كتب- يونس حمزاوي:
تأتي صفقات دول عربية مثل مصر والأردن؛ لشراء الغاز العربي الذي سطا عليه الكيان الصهيوني باحتلاله للأراضي العربية، كاشفة لحجم الانبطاح العربي أمام "إسرائيل" ووصول الأوضاع العربية إلى مستوى غير مسبوق من الإذلال والانكسار على يد أنظمة عسكرية استبدادية تحكم بلادها بالحديد والنار.
وبحسب مراقبين للمشهد العربي المأساوي فإن هناك 5 صور تمثل تطبيعا بالإكراه من جانب نظم الحكم المستبدة لشعوبها المقهورة تجاه الكيان الصهيوني.
5 صور لتطبيع بالإكراه
الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام أورد هذه الصورة الخمسة في مقال له اليوم الأربعاء بصحيفة "العربي الجديد" جاء بعنوان «تطبيع مع دولة الاحتلال وبالإكراه".
ويرى الخبير الاقتصادي أن بعض هذه الحكومات العربية تلتفّ على قرارات عدة صادرة عن جامعة الدول العربية والمنظمات التابعة لها وتحظر التطبيع مع دولة الاحتلال بكل أنواعه وأشكاله، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً، وتصر هذه الحكومات على التطبيع الاقتصادي، على الرغم من الرفض الشعبي الكبير له.
وبحسب عبدالسلام فإن التطبيع الاقتصادي العربي مع إسرائيل، والذي بدأ عقب ابرام معاهدات سلام ثنائية وقعتها مصر ثم الأردن، يتم في صورة أشكال متعددة منها:
1- إرسال الحكومات وفود تجارية وبعثات استثمارية عربية لتل أبيب لعقد لقاءات مع مسؤولين ومستثمرين إسرائيليين، والاتفاق على إقامة مشروعات مشتركة.
2- غض الطرف عن العمالة العربية التي تسافر للعمل داخل الأراضي العربية المحتلة.
3- زيادة التبادل التجاري وفتح مكاتب تمثيل تجاري لإسرائيل في المنطقة.
4- توريد بعض حكومات الدول العربية وشركات محسوبة عليها مواد خامة من حديد وإسمنت وطوب وغيره من مواد البناء للمساعدة في إقامة الجدار العنصري العازل.
5- إبرام اتفاق الكويز مع دولة الاحتلال، والذي تقوم شركات عربية وإسرائيلية من خلاله بتصدير منتجاتها للأسواق الأميركية دون التقيد بنظام الحصص.
وبحسب مراقبين فإن كل هذه الصور قام بها كل من السيسي والعاهل الأردني بينما قامت بعض دول الخيلج ببعضها.
محدودية الأثر
وبحسب مراقبين فإنه على الرغم من تعدد صور التطبيع مع "إسرائيل" منذ اتفاقيات الاستسلام التي بدأتها مصر عام 1979م ، ورغم أن بعض هذه الحكومات تحث علانية على هذا التطبيع، إلا أن نتائجه لا تزال محدودة في ظل زيادة المقاطعة الشعبية للمنتجات والسلع الإسرائيلية التي تسعى بكل الطرق لإغراق الأسواق العربية بها، وأن تحتل هذه السلع مساحة داخل أفواه وأمعاء كل عربي.
صفقات مشبوهة
ومن أمثلة تحدي المشاعر العربية والرأي العام العربي سياسات كل من الحكومتين الأردنية ورئيس الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي حيث أبرمت صفقات ضخمة لاستيراد الغاز الإسرائيلي تتجاوز قيمتها عشرات المليارات من الدولارات ولمدد طويلة تصل إلى 30 عامًا.
حدث ذلك التطبيع عبر الغاز بشكل مباشر كما هو الحال في الأردن الذي وقع العام الماضي اتفاقية مع اسرائيل لاستيراد الغاز من حقل ليفياثان، وبلغت قيمة الاتفاقية التي تم ابرامها لصالح شركة الكهرباء الأردنية، 10 مليارات دولار ولمدة 15 عامًا.
