كتب رانيا قناوي:
إذا كان راتبك لا يتجاوز الألف وخمسمائة جنيه، وتسكن في عشوائيات القاهرة أو الجيزة، وتريد الذهاب إلى عملك، فلم يتبق أمامك سوى ركوب "الأتوبيس الأحمر" لكي تذهب إلى عملك حيثما كان، وإذا كان عندك أبناء في المدارس، فلتأخذهم في يدك وتضعهم معك في نفس الأتوبيس، لأنه بحسبة بسيطة ستتكلف رحلتك ذهابا وعودة مع أبنائك الذين لم يزيدوا عن طفلين كحد أدنى، 6 جنيهات يوميا، بما يساوي 156 شهريا، أما إذا كنت من رواد المترو فبالطبع المبلغ سيزيد على 350 جنيها.
كيف تصل للأتوبيس الأحمر
لكي تتجاوز محنة ارتفاع الأسعار في وسائل المواصلات العادية من ميكروباص ومترو أنفاق وتوك توك، عليك أن تذهب مشيا على الأقدام لهذا الأتوبيس الأحمر ولو كان في الخيال الحكومي فقط، فالأتوبيس الأحمر ربما لا تراه عينك، ولكن لا تنكر أنه موجود في عين الحكومة وتؤكد أنه منتشر في جميع خطوط العاصمة الكبرى.. اذهب إليه حيثما كان وتجاوز من أجله "البيد والفيافي"، لا تيأس من رؤيته والعثور عليه، حتى ولو كلفك الغالي والنفيس.
أصبح الأتوبيس الأحمر غير الموجود إلا في ذاكرة الحكومة، هو الملاذ الوحيد للغلابة، فعليهم أن يجدوه ويبحثوا عنه ليل نهار.. عليهم أن ينتظروه ولا يتغلب عليهم الشيطان في أنه لن يأتي إليهم، حتى إذا ما رأيتموه فهللوا وكبروا فقد جاء الفرج والنصر، خاصة أنه لم يكن أمامكم سواه، بعد أن ارتفعت أسهم غيره من الوسائل الفاخرة من توك توك ومترو أنفاق وميكروباص وأوتوبيس أزرق.
سجال وحديث مستمر يملأه الغضب بين ركاب المترو، الذين لم يجدوا سوى الاعتراض والسخط و«حسبي الله ونعم الوكيل» التي ترددت على مسامع موظفي المحطات.. على الرغم من أنهم منفذوا أوامر وقرارات وليسوا أصحاب نفوذ.
في محطة مترو البحوث، فتحت أبواب المترو ليصعد الجميع مسرعا إلى السلم الكهربائي، لكنهم فوجئوا بتعطل السلم وأصبح الزحام على درجاته مما كاد أن ينتج عنه أزمة كبيرة، لتنتهي الهمسات والتمتات ويعلو صوت الصياح "حرام عليكوا احنا ساكتين بالعافية".
وعلق وزير النقل على قرار زيادة سعر التذكرة بأن المواطن نفسه طلب زيادة السعر إذا كان المقابل زيادة الخدمات المقدمة وتحسين حالة المترو، وهو ما عبرت عنه إحدى الركاب في النقاش، حين قالت إن زيادة السعر إلى جنيهين يعني زيادة بنسبة 100%، وهي نسبة كبيرة وليست تدريجية، متسائلة: هل ستتحسن الخدمة بمقدار 100% أيضًا؟
بارتفاع تعريفة ركوب مترو الأنفاق في القاهرة إلى جنيهين، أصبحت وسائل المواصلات صاحبة تعريفة الجنيه الواحد، جزءًا من الماضي عدا شيئين فقط، وفيما يلي نسلط الضوء على وسيلتي المواصلات أصحاب تعريفة الجنيه الواحد..
إحداهما «الأتوبيس الأحمر» العادي التابع للهيئة العامة لنقل الركاب، والذي يجوب شوارع القاهرة، والمميز بلونه الأحمر وتكدس المواطنين داخله ونداء الكمساري الشهير: «اللي طالع يدفع جنيه».
