من أسرة السيسي لأصغر موظف.. فساد الانقلاب على كل شكل ولون وكله بالقانون

- ‎فيتقارير

الفساد في عهد الانقلاب العسكري أصبح على كل شكل ولون وفي كل المجالات، في الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات.. وعلى كل المستويات، بدءًا من قائد الانقلاب الدموي عبد الفتاح السيسي وحرمه انتصار وأنجاله وحتى أصغر موظف في الأجهزة الحكومية، ولأول مرة يصبح الفساد شعارًا ومنهجًا في دولة من دول العالم؛ حيث عمل قائد الانقلاب الدموي على شرعنة وتقنين الفساد وحمايته بكل الوسائل القانونية، بجانب القوة والسلاح للفتك بكل من يعترض طريق الفساد الذي تعتمده عصابة العسكر في كل سياساتها وقراراتها.

ولا تعبأ دولة العسكر بأنين الغلابة والمطحونين من كافة فئات الشعب المصري التي تدوسها عجلة الفساد العسكرى وتحرمها حتى من الحصول على لقمة العيش والاحتياجات الضرورية، يشار إلى أن عمليات الفساد تضخمت وتفاقمت كسياسة دولة منذ نجاح مخطط الثورة المضادة وانقلاب ٣ يوليو عام ٢٠١٣، وهو أمر تعكسه ممارسات كبار المسئولين، وعلى أعلى مستوي، ومن يتم ضبطهم وتقديمهم للعدالة يتعرضون لمحاكمات سياسية تستهدف تجميل وجه سلطات الانقلاب لا أكثر، وفي الغالب تتم التضحية بهم، وهو ما تعرض له المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وصلاح هلال، وزير الزراعة الأسبق، ووزير التموين السابق خالد حنفي، والعشرات من صغار الموظفين. ولذلك فإن مواجهة الفساد الحقيقية لن تبدأ في مصر إلا بإسقاط الانقلاب ومنظومة الحكم العسكري.

خارطة محمد علي

كان الفنان والمقاول المعروف محمد علي قد شرح آلية الفساد المتفشي في المؤسسة العسكرية، من خلال خارطة توضح تسلسل البدء في مشروعات الجيش، مرورًا بالحصول على التمويل وحتى آليات إنهائها، وتناول على خلال حلقة خاصة بثتها قناة الحوار الفضائية بلندن، باستخدام الخارطة التوضيحية ملفات الفساد والهيئات التي تعامل معها على أرض الواقع خلال تنفيذه مشاريع لصالح الجيش.

وأوضح أنه تعامل مع ثلاث هيئات تابعة لوزارة الدفاع، ويشرف عليها عبدالفتاح السيسي وهي: هيئة الشئون المالية، والهيئة الهندسية، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية. مشيرًا إلى خضوع صندوق “تحيا مصر” والذي طلب السيسي من الشعب المصري توفير الدعم له، مضيفًا: “بأن صلاحيات الصرف من هذا الصندوق تخضع للسيسي فقط، وأنه يصرف منه بدون طلب أي مستندات أو أوراق ثبوتية”.

معهد كارنيجي

ومن جانبه نشر معهد كارنيجي تقريرًا مفصلاً من 360 صفحة يشرح فيه يزيد صايغ كيف رسّخ عبد الفتاح السيسي سيطرة الجيش والفساد منذ عام 2013، مشيرًا إلى أن الجيش ينفذ مشاريع ضخمة للبنية التحتية، وينتج سلعًا استهلاكية تتراوح من الغذاء إلى الأجهزة المنزلية، ويقوم بتصنيع الكيماويات الصناعية ومعدات النقل، ويستورد السلع الأساسية للأسواق المدنية وتوسّعت عملياته لتشمل قطاعات جديدة متنوعة مثل التنقيب عن الذهب وإنتاج الصلب وإدارة الأوقاف الدينية والحج.

وقال التقرير إنه في موازاة ذلك، يستفيد آلاف من كبار الضباط المتقاعدين من النفوذ السياسي القوي للجيش الذي يمكّنهم من شغل مناصب عليا في جميع أنحاء الجهاز المدني وشركات القطاع العام، وهو ما تسبب في وجود مساحة كبيرة للنهب والفساد.

فسادستان

وأكد الدكتور سيف عبدالفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الفساد زاد في زمن الانقلاب، مشيرًا إلى ان ثورة 25 يناير قامت من أجل القضاء على الفساد وإسقاط نظم الاستبداد.

