هي الحرب.. عندما تكون مقدسة

- ‎فيمقالات

عندما تذهب الأمم الحقيقية إلى الحروب الحقيقية، يكون الكل في واحد، ذلك أن الوجع يكون واحداً، والأمل في الخلاص واحداً، أيضاً. لذلك لا تعرف الحروب المقدسة الانقسام، ولا التفاوت في المشاعر.

لكن هذا مرتبط، على نحو وثيق، بمدى تصديق مكونات الأمة مكونات الصورة التي يرسمها حكامها للحالة، التي تجعل الذهاب إلى المعركة اختيار الجميع، وإن لم يكن كذلك فهو هم الجميع وشغلهم الشاغل، فتنمحي، في تلك اللحظة، الفواصل بين المعارضين والمؤيدين، شريطة أن تكون منطلقات الحرب واضحة، والعدو الأساسي معروف ومدرك بالحواس.

هل علمت قبل حرب أكتوبر/ تشرين أول 1973 انقساماً بين مكونات الأمة المصرية والعربية؟

هل سمعت عن اشتباك بين فئات المجتمع حول جدوى الحرب وأهميتها وقدسيتها؟ كان الكل، المعارضة قبل الموالاة، مدركاً من هو العدو، وموقناً أنها معركة المجموع، لا معركة سلطة أو قيادة تبحث عن صورة مرصعة بالنياشين ومزينة بأكاليل الغار، إذ كانت الحرب في داخل كل دار قتالاً مفروضاً يستوجب التنازل عن احتياجات الذات الفردية ومطالبها، تحقيقاً لحلم الذات الجمعية في الكرامة ورد الاعتبار.

كان الطفل، قبل الشيخ، يعرف عدوه، ويتحسّس وجعه، ويشهر حلمه سيفاً في معركة نقية ونظيفة، ومن ثم كان الجميع وكأنهم خارجون لصلاة عيد، لا أحقاد ولا ضغائن، ولا تفكير في رواسب مجتمعية صغيرة، حتى إنه قيل إن اللصوص توقفوا عن السرقة في ذلك الوقت، فلم تشهد الجبهة الداخلية ما يخدش صمود جبهات القتال في قلب المعركة.

قارن بين تلك الصورة القديمة التي كان فيها العدو عدواً للجميع وما تسمع عنه الآن في سيناء، ستجد العتامة والتحايل، الآن، مكان النقاء والوضوح، فيما سبق، إذ كان المجتمع متصالحاً مع ذاته، وقبل ذلك متصالحاً مع تاريخه وقيمه وهويته.

ما تدور الآن في سيناء، هي حرب عبد الفتاح السيسي وحده، ضد عدوٍّ هو الذي استدعاه وغذّاه وسمّنه وتركه يتوحش، ليستخدمه فزّاعةً في وجه كل من يطلب العدل ويحلم بالحرية ويناضل من أجل المساواة والكرامة.. هي حربٌ من أجل الصور واللقطات، بغية تصنيع زعامةٍ من اللاشيء، ناهيك أن التاريخ لم يعرف حرباً محترمة بمشاركة العدو الأصلي والحقيقي، ضد عدو مصنوع في ورش الأعداء التاريخيين.

كانت كل حروبنا المحترمة، المقدسة، حتى التي انهزمنا فيها، من أجل سيناء وفلسطين، وليست حروباً على سيناء وفلسطين، وبمباركة أعداء سيناء وفلسطين ودعمهم. ولذلك كانت الأولى معركة الجميع، فيما الثانية معركة الباحثين عن مجد مغزول بخيوط العدو، وموشّى بنياشينه.

أيضاً، لا تذهب الأمم إلى الحروب الحقيقية، بينما هي تعتقل وتهين محاربيها السابقين، رئيس الأركان الأسبق الفريق سامي عنان مثلا، وتختطف محبيها وثوارها من منازلهم، وتعتقلهم وتذيقهم صنوف التنكيل وتعاديهم، قائمة طويلة تمتد إلى مئات الأسماء، آخرها القيادي في حزب مصر القوية، محمد القصّاص.

لا تكون الحرب مقدسة ونظيفة حين تدكّ بيوت أصحاب البلد، وتهلك حرثهم وزرعهم، بينما لا يخجل خبراء الزمن المعوج من الإفصاح عن أن الحرب على سيناء تحقق مصلحة كبرى لإسرائيل، التي هي العدو، مهما حاولوا تسميم آبار الوعي بحكايات الحرب على الإرهاب.

سيبتزّونك ويطعنون في وطنيتك وانتمائك، لأنك تريد أن تحتفظ بعقلك وقلبك سليمين، وسيتهمونك بالخيانة، لأنك لا توافق على محرقةٍ تجري في سيناء، وترفض محرقةً أخرى تدور منذ أربع سنوات في الداخل، تمزق كل وشائج المجتمع، وتعدم أبرياءه، وتصنع من معارضي الحمق السلطوي أعداء، تقدّم رؤوسهم قرابين يومية، طلباً لرضا الأعداء الحقيقيين.

سيسلبونك حقك في وطنك، لأنك لا تؤيدهم في استحداث معادلاتٍ فاسدة للوطنية، ومعايير ملوثة للمواطنة، ولا تصفق لهم وهم يعلنون، بكل وقاحة، أنهم يحاربون الإرهاب في سيناء، من أجل مصلحة الإرهاب الأول والأكبر الذي يحتل فلسطين، ويتوغّل تحت جلد أوطاننا، عن طريق وكلائه الباحثين عما يحمي عروشهم عند أوغاد.

قل لهم سوف نحمي الجنود بأرواحنا، حين يخرجون إلى الحرب ضد عدو واضح ومعروف، سنمسح أحذيتهم، ونحرم أنفسنا من اللقمة وشربة الماء، عندما يذهبون إلى معركةٍ مقدسة، من أجل الأمة، وليس إلى حربٍ تلفزيونية، من أجل مصلحة عدو، أو مغامرةٍ لتصنيع زعامةٍ زائفة، بعظام الجنود والمدنيين معاً.

——-
نقلاً عن “العربي الجديد”

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها