من الإرهابى؟

- ‎فيمقالات

هل تعلم لماذا فشل العالم إلى الآن فى وضع تعريف للفظة "الإرهاب"؟ ولماذا تقاعست هيئاته ومنظماته الأممية "العريقة" التى ما أعجزها إصدار مئات الدساتير والمواثيق مثلما أعجزها تحرير هذا المصطلح المتداول؟ الحقيقة لم يفشل العالم فى تعريف الإرهاب ولا فشلت منظماته وهيئاته فى تحرير مصطلحه، إنما هناك تواطؤ دولى على ألا يُعرَّف "الإرهاب"؛ لأن من ذكرتُهم ومعهم حاشيتهم من الطغاة والمستبدين هم أول المتورطين فى هذه الجريمة؛ من ثمَّ فقد تركوا اللفظ على المشاع، مطاطًا، يستخدمونه ضد خصومهم متى أرادوا ولا معقب على أفعالهم، ولا مستطيع يقطع باتهامهم.

ولعلنا قرأنا البيان الذى أصدرته ما تسمى بـ"هيئة كبار العلماء" بالسعودية ويصم "جماعة الإخوان المسلمين" بالإرهاب، وفيه ما فيه من التجنى والادعاء الباطل، فضلًا عما يشوبه من مجاملة الحاكم المستبد وتسييس الفتوى لصالحه. وهو مثال على التدليس العالمى باستخدام المصطلح فى غير موضعه كما أشرنا، وقلب الحقائق حتى بدا المتهم بريئًا والبرىء متهمًا، ولو قسنا سلوك الطرفين بالمقاييس الحقيقية لـ"الإرهاب" لاتضح لنا أن من ألقى داءه وانسلَّ هو الجانى الشنيع، وهو الأحق بالتهمة والعقاب.

يحذِّر البيان الذى صيغ بأسلوب غير أسلوب العلماء الشرعيين –والذى قيل إنه صدر عن الأمانة العامة للهيئة بعيدًا عن أعضائها الثقات الذين اختفت توقيعاتهم على البيانات منذ فترة- من الجماعة بقوله: "ومما تقدم يتضح أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام"، هكذا بدون تقديم حيثيات تبرر هذه الفتوى الخطيرة التى تطال الملايين حول العالم وتخرجهم من الملة، اللهم إلا اتهامات مرسلة مثل أنها "قائمة على منازعة ولاة الأمور والخروج على الحكام وإثارة الفتن… وغايتها الوصول إلى الحكم"، لكن يا مشايخ! من تقصدون بولاة الأمور؟ فى السعودية أم فى مصر؟ وهل لا يجوز فى الإسلام السعى للوصول إلى الحكم؟ وهل فيه عدم الخروج على الحاكم المستبد الفاسد؟ ولماذا يا مشايخ أصدرتم هذه الفتوى الآن وقد صنَّف ولى ولى أمركم الجماعة إرهابية من قبل (مارس 2015) ومن قبله وزير داخليتكم (مارس 2014)؟

والمشايخ –بالطبع- لن يجيبوا عن هذه الأسئلة؛ لأنهم –غالبًا- لم يروا هذه الفتوى إلا كما رأيتها حضرتك فى وسائل الإعلام. إنما الواقع هو الذى يجيب، وأن هذه الفتوى المنحرفة لا يُراد بها وجه الله، إنما يُراد بها كبت المصلحين، والتحريض عليهم ليواصل الفساد مسيره، وليكمل قطار التطبيع رحلته، و"الإخوان" هم العائق، ولو تركوهم يمارسون أنشطتهم الدعوية والسياسية لفضحوهم وقد سوَّقوا لشعوبهم أنهم حماة الإسلام فى حين يحاربون جماعاته الإصلاحية، ولأفسدوا عليهم خططهم فى الاستحواذ على العروش والجيوش وتطويعها لخدمة الصهاينة والأسياد.

من أجل ذلك لم يكن البيان غريبًا؛ إذ هو لسان حال من أنفقوا المليارات لوأد ثورات الربيع العربى وتمكين الثورات المضادة، من ساهموا فى نشر الفوضى وتدمير البلاد، من لم يتحركوا لنصرة النبى ﷺ والعالم ينتفض ضد من أساءوا إليه، ولم يتحركوا يومًا لمنع ذبح وتقتيل الأقليات المسلمة. كنا نود سماع رأى هذه الهيئة وفتواها فيمن يقتلون الشرفاء بالمناشير فى سفارات المملكة بالخارج، وفى سَجْن المئات من زملائهم العلماء والدعاة بلا ذنب إلا أن يقولوا ربى الله، وأن يجهروا بالرأى في المنكر الشديد الذى يرتكب قريبًا من الحرمين، والتحولات الجارية التى تنبذ الدين من المجتمع وتعلى الانفتاح على العهر والرذيلة.

وإذ نعزى أنفسنا فى هؤلاء المساكين فإننا نذكر بالخير؛ توكيدًا بأن الخير لا ينضب من هذا الأمة، (56) عالمًا سعوديًّا أفتوا بعد شهر من الانقلاب العسكرى بتحريمه وتجريمه، وبأنه خروج على حاكم شرعى منتخب، وأنه وقع بالتواطؤ بين أطراف إقليمية ودولية، وأنه جرى لإقصاء التيارات الإسلامية والوطنية ومنع الاستقلال الحقيقى لمصر وسيادتها.

أما الجماعة التى يرمونها بالتهم ويتهمونها بالإرهاب فإنها والله أبعد الجماعات عن هذه التهمة، فهم يفرون من كل الغايات والمطامع إلى غاية واحدة ومقصد واحد هو رضوان الله، وهم لهذا لا يشتغلون فى منهاج غير منهاجهم، ولا يصلحون لدعوة غير دعوتهم، ولا يصطبغون بلون غير الإسلام، وهم لا يقادون برغبة ولا برهبة، ولا يخشون أحدًا إلا الله، ولا يغريهم جاه ولا منصب، ولا يطمعون فى منفعة ولا مال، ولا تعلق نفوسهم بعرض من أعراض الدنيا الفانية، ولكنهم يبغون رضوان الله ويرجون ثواب الآخرة. أما غايتهم فهو الإصلاح الشامل الكامل الذى تتعاون عليه الأمة جميعًا وتتجه نحوه ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتبديل والتغيير. إنهم يهتفون بدعوة ويؤمنون بمنهاج ويناصرون عقيدة، ويعملون في سبيل إرشاد الناس إلى نظام اجتماعى يتناول شئون الحياة جميعًا اسمه "الإسلام".