دور الإخوان في وقف العنف بين الجماعة الإسلامية ونظام المخلوع

- ‎فيتقارير

 كتب- يونس حمزاوي:

كشف قمر محمد موسى، محامي الجماعات الإسلامية، اليوم الأربعاء ، تفاصيل لقاء مثير جمع بين زعيم "الجماعة الإسلامية" الدكتور الراحل عمر عبدالرحمن ووزير الداخلية الأسبق بعهد مبارك اللواء عبدالحليم موسى الشهير بشيخ العرب.

وأوضح محامي الجماعة الإسلامية أن اللقاء تم عبر وسيط هو الدكتور مصطفى مؤمن القطب، الإخواني المعروف، ورفيق درب الشيخ حسن البنا، مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين"، واثنين من أعضاء مجلس الشورى، عن محافظة أسيوط.

 وأضاف  أن "اللواء عبدالحليم موسى خرج من مكتبه لاستقبال أمير الجماعة الإسلامية أمام المصعد الخاص بمكتبه، ورحب بالضيوف الذين أصروا على الاجتماع بوزير الداخلية بمفرده".

وأكد أن الاجتماع جاء بمبادرة من القطب الإخواني، الدكتور مصطفى مؤمن؛ من أجل تهدئة الأجواء بين الجماعة الإسلامية والشرطة، عقب سلسلة من المواجهات الدامية خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

 

الجو يتكهرب

 وخلال ذلك اللقاء الذي لم يتم الكشف عن تفاصيله من قبل، بادر اللواء عبد الحليم موسى، موجهًا حديثه للدكتور عمر عبد الرحمن،  بالقول: "ينفع يا مولانا أبقى محافظ لأسيوط وولي الأمر بها، وسيادتك تدخل المحافظة، وتعقد ندوات في الشارع والجامعة بدون معرفتي، هل هذا يصح عرفًا ودينًا؟"، وفق محامي عبدالرحمن.

إلا أن عبدالرحمن رد بالقول: "يعني لو كنت طلبت منك الإذن بدخول المحافظة كنت سمحت لي"، بل إن عبد الرحمن وفي سياق العتب وجه تساؤلًا مضادًا لوزير الداخلية، عن من يتحمل مسئولية مقتل الشاب شعبان راشد، الذي قتلته قوات الأمن عام 1986 لدى تعليقه ملصقًا بجامعة أسيوط، يعلن فيه عن ندوة للشيخ بجامعة أسيوط، متسائلًا: "أو بالأحرى دمه في رقبة من؟".

 

الوسيط الإخواني يهدئ الأجواء

رد أمير الجماعة الإسلامية أدى بحسب قمر في تصريحات له اليوم بصحيفة "المصريون"، إلى "تكهرب الجو"، فما كان من  الدكتور مؤمن الوسيط الإخواني إلا أن تدخل، محاولًا تهدئة الأجواء بالقول: "ما جئنا لنتحدث عن الماضي"، كما يروي محامي الجماعات الإسلامية.

وقال قمر موسى: "الاجتماع تطرق إلى قضايا عدة، منها الحصار المفروض على منزل الدكتور عمر عبد الرحمن بمدينة الفيوم، وقيام الشرطة بفرض الإقامة الجبرية عليه، حيث طالب الدكتور مؤمن، برفع الحصار عنه، كبادرة حسن نية من وزارة الداخلية؛ تمهيدًا لإقرار حزمة من المواقف من الطرفين، لتهدئة أجواء المواجهة، وتطبيع العلاقة بين الطرفين، وهو ما وافق عليه وزير الداخلية خلال الاجتماع".

 

تفاصيل المبادرة

وحول تفاصيل المبادرة، طالب عبدالرحمن، وزير الداخلية بالإفراج عن معتقلي "الجماعة الإسلامية"، والبدء في إجراءات الإفراج عن المحكومين من أبناء الجماعة، و"تنظيم الجهاد"، ووعد وزير الداخلية بإطلاق سراح المعتقلين، والبدء في دراسة إمكانية الإفراج عن المحكومين، وفي مقدمتهم المرضى، ومن أمضوا نصف المدة، وفق محاميه.

في المقابل، طلب الحليم موسى، من أمير "الجماعة الإسلامية"، بأن يصدر إعلانًا بوقف جميع أعمال العنف ضد قوات الشرطة خلال مؤتمر عام يُعقد في محافظة أسيوط بحضور الوزير، وهو ما وافق عليه الدكتور عبد الرحمن ورحب به الوزير، والدكتور مصطفى مؤمن، الوسيط الذي كانت تربطه صلات شخصية بوزير الداخلية، بحسب محامي عبدالرحمن. 

وتأكيدًا على حسن النوايا من جانب الدولة آنذاك، أبلغ وزير الداخلية، أمير "الجماعة الإسلامية" أن التهدئة المطروحة تتم بضوء أخضر من الرئيس حسني مبارك، حيث تسعى الدولة لنزع فتيل الأزمة، ليعرض عضوا مجلس الشورى عن محافظة أسيوط، تحمل نفقات السرادق الذي سيعقد فيه المؤتمر، والذبائح التي ستذبح، في حضور وزير الداخلية، والدكتور عمر عبد الرحمن؛ ابتهاجًا بالتهدئة بين الداخلية و"الجماعة الإسلامية"، كما يروي موسى. 