وقال عبدالفتاح في تدوينةٍ له عبر صفحته على موقع “فيس بوك”: “لقد قامت ثورتنا المجيدة للقضاء على الفساد، بإسقاط نظام الاستبداد، وإذا كنا قد عرينا منظومة الاستبداد، وفضحنا دولتها التي لم تعد عميقة، فإن شبكة الفساد ومصّ دماء المصريين لم تمس، إنما كمنت بحسها الجبان، حتى إذا لاح نجم الثورة المضادة، وأبرق الانقلاب انتعشت مرة أخرى، وقامت بفعل فاعل؛ لتستعيد نشاطها الأثيم، وكله بالقانون”، وأشار الى أن مصر تحولت في عهد الانقلاب الدموي من دولة قانون إلى “‏فسادستان”.

فاتورة ضخمة

وقال الكاتب الصحفي صلاح بديوي: إن كلفة فاتورة الفساد في مصر تتزايد باستمرار مع بقاء نظام الانقلاب العسكري على رأس السلطة، وفي كل يوم يمر تتكشف للشعب المصري وقائع فساد جديدة يتضاءل في مواجهتها الرقم الذي سبق وحدده المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المعتقل لكلفة الفساد بـ٦٠٠ مليار جنيه.

وأشار إلى ما يحدث من فساد في مجال القمح واستيراده سنويًّا، موضحًا أن اللافت للانتباه أن 15 مليون طن سنويًّا حجم الاستهلاك الفعلي للشعب المصري من القمح، وتشير الأرقام الواردة من وزارة الزراعة والمستندة إلى الحصر الفعلي للمساحات المنزرعة التي تبلغ 3.4 مليون فدان تنتج نحو9.4 مليون طن، إلى أنه في الموسم الماضي تم توريد ٤ ملايين طن تقدر قيمتها بـ11 مليار جنيه، بمعدل تراجع يقدر بنحو مليون طن عما تم توريده العام السابق لتزيد بذلك احتياجات مصر من القمح المستورد إلى ١١ مليون طن.

وحسب تلك التقارير فإن مافيا الدعم والوسطاء هذه الفئة التي تحقق أرباحًا خيالية وغير مشروعة باستيراد القمح بالسعر العالمي الذي يبلغ نحو 1500 جنيه للطن ويقومون بتمريره إلى الشون الحكومية بطرق غير مشروعة بمبلغ 2772 جنيها.

وذكر بديوي أن تقرير لجنة تقصي حقائق برلمان الانقلاب كشفت عن أسماء 19 أخطبوطًا من رجال الأعمال قال إنهم يحتكرون الصوامع والشون ويتحكمون في رزق الشعب المصري، موضحًا أن الأغلبية منهم تعمل بدون سجل تجاري. من أبرزهم: عبدالغفار السلاموني، والذي يمتلك بنكر الصفوة، وبنكر أكتوبر، وصومعة العبور، بدون وجود سجل تجاري وبطاقة ضريبية، وتضمنت القائمة أيضًا عماد حمدي عبدالجواد، والذي يمتلك صومعة يونيتد بالمنوفية، وشونة وصومعة يونيتد بالمطقة الصناعية بوادي النطرون، دون وجود سجل تجاري وبطاقة ضريبية ومنهم من يحمل بطاقة ضريبية بقالة، مثل “شونة حورس العدوة” الذي يمتلكها محمود عبدالمنعم محمود.

وأوضح أن التعديلات التي أجريت على قانون العقوبات، بشأن التصالح في قضايا الفساد بالدولة، تبرئ المسئول في حال تصالح رجل الأعمال؛ إما بدفع فرق الأسعار، أو استرداد الدولة للأراضي، لافتا إلى أن قانون “حسن النية لموظفي الدولة”، الخاص بالقرارات الخاطئة التي قد يتخذها المسئولون بحسن نية، هو تقنين لـ“قانون الفساد”؛ لأن هذا القانون يسمح للمسئولين بارتكاب جرائم وتلقي رشاوى، وإدراجها تحت بند “حسن النية”، مشيرًا إلى أن “وكالة بلومبرج” قالت إن السيسي هو المسئول عن تردي الأوضاع الاقتصادية؛ وذلك لتبديده حزم مساعدات أجنبية هائلة في مشروعات ضخمة مشكوك في قيمتها وأهميتها مثل توسعة قناة السويس.

وتابع بديوي: طبقًا لبيانات المشروع الدولي للعدالة، فإن المشكلة في مصر ليست في نقص التشريعات اللازمة لمكافحة الفساد، ولكن فشل الدولة في إنفاذها، فنادرًا ما يعاقب موظفو القطاع الحكومي، موضحًا أنه حسب مؤشر الشفافية الدولية احتلت مصر مرتبة متأخرة علي هذا المؤشر، وأشارت إلى أن النخب الحاكمة المسيطرة على دول الربيع العربي – ومن بينها مصر – في الـ30 عاما الأخيرة واصلت اختطاف هذه الدول والسيطرة على مقدراتها، وتغيير إرادة شعوبها عبر تغييب الشفافية في المعاملات الحكومية، خاصة صفقات الأسلحة ونفقات المؤسستين العسكرية والأمنية.

