كتب- رانيا قناوي:
بدأ نظام الانقلاب في تغيير سياساته خلال الأونة الاخيرة تجاه الشعب المطحون، من ثقافة الاعتذار و"مفيش معنديش"، إلى شيطنة الشعب المصري، الذي بدأت وسائل إعلام وفضائيات مخابرات السيسي تلقي عليه باللائمة في كل كارثة تحل بالبلاد، سواء كانت من تنفيذ الحكومة أو من سياسات الفشل المتوالية.
ولعل إعلانات الوطنية التي تغيرت في فضائيات الانقلاب من تحية العلم المصري وتلاوة الأغاني الوطنية، إلى شعار "الإصلاح الجرئ" التي يلقي فيها النظام باللائمة في كل شيئ على الغلابة، فما بين إهمال في النظام الصحي أصبح الغلبان الذي لا يجد علاجه هو السبب بسبب التدخين، وما بين فشل البنية التحتية وشبكات الصرف المتهالكة التي يحمل النظام المواطن مسئولية انهيارها، وما بين فشل المرور نظرا لكثرة الحوادث التي تنتج عن إهمال المواطن.
يتبين الاتجاه الجديد لنظام الانقلاب وهو "العين الحمراء" التي يخاطب من خلالها المواطن، حتى إن السيسي نفسه بدأ في تغيير لغة خطابه من الاعتذار إلى "ظروف البلد صعبة وكل واحد يمد ايده في جيبه يحط حاجة".
مظلومية الأكابر أم مظلومية الغلابة؟
وفي هذا الشأن، يقول الكاتب الصحفي فهمي هويدي خلال مقال رأي له، فى زمن الشدة الذى تمر به مصر، دأب المسئولون على تذكير الناس بين الحين والآخر بالدعم الذى تتحمله الحكومة لتوفير بعض السلع لهم بأسعارها الحالية، ولا يخلو الأمر من تلميح إلى جحود المجتمع ونفاد صبره وعدم تقديره لذلك العطاء، ذلك إلى جانب اللوم الصريح والمبطن الذى أخذ على الناس التراخى والتقاعس عن الإنتاج، مع الإصرار على الاستمرار فى الإنجاب الذى يثقل كاهل الحكومة بمزيد من الأعباء.
وأضاف هويدي أن خطاب النظام الحالي يحاول رسم معالم المظلومية التي تعاني منها السلطة ويصور المجتمع باعتباره همَّا تورطت فيه وهي تستحق التعاطف والصبر بأكثر مما تحتاج من الغضب والاحتجاج.
وقال إن للمسألة جانبًا آخر مسكوتًا عليه، ذلك إن السلطة تتجاهل أن المجتمع يتحمل أضعاف ما تتحمله هي، والحاصل أنها من خلال أبواقها ومنابرها تستطيع أن ترفع صوتها وتتحدث عما تتحمله من أعباء وهموم. فى حين أن المجتمع لا يستطيع أن ينافسها فى الشكوى أو علو الصوت، موضحًا أنه لسوء حظه فإن الناس حين انتخبوا برلمانًا يرفع صوتهم فى مواجهة الحكومة، خاب ظنهم عندما اكتشفوا أنه خاضع لائتلاف دعم الدولة، الذى هو فى حقيقة الأمر اصطفاف إلى جانب السلطة فى مواجهة المجتمع.
وتابع هويدي: "لاحظت أن تململ المجتمع بعد الزيادات الموجعة فى الأسعار قوبل باستياء واستخفاف من جانب الأبواق المعبرة عن السلطة إلى حد كيل الاتهامات للمجتمع واعتباره ناكرا للجميل حتى قيل إنه "الشعب الغلط" في حين أنه كان الشعب العظيم حين رحب بالحكومة وصفق لها".
وحمل هويدي حكومة الانقلاب مسئولية شقاء المواطن المصري الذي يعاني منه بصفة يومية، فى مأكله ومشربه ومسكنه ومواصلاته وتعليم أبنائه أو علاج مرضاه، كما أن الشعب ليس مسئولاً عن فساد المحليات أو فشل التعليم والصحة أو تعثر الإنتاج أو ارتفاع فاتورة الاستيراد من الخارج، لكنه ضحية لقصور السياسات التى اتبعت فى تلك المجالات أو تخبطها، حتى أدى ذلك إلى إفقار ٨٠٪ على الأقل من الشعب المصرى الصابر والحمول.
سيناريوهات مبتذلة
ويبدو أن السيناريوهات التي يعتمد عليها نظام الانقلاب خلال الأونة الاخيرة في شيطنة الشعب المصري وتجهيله، هي نتاج لسيناريوهات نظام المخلوع مبارك، والتي كان يحمل الشعب المصري مسئولية الفشل دائما، نظرا لارتفاع نسبة المواليد التي كان يعول عليها مبارك في كل حوار صحفي يخفي فيه الفشل الذي كان يصرخ منه الغلابة، وهي نفس النغمة التي يطرحها نظام الانقلاب في الوقت الحاضر.
كما كانت مبررات الاستبداد في عهد مبارك دائمًا بأن الشعب المصري غير مؤهل للديمقراطية، وهو تصريح لم يخلو من أحاديث رئيس وزراء نظام مبارك وهو أحمد نظيف، فضلاً عن أن نفس التصريح كان يدلي به مدير المخابرات العامة ونائب مبارك اللواء عمر سليمان.
كما أن برلمان مبارك كان يعتمد على نفس النغمة، في تبرير الفشل في إدارة الدولة وزيادة الفقر وارتفاع نسبة الديون، حتى أن أحمد عز أمين السياسات في الحزب الوطني المنحل وقف يوما في مجلس الشعب ويعلن أن انتشار القمامة في شوارع القاهرة ومختلف محافظات الجمهورية دليل على رخاء الشعب المصري ورفاهيته.
عبيد البيادة
ويتعمد جهاز الشئون المعنوية في الجيش الذي يسيطر عليه جنرالات "كامب ديفيد" أن يصور الشعب المصري على أنه عبارة عن مجموعة من عبيد البيادة، فدائما ما يأتي بعدد من زبانيته وعملائه خلال أي مناسبة وطنية، أو ذكرى ثورة يناير، ليصورهم وهم يحملون بيادة العسكر على رؤوسهم، بل ربما يتبرع أحدهم ويقبلها، في الوقت الذي يسجد أخر لصورة عليها قائد الانقلاب.
كما يعتمد العسكر في إهانة الشعب المصري على ترويج عبارة ممجوجة تدعي أن الشعب المصري لا يصلح معه إلا الحكم العسكري، ليصور المصريين وكأنهم مجموعة من البعير والخراف، والتي لا تسير إلا والعصا فوق ظهورها، لتنشئ ماكينات العسكر صورة للإنسان الذي يريدونه من أجل السيطرة على البلاد والعباد.