وفي ظل تلط الأجواء الإيجابية، أنهى المجتمعون لقاءهم وهمّوا  بمغادرة مكتب وزير الداخلية، الذي أصر على اصطحاب المجتمعين إلي المصعد؛ لتوديعهم، وسيطرت لهجة متفائلة على الحضو.

 

أمن الدولة يفشل المبادرة

وبحسب محامي الجماعة الإسلامية فإنه اصطحب الدكتور عمر إلى محطة الأتوبيس بميدان الجيزة؛ تمهيدًا لعودته إلى محافظة الفيوم، حيث بادره الأخير بالقول: "أتمنى أن يفي وزير الداخلية بوعوده، وتبدأ صفحة جديدة بين الداخلية والجماعة". 

واستدرك: "لكن فوجئ أمير الجماعة الإسلامية لدى عودته إلى الفيوم، بإحكام الحصار على بيته وتشديده، وتفتيش كل المارين في الشارع؛ في إعلان من "الداخلية" على عدم التزامها بما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع مع الوزير، بل إنه قال: إن الداخلية لا تريد وجودي في مصر، وترغب في مغادرتي لأي بلد اختاره". 

 

محاولات إخوانية لاستدراك الموقف

واستطرد محامي الجماعة الإسلامية: "بعد تأكد الجميع من عدم جدية الداخلية في تنفيذ اتفاقها مع الجماعة الإسلامية، أجرى الدكتور مصطفى مؤمن الوسيط الإخواني، اتصالًا بوزير الداخلية عبد الحليم موسى؛ لينقل له رغبة الدكتور عمر في مغادرة مصر؛ لأداء العمرة في المملكة العربية السعودية، ورد وزير الداخلية، بطلب إمهاله يومين للرد عليه، رد عليه بعدها بالموافقة". 

ومضى محامي عبدالرحمن قائلاً: "لكن حدثت مفاجأة لم تكن بالحسبان، فما أن وطأت أقدام الدكتور عبد الرحمن أرض المطار؛ حتى تم إبلاغنا أن الطائرة المخصصة لنقل المعتمرين قد غادرت إلى السعودية.

 

أمريكا تتآمر على عبدالرحمن

ويضيف محامي الجماعة الإسلامية: "هنا همّ الدكتور عبد الرحمن، بالعودة إلى الفيوم لكن الأمور ازدادت ارتباكًا، حيث رفض أمن المطار عودته إلى الفيوم، وصمّم على مغادرته مصر إلى أي دولة، ولم يكن أمام الجميع إلا السودان؛ في ظل عدم اشتراطه حصول المصريين على تأشيرة دخول".  

وقال محامي الجماعات الإسلامية، إن "الدكتور عمر تقدم بطلب للحصول على تأشيرة دخول للأراضي الأمريكية، وكانت المفاجأة بموافقة السلطات الأمريكية على منحه التأشيرة، والسماح له بدخول الأراضي الأمريكية؛ على الرغم من إدراجه على قوائم الممنوعين من الدخول". 

وبحسب موسى، "فقد أثار استقبال الولايات المتحدة، استغراب الإسلاميين والأمريكيين على السواء، وتم مراجعة إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون التي أقرت بالأمر".

وبحسب محامي الجماعة الإسلامية فإن ذلك "كان بداية تآمر واشنطن مع نظام مبارك؛ للإيقاع بالشيخ، والحكم عليه بعقوبة مدى الحياة في قضية ملفقة من الألف إلى الياء، عبر عميل المخابرات المصرية عماد سالم، حيث عانى زعيم "الجماعة الإسلامية" من الحبس الانفرادي لمدة 24سنة، بل أهملت إدارة السجن تقديم الرعاية الصحية، وسحبت الأدوية الخاصة في أواخر أيام؛ حتى لقي ربه، شاكيًا ظلم الأمريكيين، وتآمرهم عليه بل وقتله".

محامي الجماعة الإسلامية يحمل بحسب تصريحاته، جهاز مباحث أمن الدولة، "المنحل"، مسئولية عرقلة التهدئة بين "الجماعة الإسلامية" ووزير الداخلية الأسبق عبد الحليم موسى. 

وقال إن "النظام كان يستهدف توظيف أحداث العنف؛ لتعزيز مكانته في الخارج، وفضلوا مصلحتهم الشخصية على مستقبل وطن، وآثروا استمرار الدماء التي سالت منذ ثمانينيات القرن الماضي على المصالحة مع فصيل وطني إسلامي مخلص، وهو نهج مازالت تداعياته القاتمة تسيطر على المشهد حتى الآن".

وشهد عقدا الثمانينات والتسعينات موجة عنف بين الأجهزة الأمنية لنظام مبارك وعناصر من الجماعة الإسلامية على خلفية الاعتداءات والقمع والقتل لمجرد الاشتباءه لعناصر الجماعة الإسلامية. أسفرت هذه المواجهات عن مقتل المئات واعتقال الآلاف حتى بادرت الجماعة الإسلامية بإجراء مراجعات فكرية انتهت إلى وقف العنف في عام 1997م وهي المبادرة التي رحب بها الجميع.