يحرص العديد من الفنانين والشخصيات العامة على عدم إظهار أو إعلان توجهاتهم السياسية، لا سيما وأنها باتت تتبدل بين ليلة وضحاها، وعانى عدد كبير من الفنانين الكثير بسبب إعلان توجهاتهم منذ بداية ثورة 25 يناير، وبالرغم من ذلك فهناك بعض الفنانين لم يخافوا تلك الاتهامات، وأعلنوا عن توجههم السياسي في العديد من المواقف والمناسبات.
من بين هؤلاء الفنان توفيق عبد الحميد، الذي عارض مجازر المجلس العسكري مع بداية ثورة 25 يناير، إلا أنه- عكس آخرين- آثر الانعزال أمام طوفان الإجرام العسكري، الذي يقوده جنرال إسرائيل السفيه السيسي.
ومنهم أيضًا الفنان حمزة نمرة، الذي أعرب في أكثر من مناسبة عن انتمائه لثورة 25 يناير ومعارضته لانقلاب 30 يونيو، وهو ما تسبب في شطب اسمه من نقابة المهن الموسيقية في وقت ما، من قبل الفنان مصطفى كامل، نقيب الموسيقيين آنذاك.
واعتبر الفنان الثائر وجدي العربي أن أغلب الفنانين المصريين أدوات بيد النظام المصري "المنقلب على الثورة"، حيث يرى أن معظم المنتسبين لقطاعات الفن والإعلام والرياضة في مصر باتوا مسخّرين لخدمة الانقلاب العسكري ودعم مواقفه، يستخدمهم أدوات "ناعمة" لإرضاء القوى الإقليمية والدولية.
شهرة ومكاسب
هل يتذكرني الناس رغم هذه السنوات؟ هل يشعرون بحجم ما عانيته طوال سنوات الانقلاب على ثورة 25 يناير؟ هذه السنوات التي بدأت منذ رفضه لمجازر المجلس العسكري في 2011، والتى كان دواؤها الصبر والمعافرة والشقاء والإخلاص والصدق، وكان يمكن أن يحقق فيها شهرة ومكاسب أكثر بكثير مما حققه، إذا ما تنازل قليلا عن ضميره ووطنيته.
أسئلة كثيرة تزاحمت فى رأس الفنان توفيق عبد الحميد خلال حفل افتتاح المهرجان القومى للمسرح، بعد غياب استمر لما يقرب من 8 سنوات لم يقدم خلالها أى عمل فنى جديد، قبل أن تضج القاعة بالتصفيق الحار ووقف الجميع وهتفوا باسمه لمدة طويلة؛ تعبيرًا عن الحب والاشتياق لهذا الفنان الصادق الذى أذهله هذا الاستقبال، فارتعد جسده ولم يتمالك دموعه حين حصد فى هذه اللحظة نتيجة جهده وصبره وصدقه وإخلاصه للفن، وتأكد أن الجمهور لا ينسى من أخلص لضميره قبل فنه، وأعطى لوطنه دون مقابل مهما أبعده العسكر عن الأضواء.
تقول الكاتبة الصحفية رشا عزت، عبر صفحتها بالفيس بوك: "هذه الراجل الرائع قدم استقالته من رئاسة قطاع الإنتاج الثقافي في وزارة الثقافة في 2011 احتجاجا على ممارسات العسكرية ضد المدنيين، واعتزل التمثيل في 2013 لسوء المناخ العام، وأخيرا افتكروا يكرموه في المهرجان القومي للمسرح على مجمل أعماله.. المفروض كلنا نفتكره ونتكلم عنه ونفرح بتكريمه معاه".
توفيق عبد الحميد أحد الفنانين الموهوبين الذين تركوا بصمات راسخة فى أذهان الجماهير رغم قلة أعماله مقارنة بكفاحه الفني، لا ينسى الجمهور نظراته ودموعه وانفعالات وجهه، مع أدائه الصادق فى مشاهده التى شارك فيها كبار النجوم أو تفرد فيها: عزيز المصري فى حديث الصباح والمساء، والدكتور رياض فى أين قلبى، وكمال أبو العزم فى حضرة المتهم أبى، وحسن عوف فى كفر عسكر وغيرها من عشرات الأدوار.
عبد الغني قمر
وعلى خطى أبو الانقلاب الفاشي جمال عبد الناصر، يسير السفيه السيسي في توطيد علاقته بالفنانين محاولا التقرب إليهم، فقد لجأ سلفه عبد الناصر من قبل نحو التقرب من الفنانين بعد نجاح انقلاب حركة الضباط الأحرار، وهو لم يصل إلى سدة الحكم بعد.
ولعل أكثر الأمثلة الدالة على مساعيه هو أنه كان السبب الرئيسي وراء عودة أغاني أم كلثوم للإذاعة مرة أخرى بعد إصدار قرار بمنع أغانيها، بسبب غنائها للعهد البائد، لتظل العلاقة مستمرة بينهما، حتى وصلت إلى مرحلة غنّت فيها أم كلثوم لعبد الناصر عقب إعلان تنحيه بأغنية "ابق فأنت الأمل".
إلا أن زمن الفاشية العسكرية لم يخلُ من أهل الفن الأحرار، ورغم أنه لم يكن فنانًا كوميديًا إلا أن أدواره لم تخل من خفة ظل، فقد كان يعمد إلى حركات تثير الضحك، مثل حركة أنفه الشهيرة، ونال شهرة واسعة إلا أن السياسة أبعدته مرغمًا عن مصر ليموت خارج وطنه.
الفنان الراحل عبد الغني قمر يعتبر فنانا شاملا بمعنى الكلمة، فإلى جانب موهبة التمثيل عمل في الإخراج والتأليف، اسمه بالكامل عبد الغني محمد قمر، وهو شقيق المؤلف المسرحي المطبل للسفيه السيسي بهجت قمر.
عبد الغني قمر عرف بنشاطه السياسي، وقد عارض العسكر في معاهدة كامب ديفيد التي وقعها السادات مع كيان العدو الصهيوني، فعرّضه ذلك للاضطهاد، ما دفعه إلى الهرب للعراق، وهناك اشترك في فيلم القادسية في دور كافور الإخشيدي بطولة الراحلة سعاد حسني وإخراج توفيق صالح.. ولكن الفيلم لم يتم.. وظل في العراق حيث مات في يوم 4 فبراير عام 1981 .
السبب الحقيقي وراء دعم الفنانين للديكتاتورية هو اعتقادهم أن ذلك يصبُّ في صالح الحفاظ على مصالحهم ومكاسبهم، وأن أي مسئول "ديمقراطي"- وخاصة الإسلاميين منهم- سيضر بتلك المصالح، وفي عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي الذي لم يجمعه بالفنانين غير لقاء وحيد نظرا لفترة حكمه القصيرة، لكن ظلت العلاقة متوترة بينه وبين الفنانين الذين كان ولاؤهم للعسكر، ليأتي بعد ذلك الطرطور المؤقت عدلي منصور، الذي تولى الحكم لفترة قصيرة أيضا لتكون علاقته بالفنانين هي عودة الاحتفال بعيد الفن مرة أخرى بعد 33 عاما من إلغائه، ومن بعدها جاء شهر العسل مع جنرال إسرائيل السفيه السيسي".