ورفع تعريفة ركوب مترو الأنفاق، دفع اللواء رزق علي، رئيس هيئة العام بالقاهرة للخروج بتصريح صحفي أمس، أكد فيه أنه لا يوجد هناك زيادة فى أسعار تذاكر أتوبيسات الهيئة، أو حتى دراسة زيادتها فى الفترة الحالية، مشيرا إلى أن سعر تذكرة الأتوبيسات الجديدة والزرقاء جنيهان، بينما سعر تذكرة الأتوبيس الأحمر جنيه واحد فقط.
خراب بيوت
ولعل حالة الغضب المنتشرة بين المواطنين تعبر عن الواقع المرير الذي يعيشه الغلابة لخراب بيوتهم، بعد انهيار ظروفهم الاقتصادية، وعدم إيفائهم باحتياجاتهم الأساسية.
ففي الوقت الذي ارتفع نسبة التضخم بنسبة 40% لأول مرة منذ عصر الملك فاروق، أخذت سلطات الانقلاب قرارات لم تمس سوى الغلابة من ارتفاع فاتورة الكهرباء وفاتورة المياه، فضلا عن ارتفاع وسائل المواصلات وسعر الطعام والشراب بنسبة 200%.
الأمر الذي لم يحسب له نظام الانقلاب حسابه في ظل تدني الرواتب، خاصة أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء كشف أن أكثر من 40% من المصريين تحت خط الفقر، فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة إلى 30%، نظرا لخسائر قطاع السياحة وإغلاق مئات المصانع والشركات التي هرب أصحابها من الاستمرار نظرا لتعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار لأكثر من 18 جنيها خلال الآونة الأخيرة.
وبحسبة بسيطة يحتاج المواطن الكادح لكي يستطيع تلبية احتياجات أسرته التي لا تزيد عن 4 أفراد من أجل الطعام والشراب والتعليم والصحة والمواصلات، فضلا عن ارتفاع الإيجارات وفواتير المياه والكهرباء، لأكثر من 5 آلاف جنيها شهريا لكي يستطيع الاستمرار في الحياة، إلا أنه ومع استمرار الرواتب المتدنية لا يتحصل الموظف العادي سوى على ألف وخمسائه جنيه كحد أقصى، الأمر الذي أدى لانهيار الطبقة المتوسطة وارتفاع نسبة الفقراء.
عودة للماضي
انتكاسة جديدة نعود بها للوراء في زمن السيسي داخل سيارات النقل العام والهيئة، خاصة الأتوبيس الأحمر صاحب الشهرة القديمة في أشهر قصص الزحام والتحرش الجنسي.
قبل 10 سنوات تقريبًا، كان يظهر هذا المشهد جليًّا بين أتوبيسات النقل العام ذات اللون الأحمر، الذي كان يزحف من ثقل حمله ويُجرجر من خلفه العشرات، ما بين متعلق بنوافذه، ومهرول يحاول اللحاق به، صورة مُوجعة ما زالت ترقد بالأذهان لزحام يشبه يوم الحشر لخليط جمع النساء بالرجال في مساحة لا تتجاوز نصف المتر هي الفارق بين المقاعد أرواح معلقة بالأبواب ورءوس تطل من النوافذ بحثًا عن رشفة هواء، وكبار سن غرقى في عرقهم، وموظفات "تشعلقن" في الهواء يتعرضن لأبشع الانتهاكات بفضل أنصاف الذكور من المتحرشين.
ورغم مرور السنين والأعوام، على صرخات النساء من التحرش والإهانة، وبكاء الرجال على رواتبهم التي سرقها النشالون، لن يتبقى للغلابة الباحثين عن آدميتهم سوى الرضا بالأمر الواقع في عصر السيسي وسيقبلون ما يحل بهم في هذا الأتوبيس الأحمر من جديد في عصر السيسي، حتى لا يفاجأ بالقول المأثور: "لو مش عاجبك انزلي خدي تاكسي".