نماذج دعوية رديئة

- ‎فيمقالات

ما إن رآنى حتى بدأ -بحماسه المعهود وغيرته على الدعوة- مهاجمتى قائلاً: “أرأيت إخوانك الذين يملؤون “صفحات السوشيال ميديا” وقد أعطوا المثل السيئ في المعاملات والأخلاق؟ قلت: بالتأكيد ليسوا إخواني، قال: ولكنهم يؤكدون أنهم أعضاء بالجماعة؟ قلت: كثيرون يدّعون وصلاً بليلى، قال: ماذا تقصد؟

قلت يا سيدي! سبق أن كتبت مقالاً بعنوان “دببة الشرعية” أكدت فيه أن بعض المتحمسين يضرون الدعوة أكثر من نفعها، وما ذاك إلا لنقص في الفهم، وعجز في التربية وإن كنا لا نجرؤ على الطعن في إخلاصهم؛ غير أن الإخلاص وحده ليس كافيًا، فالله -تعالى- قدم الفقه والعلم على الطاعة والعبادة، قال (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ) [محمد: 19]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن “عالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد” وفي الأثر: “قصم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك”.

إذًا ليس كل من قال إنه إخوان فهو منهم، وربما كان منهم فشذ عنهم وساءت أخلاقه فلم يعد منهم، بل إن الإمام المؤسس اعتبر كل من يحمل صفات وأخلاق الأخ المسلم من الجماعة، وكل من فقد هذه الصفات فليس منها ولو كان عضوًا عاملًا فيها، قال رحمة الله عليه: (كم فينا وليسوا منا وكم منا وليسوا فينا)، وصدق الرجل إذ إن هناك ملايين المسلمين يتحلون بتلك الصفات ويحملون الفقه والوعى وهم خارج التـنـظـيــم، وهـناك مـن الإخـوان مـن لا يستحقون شرف حمل الاسم؛ لتخليهم عن تلك الصفات أو لحمق يدير عقولهم.

وقد ذكر فى مواضع أخرى بعض هؤلاء؛ كالأخ النـفـعي، أو كما قال بعدما اقترف بعضهم جريمة القتل (ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين). أما صفات الأخ المسلم التى ذكرها البنا فهي: (سليم العقيدة، صحيح العبادة، متين الخلق، مثقف الفكر، قوى الجسم، قادر على الكسب، منظم فى شئونه، حريص على الوقت، مجاهد لنفسه، نافع لغيره). هى عشر صفات، كما وضع للجماعة شعارًا مكتوبًا من وجده مطبقًا فى نفسه فهو من الجماعة -كان فى تنظيمها أو لم يكن- والشعار هو: (الله غايتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا).

أما ما تراه وتسمعه على الساحة يا صديقي من مسـاوئ فـلا يـصـح أن تلصقها بالإخوان، فالأساس بخير -إن شاء الله- رغم وجود نماذج رديئة بينهم، لكن مثلها يُلفظ فلا تحسب عليهم، أما الغالبية الغالبة فهم أهل دين ووفاء وإخلاص وفهم، وجهاد وبر، وزهـد وتـواضـع، لا ينجرون لفتنة، ولا تغلبـهـم نـزوة، ولا تهلكهم عاطفة، ولا يجرحون شخصًا ولا هيئة، حريصون على الناس حرصهم على أنفسهم، لا تجد بينهم كاذبًا ولا منافقًا ولا فاجرًا، متحابون فيما بينهم كأنهم خُلقوا على غير ما خُلق عليه الناس، وقد أهديت أحد كتبي لواحد منهم فقلت: (إلى الأخ الأسمر عاشق القرآن.. الذى إن وضع فى المقدمة رضي بها.. وإن وضع في الساقة رضي بها.. ولا يزال مدلجًا.. سباقًا عند الفزع.. متأخرًا عند الطمع، يعيش بين إخوانه من دون منظرة ولا طنطنة).

أما النماذج التي تنقبض بها نفسك فهي: إما لأخ كان مرتبطًا بالفعل بالجماعة، في دائرة المحبين، لكنه لم ينل بعدُ قسطي التربية والإرشاد اللذين يؤهلانه لأن يكون عضوًا عاملاً ناضجًا، وهو بحكم التصاقه بالإخوان فيما مضى فإنه يتحدث كقيادي من قياداتهم ظنًا منه أن سلّم القيادة قد انتهى عنده، فهو يتصدر بـالحـديـث مـن غـيـر عــلم ولا فــقـه ولا تجربة، وقد مهدت الأجواء بعد الانقلاب لإخوة من هذا الصنف في الـتـجـاوز والانـحراف في غياب التوجيه والإرشاد.

وهناك من يعرفون باسم (القياديين السابقين)، وهؤلاء هم النفعيون الذين يقصدهم البنا؛ فإن كان للإخوان مكسب قالوا إنا معكم، وإن وقعت المحنة قالوا لخصمهم ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين؟ فهم الآن يخوضون معركة ضد الجماعة ربما طالت دين الإسلام، وهذه المعركة أسلحتها الكذب والتدليس والتحريض والبذاءة، ولا تعجب يا سيدي إن سمعت أحدهم يقول إنني واحد من الجماعة رغم أنف فلان وفلان، والحقيقة أنه ملفوظ منذ زمن، ولكنه يريد أن يسير على نهج من آمن أول النهار وكفر آخره؛ ليفتن غيره فهم متجردون من الخلق والضمير، ولقد صدمني أحدهم هذا الأسبوع – وكان صديقًا صدوقًا- لما أكد لأحد إعلاميي الانقلاب أن الإخوان واحد من اثنين: إما متطرف أو ملحد. نسي المسكين أنه كان قياديًا فيما مضى يومًا ولم يقل يومها ما قاله اليوم.

قلت: نعوذ بالله من الخذلان.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها