في هذه الحالة في مقابل المشهد الهزلي الذي نتج عنه مقتل ذلك الضابط: المسكين يقف أمام القنبلة بلا درع وببدلة تفككت بسهولة من قنبلة صغيرة. والناس تقف على بعد أمتار تشاهد القنبلة ولا أثر لأي سيارات إسعاف أو أبسط اجراءات السلامة..لو كانت هذه القنبلة كبيرة -لا قدر الله- لحصدت عشرات الأرواح.

واعتبر هذا المشهد معبرا عن “سرايا المجانين” التي يقف فيها الناس على بعد خطوات من قنبلة…أشك أن هذا المسكين تلقى أي تدريب محترم لتفكيك قنابل وأنه دفع به من قبل رؤسائه لمواجهة موقف لم يدرب عليه كما حدث لي في كشك الولادة حيث أتذكر أول ليلة لي في كشك الولادة في سنة الامتياز حين قذف بي النائب داخل غرفة العمليات لتوليد سيدة لأنه يريد أن ينام رغم أني لم أولد سيدة من قبل ولم أتلق تدريبا عمليا منهجيا يؤهلني لذلك اللهم إلا ساعات قليلة في السنة الخامسة في كلية الطب معظمها نظري..والتعليم على حساب أرواح المرضى…كما كان التعليم في تفكيك القنبلة على حساب الفقيد..”.