وزير خارجية أمريكا: لا يهمنا القتل والتعذيب في مصر طالما تلبي مصالحنا!

- ‎فيتقارير

لخّص وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، نهج إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه سلطة الانقلاب، حين قال بوضوح: إن ما يهم بلاده هو الخدمات التي تقدمها سلطة الانقلاب لمصالح أمريكا في مصر والمنطقة، وأنها لا تكترث كثيرًا إذا كان السيسي يقتل شعبه أو يعذبه أو يعتقله!.

الوزير “بومبيو” لم يقل هذا بالنص وبمثل هذه الصراحة، في مؤتمره الصحفي بالخارجية المصرية، الذي أغلقت بسببه الشرطة غالبية شوارع القاهرة خاصة كورنيش النيل، حيث مقر وزارة الخارجية، طوال أمس الخميس، وفي مؤتمره الثاني بالجامعة الأمريكية، ولكن حين سُئل عن أوضاع المعتقلين في مصر، رفض الإجابة وقال: “نحن هنا نتطرق فقط إلى القضايا التي تهم الجانب الأمريكي”!، أي أنه غير معني هو وحكومته بالقمع وانتهاك السيسي للحريات أو حقوق الإنسان، وما يهمهم هو مصالح أمريكا فقط، وطالما أن السيسي يلبيها فلتذهب الديمقراطية إلى الجحيم!.

وسبق أن أوضح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل لقائه السيسي، في يونيو 2018، أنه “غير مهتم بمناقشة حقوق الإنسان علانية مع السيسي”، مفضّلًا اتباع نهج دبلوماسي هادئ، ما دعا منظمة “هيومن رايتس واتش” إلى مهاجمته وتأكيد أنه “لم تبدِ إدارة ترامب ردًّا علنيًّا كافيًا على تدهور الحالة في مصر”.

ووصف ترامب السيسي علانية بأنه “رجل رائع”، لكن خلف الكواليس حثّ ترامب السيسي على إطلاق سراح المواطنة المصرية الأمريكية آية حجازي، وحذّر السيسي من توقيع قانون صارم يجرّم عمل العديد من المنظمات غير الحكومية، ثم وصف ترامب السيسي لاحقًا بأنه “قاتلٌ لعينٌ”، حسبما ورد في كتاب “الخوف” للصحفي الأمريكي بوب وودورد.

وبحسب ما ذكرته صحيفة “نيوزويك”، استشهد ترامب بالمكالمة التي أجراها مع عبد الفتاح السيسي لمناقشة الإفراج عن آية حجازي، الناشطة الأمريكية المصرية التي اعتُقلت في مصر 3 سنوات عام 2017.

وينقل الكتاب عن ترامب قوله لمحاميه، وهو يحدثه عن المكالمة مع السيسي: “تذكر من الشخص الذي أتحدث إليه؟ إنه قاتل لعين، سوف يجعلك تتصبب عرقًا في المكالمة”.

وتابع الرئيس الأمريكي مخاطبًا محاميه: “قال لي السيسي في المكالمة: (دونالد، أشعر بالقلق من هذه التحقيقات، هل ستستمر في منصبك؟ ماذا في حال أردت أن تسدي إليّ معروفًا؟)”، واصفا كلام السيسي هذا بأنه “ضربة تحت الخصية”!.

“القدس عاصمة لإسرائيل” من قلب القاهرة!

وبلغت الوقاحة بوزير الخارجية الأمريكي أن يعلن من قلب القاهرة أن “القدس” عاصمة لإسرائيل، وأن يعلن عن “ناتو” بزعامة المسوخ والقتلة العرب السيسي وابن زايد وابن سلمان، ثلاثي الشر، لمحاربة ليس “الإسلاموبيا” لأنها ليست منا بل من صناعتهم، وإنما محاربة الإسلام والـ1.7 مليار مسلم، الذين قال عنهم السيسي “إنهم يريدون قتل العالم”!.

فحين تكلم الوزير الأمريكي عن العرب، أشاد بالتطبيع العربي مع إسرائيل وبالاعتراف– يقصد العرب- بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأكد مجددًا التزام بلاده بأمن وحماية إسرائيل.

لهذا وصف “محمد سيف الدولة” ما فعله الوزير الأمريكي بأنه “وقاحة بومبيو في الجامعة الأمريكية بالقاهرة”، فقد تكلم وكأنه يلقى خطبة في إسرائيل، وتكلّم بطريقة لا تقل حماقة عن ترامب، وخطابه– مثل غالبية المسئولين الأمريكان – كان يقطر كذبًا وغباءً وجهلًا بطبيعة البلد والجمهور الذي يخاطبه.

