من ينقذ مصر وله شرف الدهر؟

- ‎فيمقالات

نرجو من الله –ولا يعجزه شىءٌ فى الأرض ولا فى السماء- أن يهيئ لمصر وللمصريين ما يجنبهم مصائر السوء، وأن يرفع عنهم البلاء، وأن يأتى بمن يخلِّصنا من هذا النظام الذى جعلنا شيعًا، وأفسد وطغى، وأهلك الحرث والنسل.

لقد خطا المصريون خطوة عظيمة نحو التحرر من هذا الكابوس، ولا أظنهم عائدين إلا بالتخلص منه.. لكن إن لم يوجد مخلِّص فستكون الكُلفة عالية والمصاب جللًا؛ لأنك أمام نظام –وقد اكتوينا بناره لسبع سنوات- ليس بينه وبين الإنسانية أدنى صلة، فضلًا عن تجرده من الوطنية، فهو مستعدٌّ لتكرار النموذج السورى –إن استطاع- لأجل مصالحه الشخصية ومصالح من دعموه فى انقلابه واستيلائه على السلطة.

لا نشكُّ فى مقدرة المصريين على الخلاص من هؤلاء الانقلابيين، لكننا نريد حقن الدماء، كفانا دماء طاهرة أسالها المجرمون إلا أن يقول أصحابها ربنا الله، نريد كف أذاهم عن الناس وقطع دابرهم من دون خسائر، ومن دون فتنة وتقسيم. نود أن نفوِّت الفرصة على هؤلاء الأفاعى ونخرج بمصر سالمة وبنيها غانمين لم يمسسهم سوء.

توقعوا الأسوأ الذى لم يمرُّ عليكم من قبل إذا نزلت الجماهير إلى ساحة الثورة بعد كل هذه الدماء وكل هذه المظالم والخطايا.. كل شىء متوقع بعد سبع سنوات من كبت الحريات وانتهاك الحقوق والخيانات وإفساد مؤسسات العدالة، وبعد يأس طويل وإحباط جرَّ الأحقاد، زاده هدم المساجد والبيوت وفرض الجبايات وقطع الأرزاق.

لقد وصل الناس إلى درجة من الضيق حتى سمعت بأذنىَّ من عهدت فيه الدين يطلب من الله الموت بعدما عجز عن إعفاف نفسه عن السؤال وقد تقطعت به السبل، ثم فوق ذلك يطارده الأنذال لأنه أراده لبلده الخير ولأهله الكرامة. وقد انزعج المصريون بعدما صار جيشهم ينافسهم فى السياسة والاقتصاد؛ كأن هناك يدًا خبيثة تخطط للإيقاع بين الطرفين فتصور أحدهما كأنه «السيد" والثانى –وهو الشعب- كأنهم عبيدٌ عنده وقد سُنَّت لأفراد «السيد" القوانين التى تجعل لهم نيابات ومحاكم خاصة إذا تورطوا فى قضايا مع المدنيين؛ ما يمثل عودة إلى عصر الاحتلال الذى نشأت خلاله مثل هذه المحاكم. واليد الخبيثة نفسها هى التى جعلت الجيش فى مواجهة مباشرة مع الشعب؛ بدفعه للاستيلاء على أراضى المواطنين وبيوتهم ومزارعهم، وصورتهم على أنهم فئة لا تُسأل عما تفعل؛ ما ولَّد الكراهية فى نفوس الناس تجاه كل من يرتدى الزى العسكرى.

ونحن على مفترق طرق ننادى: أليس منكم رجل رشيد؟ ولا يخلو زمانٌ ولا مكانٌ -بالتاكيد- من هؤلاء الراشدين. نريد رشيدًا يجنبنا تلك الانتفاضة –وهى آتية لا محالة- التى لن تبقى ولن تذر لو بقى هؤلاء فى أماكنهم، فليتقدم ذلك الرجل وله شرف الدهر؛ كى يجنبنا تلك المخاطر والرياح العاتية، وليمنع النزيف المستمر للدماء والأرواح ومقدرات البلد التى صارت رهينة الديون الباهظة التى اقترضها الفاسدون ولا يُعلم مصيرها. نريد البطل الذى يعيد الحقوق إلى أهلها، ويطلق آلاف الأسرى لدى العصابة، ويرد الأموال المصادرة، ويعيد البلد المختطف إلى أهله الذين ابيضت أعينهم من الحزن وكمدوا حتى لزمتهم البلاءات والأمراض منذ أن نادى نذير السوء بمقدم العسكر.

هل من رجلٍ يمحو عار السنين الذى لحق بمواطنيه، ويخلصهم من الحكم العسكرى إلى الأبد، ويرد إلى إخوته المصريين كرامتهم وحريتهم، ويعيد إليهم حكمهم المدنى الرشيد وديمقراطيتهم المهيضة التى طعنها الانقلابيون يوم جاءوا وكانت نتاج ثورة وتضحيات ونضال؟ إن لمثل هذا الرجل شرف الدهر وعز الأولين والآخرين، وحق لكل مصرى أن يقبل رأسه وأن يعلى ذكره، وقد جنَّب البلاد والعباد ما شهدته بلاد أخرى حتى صارت أنقاضًا بعد عمران.