شبكة القمة

يقول عادل عامر، خبير اقتصادي: إن الفساد لا يحدث من فراغ، ولا بشكل عشوائي، ولكنه يحدث من خلال حسابات دقيقة لكل الأطراف المشتركة في هذه الكارثة، فكل جهة تحاول تحقيق أقصى منفعة ممكنة، ويبدو أن كثرة القوانين تؤدي إلى زيادة ثغراتها وسهولة مخالفتها، فكثرة القوانين من أهم البواعث للفساد، موضحًا أن الفساد هو إساءة استخدام السلطة من أجل تحقيق منفعة خاصة، أو استخدام مفهوم المصلحة العامة كإطار تخفي داخله مصلحتها الخاصة، وإحكام سيطرتها علي المجتمع، ومن ثم يصبح مفهوم المصلحة العامة مجرد أداة لتزييف وَعْي أفراد المجتمع؛ بهدف تحقيق مصالح خاصة تحـت ستـار المصلحة العامة.

ويؤكد عامر أنه لا يوجد حصر دقيق لقضايا الفساد المضبوطة في مصر ولا حجم الأموال المتحصلة عنها؛ لأن هيئة الرقابة الإدارية لا تعلن إلا عن القضايا الكبرى من حيث الأموال المهدرة أو من حيث المسئولون المتورطون فيها، لكن أبرز تلك القضايا تكشف عن أن الرشوة واختلاس المال العام هما الصورتان الأبرز لوقائع الفساد، مشيرًا إلى أن التقارير الرقابية تكشف عن ترسخ ظاهرة الفساد في قطاعات بعينها كوزارات التموين والصحة والتعليم والأوقاف والزراعة والمالية والإسكان والعدل، وهي وزارات خدمية ذات صلة مباشرة بالجمهور، مؤكدا أن معظم أعمال الفساد تتم بسرية، ونادرًا ما يتم الكشف عن هذه العمليات خاصة تلك التي تتم في الأوساط الرسمية العليا (فساد القمة – الفساد الكبير)، فهذه الأوساط تشكل فيما بينها شبكة تقوم من خلالها بأعمال الفساد وتحيط أعمالها بالسرية التامة ونادرًا ما يتم كشفها أو معرفة تفاصيلها.

ويرى أن القوانين المعمول بها تمكن المسئولين الحكوميين من الحصول على رشاوى نظير منح الشركات (من داخل الدولة أو خارجها) عقودا حكومية أو تسهيلات أو امتيازات داخل الدولة، أو منح استثناءات وامتيازات لأشخاص من الدولة ذاتها، كما أن من الآثار الاجتماعية والثقافية للفساد زيادة حدة التفاوت الاجتماعي، وسببه الفساد الذي عمّق الفجوة بين الأغنياء والفقراء؛ حيث تم إخضاع العملية الحسابية لمنطق الزبونية والمحسوبية الذي قاد إلى غياب العدالة في توزيع الثروة على المواطنين؛ ما جعل شرائح واسعة تعاني من الفقر والجوع، وهو ما انعكس بالسلب على تركيبة المجتمع والعلاقات الاجتماعية، نتيجة لتركز الثروة في يد فئة قليلة من الأفراد.

وأوضح عامر أنه نتيجة لهذا الوضع ظهرت سلوكيات غير محمودة داخل المجتمع مثل الرشوة والسرقة والعمولة؛ ما أدى إلى تعميق جذور الفساد. وأيضًا، ترسيخ ثقافة الفساد؛ حيث إن الفساد ينعكس سلبًا على منظومة القيم الأخلاقية والثقافية في المجتمع، كما أنه يزعزع سلم المبادئ التي تحكم المجتمع في علاقاته المتعددة، محذرا من أن خطورة الفساد لا تتوقف عند حد الرشوة، بل تكمن خطورته في هدم القيم والأخلاق والمثل وتحويل مبادئ العلم والمنافسة إلى صفقات.

مضيفا: أدى الفساد في مصر إلى غياب الوعي واللا مبالاة وعدم الاكتراث، كما أصبح الفساد عادة نتيجة لذيوعه في المعاملات اليومية، سواء الحكومية أو غير الحكومية، وهذا أدّى إلى إفقار ثقافة المجتمع المدني، لافتًا إلى أن الفساد يحدث عندما يمتلك الموظفون سلطة احتكارية على المتعاملين وعندما يتمتع الموظفون بسلطة تتحكم في عملية توفير المنتجات، سلعًا كانت أم خدمات. وعندما يكون مستوى المساءلة أو تحمل المسئولية متدنية.