فقد تكلم عن دور أمريكا في تحرير الشعوب وليس احتلالها، وعن مساعدتها بلا مقابل على العكس من روسيا والصين، بينما بلاده احتلت العراق وقتلت مليوني عراقي ودمرت العراق، واحتلت أفغانستان وقتلت الآلاف، ودمرت البلاد، وتقصف يوميًّا مناطق في اليمن وسوريا وتقتل أبرياء منهم العشرات داخل مساجد قصفتها الطائرات الأمريكية، وقتلت المدنيين المصلين داخلها، فضلا عن دعمها لسلطة الاحتلال الصهيوني التي قتلت واستولت على أرض فلسطين.

نشكر السيسي على المجازر!

وحين تكلم عن السيسي شكر جهوده في مواجهة “الإسلام المتطرف”، كأنه يبارك أعمال القتل والمجازر التي قام بها السيسي بدعوى محاربة أهل الشر والتطرف والإرهاب!.

وشكر السيسي على ما أسماه “إطلاق الحريات الدينية”، في إشارة إلى الخدمات التي قدمت للكنيسة الأرثوذوكسية مقابل دعمها للسيسي، كما شكره على الإفراج عن المواطنين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي، رغم أنه يعلم أنه لولا قطع الكونجرس جزءًا من المعونة العسكرية عن جنرالات الانقلاب ما أطلقوا سراح الأمريكان ولا أوعزوا إلى قضاة الانقلاب بإصدار حكم مسيس بالإفراج عن كافة المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي، وتركوا المصريين ليلقوا مصيرهم في المحاكمات المقبلة!.

ولم ينس “بومبيو” الكف عن بعض أسباب زيارته، بالقول إنهم بصدد تأسيس تحالف في المنطقة لمواجهة خطر إيران، ويقصد به (الناتو العربى الإسرائيلي)، وهاجم إيران وحزب الله والإسلام المتطرف وأوباما وخطابه في جامعة القاهرة، عام 2009، قاصدا بذلك رؤية أوباما عن أن “الولايات المتحدة والعالم الإسلامي يحتاجان إلى بداية جديدة”، زاعما: “كانت نتائج هذه الأحكام الخاطئة قاتمة”!.

والغريب أن وزير الخارجية الأمريكي اتهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، يوم الخميس، بنشر الفوضى في الشرق الأوسط؛ بدعوى “فشله في التصدي للمتشددين الإسلاميين بشكل مناسب”، وأنه “أساء فهم الشرق الأوسط وتخلى عنه فعليا”، ما أثار دهشة في الولايات المتحدة وخارجها لأسباب، أهمها أن ترامب نفسه يواجه انتقادات بسبب خطته المبهمة التي أعلنها الشهر الماضي لسحب القوات الأمريكية من سوريا، ودعمه للحكام الديكتاتوريين العرب، ما يُخشي معه زيادة الإرهاب في العالم كرد فعل على سياسة ترامب الفاشلة.

واعتبر أن من “أخطاء” إدارة أوباما في السياسة الخارجية للشرق الأوسط، التقليل بشكل كبير من “تماسك وخبث الحركة الإسلامية الراديكالية”!.

ولكنه حاول ربط هذا التطرف بإيران وحزب الله، الذي قال إن أوباما تركه يجمع ترسانة ضخمة من الصواريخ والقذائف بلغ عددها حوالي 130 ألف صاروخ، وهو فرع مملوك بالكامل للنظام الإيراني، أي حزب الله.

وقال: “المعركة مستمرة ضد الإسلام الراديكالي بكل أشكاله”، ولكن، وكما قال الرئيس ترامب، فإننا نتطلع إلى شركائنا للقيام بالمزيد في هذا الجهد للمضي قدمًا. من جانبنا، ستستمر ضرباتنا الجوية في المنطقة مع ظهور الأهداف، وسنواصل العمل مع شركائنا في التحالف لهزيمة داعش.

ولم ينس أن يُشيد ضمنًا بتعاون السيسي وإسرائيل في سيناء، وأن يحاول التغطية على فضيحة اعتراف السيسي بتعاونه مع الاحتلال في سيناء، وسماحه لهم بقصف أرض مصرية، حين قال “نحن ندعم بقوة جهود مصر لتدمير داعش في سيناء”.

ولم ينس أن يشيد أيضا برضوخ نظام السيسي لتعليمات صندوق النقد الدولي، التي تسببت في حالة سخط كبير بين الشعب، مؤكدا “دعم بلاده الكامل للإصلاحات الاقتصادية التي تتخذها القاهرة”، زاعما أن خطوات عبد الفتاح السيسي تضمن ازدهار الاقتصاد وتعطى فرصًا أكبر لاستثمار الشركات الأمريكية والعالمية بمصر”، وهو تصريح يعني أن ما يفعله السيسي اقتصاديًّا يهيئ الأجواء للشركات الأمريكية للربح في مصر.

ولذلك أكد وزير خارجية السيسي لوزير الخارجية الأمريكي “تقديرنا للمساعدات الأمريكية لمصر وضرورة استمرارها وزيادتها”، متسولا هذه المساعدات برغم ما يدعيه إعلاميو الانقلاب في برامجهم من غضب على وقف أمريكا بعض مساعدتها لمصر، ويقولون إننا لا نحتاج هذه المعونة!.