كما وقعت المملكة اتفاقية أخرى مع شركة "ديليك" الإسرائيلية التي قالت إنها بدأت في تصدير الغاز سراً إلى المملكة لتفادي غضبة الشعب الأردني المتصاعدة سواء في الشارع أو داخل البرلمان.
قريبًا من هذا حدث في مصر عن طريق قيام إحدى الشركات الخاصة بالتعاقد مع حقل "تمار" لاستيراد الغاز الإسرائيلي لمدة 15 عاما وبصفقة تتجاوز 20 مليار دولار.
وسبق وأن أبرمت شركتا "بريتش جاز" البريطانية ويونيون فينوسيا الإسبانية اتفاقات مع حقلي "تمار" و"لوثيان" لاستيراد الغاز لصالح مصر لمدة تصل إلى 15 عاماً في صفقات تصل بالنسبة للشركة البريطانية وحدها إلى 30 مليار دولار بحسب عبدالسلام.
الموضوع بلا شك يمثل حساسية كبيرة للشعوب العربية والإسلامية كما يمثل صدمة كبيرة لتلك الأسر التي فقدت أحد أبنائها في الحروب ضد الكيان الصهيوني عبر عقود من الصراع الذي تبخر على يد الأنظمة المستبدة وتحول إلى خضوع وانبطاح.
مئات الآلاف من الشهداء العرب لقوا حتفهم في حروب ضد الكيان الصهيوني، ربما لو كانوا يعلمون بمآلات الأمور وعقد مثل هذه الصفقات المشبوهة مع الكيان الصهيوني؛ لوجهوا سلاحهم إلى الخونة من جنرالات جيوشهم والذين كانوا يتاجرون بحياة وأرواح ودماء هؤلاء الشباب من أجل تحقيق مكاسب سياسية وشخصية لهم بعيدا عن مصالح الوطن و أو الدفاع عن المقدسات التي تدنس حاليا في ظل صمت مريب من قادة وزعماء العرب الذين لا يظهرون بأسهم إلا على شعوبهم المقهورة.
شراء ثرواتنا بأموالنا!!
من المفارقات العجيبة كذلك والتي تعكس حجم المسخرة التي تنتهي بمأساة هو أن دولة الاحتلال لم تكتف بسرقة آبار ومواقع إنتاج الغاز والنفط الواقع قبالة المياه الإقليمية الفلسطينية، بل وقامت ببيع الغاز المسروق لدول عربية مثل مصر والأردن.
ولم تكتف دولة الاحتلال بسرقة آبار الغاز والنفط الواقعة قبالة السواحل المصرية وداخل مياهها الإقليمية، بل وتعاقدت حكومة تل أبيب على بيع هذا الغاز لمصر.
وتسعى دولة الاحتلال حاليًّا للسطو على مزيد من آبار النفط والغاز الواقعة في منطقة شرق البحر المتوسط، وأحدث محاولاتها ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل أيام من أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي، تعتزم ضم منطقة واسعة من المياه الاقتصادية للبنان تصل مساحتها إلى 800 كم، إلى سيادتها بحجة أنها مناطق متنازع عليها، وأنها تقع ضمن الحدود المائية الاقتصادية لإسرائيل.
وبحسب الصحيفة العبرية فإن الحكومة الإسرائيلية تعتزم اتخاذ قرار بترسيم الحدود المائية مع لبنان عبر ضم هذه المناطق إليها، مع فرض السيادة عليها، وهذا يعني أن إسرائيل يمكنها في هذه الحالة طرح مزايدات ومناقصات أمام الشركات العالمية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية للبنان.
لقد تحول شرق البحر المتوسط إلى منطقة تسعى دولة الاحتلال للسطو على آبار النفط والغاز بها، وحصد نصيب الأسد من الاكتشافات البترولية الجديدة، وعدم الاكتفاء بالسطو على غاز الفلسطينيين الموجود قبالة سواحل غزة ولبنان، بل أعلنت عن اكتشافات نفطية عملاقة في المياه الدولية وخارج الحدود الإقليمية لها، كما حدث في المياه الإقليمية لكل من مصر وقبرص واليونان.