ولو بثلث الثمن.. من يشتري قنصلية ملطخة بالدماء ومسكونة بروح القتيل خاشقجي؟

- ‎فيتقارير

ينوه تطبيق "أوليكس"، الشهير على الإنترنت، إلى أنه أفضل موقع للإعلانات المُبوبة، حيث ربما تمكّنت السعودية من بيع مبنى قنصليتها في إسطنبول، والذي ارتُكبت فيه أبشع جريمة قتل وتقطيع جثة الصحفي السعودي الشهير جمال خاشقجي.

فهل استخدمت الرياض تطبيق "أوليكس" لطرح مبنى قنصليتها الملطخ بالدماء والظلم للبيع؟ وهل هناك من ينوي فعلا شراء مبنى مسكون بروح بريئة قُتلت ظلمًا، وصرخت وهى تتوسل القاتلين الذين صموا آذنهم وأطلقوا الموسيقى الصاخبة لتغطي على صوت أنين وآلام الضحية؟ وهل تمكنت الرياض من العثور على مشترٍ لا يخاف الأشباح وأنجز عملية الشراء بعد التفاوض على ثلث الثمن بفضل أوليكس؟.

مسرح الجريمة

وقالت وسائل إعلام تركية، الثلاثاء، إن السلطات السعودية قامت ببيع مبنى قنصليتها في إسطنبول، والذي قتل فيه الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر من العام الماضي، وذكر الموقع الإلكتروني لقناة (خبر ترك)، في تقرير له، أن القنصلية التي يقع مبناها في منطقة (ليفنت) ستنتقل إلى منطقة "ساريير" (sariyer) الراقية في إسطنبول بجوار مبنى القنصلية الأمريكية في ذات المنطقة.

وأشارت القناة إلى أن بيع المبنى تم بثلث القيمة الحقيقية له، مضيفا أن السعر الذي تمت بموجبه الصفقة ما يزال مجهولا، وتنقل عن محامين قولهم إن المبنى "ما يزال مسرحا للجريمة، إذا غادره السعوديون، فيمكن لمكتب المدعي العام في إسطنبول أن يغلق المبنى لفترة من الوقت لجمع الأدلة التفصيلية بخصوص الجريمة".

كما تنقل القناة عن مصادر قولها، إن وزار الخارجية السعودية قررت بيع المبنى والانتقال منه "بعد فحص أجراه فريق تقني سعودي بشأن إمكانية وجود أجهزة تنصت في المبنى".

ولفتت إلى أن "الفريق التقني قام بإجراء الفحص بعد التسريبات الصوتية لمقتل خاشقجي، وبناء على ذلك قدم الفريق التقني تقرير حول ضرورة إخلاء المبنى"، وأشارت إلى أن عملية بيع البناء تمت قبل 45 يوما، ومن غير المعروف لمن تم بيع، ولا يعرف موعد الانتقال إلى المبنى الجديد" كما نقلت عن مصادر قولها إن السعودية تعمل حاليا على بيع مقر إقامة القنصل العام محمد العتيبي الذي غادر إسطبنول بعد الجريمة.

ونوهت القناة إلى أن السلطات السعودية "يجب أن تحصل على إذن من وزارة الخارجية التركية لتعلن المبنى الجديد مكانا دبلوماسيا، وهو ما يحتاج لإجراءات رسمية"، ويأتي الكشف عن هذه الخطوة بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لجريمة اغتيال خاشقجي، وذلك على يد فريق سعودي، وتوجه الاتهامات لولي العهد محمد بن سلمان بالوقوف خلفه.

تسجيلات صادمة

وفي وقت سابق، كشفت صحيفة صباح التركية عن تسجيلات جديدة لمحادثات أعضاء فريق اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، قبل ارتكاب الجريمة وخلالها، وذلك بعد يوم من كشف الصحيفة نفسها اعترافات لفريق الاغتيال.

وجاء في التفاصيل التي كشفتها الصحيفة، اليوم، الحديث عن استعدادات ماهر المطرب والطبيب الشرعي صلاح الطبيقي لتقطيع جثة جمال خاشقجي قبل وصوله إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، حيث كانا يتحدثان فيما بينهما عن كيفية توزيع أجزاء الجسد، الصدر والبطن، على أكياس بلاستيكية.