صفقة القرن

ورغم عدم تطرقه إلى صفقة القرن، ولا المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والتي كان يتوقع أن يتحدث بشأنها، جاء لقاء وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، مع عبد الفتاح السيسي لبحث تفاصيل صفقة القرن، المزمع إعلانها من قبل إدارة ترامب مارس المقبل، ولتأكيد دعم ترامب لسلطة الانقلاب والتحالف الاستراتيجي معها لخدمها الأهداف الأمريكية في المنطقة.

إذ تأتي زيارة الوزير الأمريكي إلى المنطقة لتنسيق المواقف قبل إعلان تفاصيل صفقة القرن، ولطمأنة حلفاء واشنطن بشأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الشهر الماضي، بسحب قوات بلاده من سوريا، وتنسيق الدعم العربي لإخراج بشار الأسد من عزلته.

وقال مايك بومبيو، عقب لقائه عبد الفتاح السيسي في تغريدة على حسابه على «تويتر»: إن “الولايات المتحدة تقف بثبات مع مصر في التزامها بحماية حريات الأديان، بالإضافة إلى حربها ضد الإرهاب الذي يهدد جميع أصدقائنا في الشرق الأوسط”، على حد تعبيره.

ماذا تقدم مصر مقابل المعونة؟

وفق دراسة قدمها مكتب “محاسبة الإنفاق الحكومي”، التابع للكونجرس في مايو 2006، بشأن طبيعة وكيفية صرف مصر للمعونة، أكد مسئولون أمريكيون وعدد من الخبراء الذين تمت استشارتهم في أثناء التحضير لهذه الدراسة، أن المساعدات الأمريكية لمصر “تساعد في تعزيز الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة”.

وقد نشر موقع تقرير واشنطن Washington report، يوم 27 مايو 2006، ملخصًا لهذا التقرير الذي اكتفى بالتركيز على المساعدات العسكرية لكونها تمثل الحيز الأكبر في حجم المساعدات الأمريكية، وأوضح المصالح الأمريكية التي تم خدمتها نتيجة تقديم مساعدات لمصر على النحو التالي:

– تسمح مصر للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام الأجواء العسكرية المصرية، وخلال الفترة من 2001 إلى 2005 عبرت 36553 طائرة عسكرية أمريكية الأجواء المصرية، وهذا بخلاف ما شهدته الأعوام اللاحقة، خاصة مع غزو العراق والتحالف المصري الأمريكي في عدة ملفات.

– منحت مصر تصريحات على وجه السرعة لعدد 861 بارجة حربية أمريكية لعبور قناة السويس خلال الفترة نفسها (من 2001 إلى 2005 فقط)، وقامت بتوفير الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج.

– نشرت مصر حوالي 800 جندي وعسكري من قواتها في منطقة دارفور غربي السودان عام 2004 بطلب أمريكي.

– قامت مصر بتدريب 250 عنصرًا في الشرطة العراقية، و25 دبلوماسيًّا عراقيا خلال عام 2004 بطلب أمريكي.

– أقامت مصر مستشفى عسكرية، وأرسلت أطباء إلى قاعدة باجرام العسكرية في أفغانستان بين عامي 2003 و2005؛ حيث تلقى حوالي أكثر من 100 ألف مصاب الرعاية الصحية بطلب أمريكي.

كذلك أوضح التقرير كيف تنفق المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر في شراء معدات عسكرية بالأرقام؛ حيث أكد أن “الولايات المتحدة قدمت لمصر حوالي 7.3 مليار دولار بين عامي 1999 و2005 في إطار برنامج مساعدات التمويل العسكري الأجنبي، وأن مصر أنفقت خلال الفترة نفسها حوالي نصف المبلغ؛ أي 3.8 مليار دولار لشراء معدات عسكرية ثقيلة.

وأشار التقرير إلى أن مصر أنفقت المبلغ في شراء طائرات حربية (بنسبة 14% من المبلغ الإجمالي) ودبابات وصواريخ (بنسبة 9% من المبلغ)، ومركبات عسكرية (بنسبة 19%) غير البواخر والصواريخ ومعدات الاتصال ومعدات وقاية للحماية من الغازات الكيماوية والبيولوجية وغيرها.

ومع أن التقرير الأمريكي ركز على الخدمات المصرية المباشرة لأمريكا والمتعلقة بالتسهيلات، فهو لم يتطرق إلى أمور أخرى أفصح عنها مسئولون أمريكان خلال مناقشات الكونجرس، تتعلق بدور مصري مهم يساند المصالح الأمريكية الإقليمية ضمنًا، مثل الدور المصري في فلسطين والعراق، وحتى في الأزمة النووية الإيرانية.