مُحرر المسلمين.. لماذا ضاقت أمريكا والغرب بالربيع العربي؟

- ‎فيتقارير

العبودية هي النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي تطبق فيه مبادئ قانون الملكية للبشر، مما يتيح تصنيفهم على أنهم ممتلكات تُباع وتُشترى، ويعتبر الشخص العبد سلعةً يحق للمالك أن يجبره على العمل دون أجر، وعلى انتهاك عرضه دون رادع.

وما أشبه الليلة بالبارحة عندما يصر الغرب على مواجهة الربيع العربي، ليظل العرب عبيدا عند الأوروبيين والأمريكيين، وهو ما يعيد فتح جرح غائر في التاريخ عندما قام المستعمرون الأوروبيون في القارة الأمريكية بممارسات العبودية، وأسروا السود الأفارقة وأكثرهم كانوا مسلمين، وجلبوهم للعمل في المستعمرات، وبدأ ذلك في عام 1619 بولاية فرجينيا، للمساعدة في إنتاج المحاصيل المربحة مثل التبغ.

وانتشر الرق في جميع أنحاء المستعمرات الأمريكية في القرن السابع عشر والثامن عشر الميلادي، ليصبح العبيد أحد أهم أدوات الإنتاج، مثلهم مثل الأبقار وآلات الحقل، وباختراع محلج القطن في جنوب المستعمرات الأمريكية عام 1793، ترسخت الحاجة للعبودية في اقتصاد عالم قائم على انتهاك حقوق الإنسان، خصوصا إذا كان هذا الإنسان إفريقيًّا أو عربيًّا.

عبودية جديدة

ومن جريمة استعباد البشر في القرن الثامن عشر إلى العام 2019 الجاري، حيث نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للكاتب كولام لينش، يقول فيه إن هذا العام شهد أكبر مظاهرات شعبية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ الربيع العربي، متسببة بإسقاط ديكتاتور عسكري متهم بارتكاب جرائم حرب في السودان، ومتسببة باستقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، ومتحدية وكلاء الغرب في الجزائر ومصر والأردن والعراق.

ويشير لينش في مقاله، إلى أنه “خلال هذا الوقت، كان رد فعل إدارة ترامب رسالة واحدة هي: لم تعد أمريكا تهتم، ما لم تكونوا تحتجون ضد إيران”، ويلفت الكاتب إلى أن وزارة الخارجية عبرت عن دعم محدود للمتظاهرين، ويقول الناقدون والمسئولون الأمريكيون السابقون إن البيت الأبيض بقي بشكل كبير غير مكترث، ما يشكك في التزام الإدارة بطموحات المتظاهرين.

ويفيد لينش بأنه “بالنسبة لبعض المراقبين فإن صمت الرئيس دونالد ترامب يمثل خيانة لدور أمريكا التقليدي بصفتها ملهمة للديمقراطية في الخارج، لكنّ آخرين يشعرون بأن من الأفضل أن يبقى البيت الأبيض بعيدا عن التدخل بشأن المتظاهرين، خاصة أن واشنطن فشلت بشكل فاضح في دعم الديمقراطية في العالم العربي، وتحديدا في العراق”.

ويستدرك الكاتب بأن “ترامب ذهب إلى أبعد من ذلك في الاتجاه الآخر، ووقف بشكل لا لبس فيه مع الحكام المستبدين، تاركا المسئولين الصغار في البيروقراطية للتعبير عن دعم المتظاهرين، فعندما طلب منه هذا الخريف أن يعلق على أسوأ قمع في مصر للمتظاهرين منذ الربيع العربي، عبر ترامب عن دعمه غير المشروط للسيسي، الذي وصفه ذات مرة بأنه ديكتاتوري المفضل”.

ويورد لينش نقلا عن ترامب، قوله بعد أن التقى السيسي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة: “لست مهتما بها، لدى مصر زعيم رائع، إنه يحظى باحترام كبير.. الكل لديه تظاهرات”.

ويجد الكاتب أن “تجاهل ترامب الواضح للديمقراطية في الشرق الأوسط ليس مفاجئا من رئيس شكك في شرعية مؤسسات ديمقراطية أساسية تحدته في بلده، بما في ذلك المحاكم والإعلام والكونجرس”.

المجرم ترامب

من جهته يقول جاكسون ديل، نائب رئيس تحرير صحيفة “واشنطن بوست”، إن ترامب سيكون أحد الخاسرين في حال اندلعت موجة ثانية من الربيع العربي، لأنه راهن على الأنظمة الاستبدادية، كنظام السيسي، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

وتابع ديل في مقال له بالصحيفة، أن الاحتجاجات الجماهيرية بالعواصم العربية والتي تطالب بتنحي الحكام الفاسدين والعجزة، تبدو كأنها مفارقة تاريخية، فلقد كان الربيع العربي منذ سنوات فقط، ومع ذلك لم ينجح وإنما قاد إلى انقلابات وحروب أهلية أعادت الوضع الاستبدادي القديم.

ويختم الكاتب مقاله بالقول: إن إدارة ترامب أسست استراتيجيتها في الشرق الأوسط على الأنظمة الاستبدادية، فهي تراهن على السفيه السيسي وبن سلمان مثلاً لإرساء استراتيجية تهدف إلى مواجهة إيران.

وأيضاً فإنه- أي ترامب- يَفترض أن هذين النظامين يمكن أن يوفرا الاستقرار، ولهذا السبب لم تبذل إدارته أي جهود لكبح قمعهما؛ ومن ثم فإنه إذا كان هناك ربيع عربي آخر فسيكون ترامب أحد الخاسرين.