كما تضمنت التسجيلات أصوات الاعتداء على خاشقجي وإبلاغه بأنه سيذهب إلى الرياض، ومحاولاتهم أن يفرضوا عليه كتابة رسالة إلى ابنه يقول فيها إنه موجود في إسطنبول.

وحسب التسجيلات، فإن الأصوات الأخيرة التي جرى رصدها تضمنت حشرجات خاشقجي وأصوات تنفسه العميق داخل الكيس الذي وُضع رأسه فيه، ثم يُسمع صوت منشار كهربائي طوال نصف ساعة.

وتُظهر أخيرا كاميرات محيط القنصلية السعودية صورا لإخراج أجزاء الجثة في خمس حقائب سفر، أما التفاصيل التي ذكرتها صحيفة صباح أمس فكان من أهمها ظهور اسم الفريق منصور أبو حسين، المسئول عن ثلاثة فرق ضمن فريق الاغتيال، وهي فريق التخابر، وفريق الإقناع والتفاوض، وفريق الدعم اللوجستي، وقد أسسها أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات السعودية السابق.

وذكرت الصحيفة التركية أن عسيري تنصل من مسئولية القتل، وزعم أنه أمر فقط بإحضار خاشقجي للسعودية بالإقناع، وهو ما يتناقض مع إفادة أبو حسين الذي قال إن عسيري طلب منه إحضار جمال حتى باللجوء إلى القوة.

تعتيم تام

وكان الصحفي جمال خاشقجي معروفًا بانتقاده للنظام الحاكم في بلاده، فبعدما كان أحد الأصوات الإعلامية المقربة من السلطة على مدى سنوات، قرر كاتب الذهاب إلى الولايات المتحدة للعيش في المنفى طوعا، خشية اعتقاله في السعودية، وذلك في أعقاب منعه من الكتابة أو حتى التعبير عن آرائه عبر شبكات التواصل الاجتماعي من داخل المملكة.

وقد تزامن اغتياله عقب دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول، مع حملة قمع مكثفة ضد الصحفيين والمدونين السعوديين، حيث ألقت سلطات المملكة القبض على أكثر من 15 صحفيا ومدونا، منذ سبتمبر 2017، وذلك وسط تعتيم تام ففي العديد من الحالات، ولا يتم أبدا تأكيد اعتقالهم رسميا، ناهيك عن التكتم حول مكان احتجازهم أو حتى التهم المنسوبة إليهم.

وينطبق ذلك، مثلاً، على الصحفي السعودي صالح الشحي الذي لم يتأكد اعتقاله إلا في فبراير 2018، عندما أُبلغت أسرته بالحُكم الصادر في حقه والقاضي بحسبه لمدة خمس سنوات، علماً أنه كان في عداد المختفين منذ ديسمبر 2017، ولم يُعلن رسمياً عن اعتقاله إلا عند صدور حُكم السجن ضده.

مملكة الخطف

كما تضم قائمة المعتقلين الخبير الاقتصادي الشهير عصام الزامل، الذي يبدو أن محاكمته بدأت في أوائل أكتوبر، أي بعد عام من اعتقاله، علما أن السلطات لم تعلن عن احتجازه رسميا طيلة المدة التي قضاها خلف القضبان في انتظار محاكمته، ويُرجَّح أن تكون تغريداته في تويتر وكتاباته وتحليلاته للاستراتيجية الاقتصادية للمملكة سببا في اعتقاله وملاحقته.

ولا يزال الصحفي والمعلق طراد العامري في عداد المختفين منذ نوفمبر 2016؛ ففي إحدى آخر تغريداته، تأسف العامري عن موجة الخنق التي تطال وسائل الإعلام في السعودية، مشيرا على وجه التحديد إلى حجب صحيفة إلكترونية كان قد كتب فيها مقالة حساسة المحتوى.

كما انقطعت تماما أخبار الصحفي والشاعر السعودي الشهير فايز بن دمخ في سبتمبر 2017، عندما كان على وشك إطلاق قناة إخبارية من الكويت، علما أن تقارير صحفية محلية أفادت بأنه قد تعرض للاختطاف وتم تسليمه إلى المملكة العربية السعودية، وإن كانت السلطات لم تصدر أي بيان رسمي بهذا الشأن.

يُذكر أن السعودية تحتل المرتبة 169 على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته مراسلون بلا حدود في وقت سابق من هذا العام، حيث يقبع حاليا ما بين 25 و30 من الصحفيين المحترفين وغير المحترفين في سجون مملكة ابن سلمان.