13 مليونًا “طفشوا” إلى الخارج.. لماذا يهرب المصريون من جنة السيسي؟

- ‎فيتقارير

تزايدات أعداد المصريين الراغبين في الهجرة إلى الخارج بصورة غير مسبوقة هربًا من قمع واستبداد نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبد الفتاح السيسي بجانب تدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب الفساد وأعمال النهب والبلطجة التي يمارسها العسكر وتزايد أعداد الفقراء حيث أصبح 60% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر وفقا لتقارير البنك الدولي.

ومنذ الانقلاب الدموي على الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر عام 2013 يرفض الكثير من المصريين العاملين في الخارج العودة إلى مصر خوفا من بطش العسكر ويفضلون العيش في البلاد الأجنبية التي يعملون فيها بعيدا عن التصفية والاعتقالات والإخفاء القسري وانتهاكات حقوق الإنسان ويفضلون العيش في بلاد تحترم آدمية الإنسان.

وهكذا أصبحت مصر في عهد العسكر دولة طاردة لمواطنيها وعلى وجه الخصوص شبابها الذي يمثل مستقبلها بحثًا عن أي أمل ولو كان ضعيفًا في بلاد فقيرة وغير مستقرة، لكن دولة العسكر التي تطرد شبابها المكافحين من أجل لقمة العيش أصبحت حاضنة للفاسدين ولصوص المال العام رغم أن السيسي عقب انقلابه وعد المصريين بأنه سيجعل من مصر" دولة قد الدنيا" خلال عامين فقط.

يشار إلى أن هجرة المصريين للخارج لا تعد ظاهرة جديدة، فمنذ منتصف السبعينيات وموجات الهجرة تتوالى وتتزايد وتيرتها، لكن أعداد المهاجرين تضاعفت  بعد انقلاب 2013 ويعد الجانب السياسي وتداعياته من أهم الأسباب التي تدفع المصريين للهجرة، خاصة الشباب، لشعورهم بأن البلد لا يتمتع بالاستقرار السياسي والأمني، الذي يمكن معه أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية، وتتضاعف الاستثمارات القادرة على إيجاد فرص عمل، وتعمل على الارتقاء باليد العاملة، أو توفر مناخا مناسبا لعلاقة عمل متوازنة، سواء من خلال الأجر العادل، أو بيئة العمل اللائق.

كان المصريون قد كسروا خلال العام الماضي حاجز المليون متقدم لبرامج الهجرة العشوائية إلى الولايات المتحدة، وذلك للمرة الأولى في تاريخ البرنامج؛ حيث تقدم خلال العام الماضي 1,274,751 مصريا؛ ما جعل مصر تحتل المركز الخامس عالميا في قائمة أكبر الدول المتقدمة للبرنامج، بحسب بيانات رسمية.

إحصائيات رسمية

وكشف تقرير الحالة المصرية الذي أصدره المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" عام 2019، عن أن هناك 83% من الأطباء يرغبون في الهجرة، و76% من الصيادلة، و79% من المهندسين، و84% من المدرسين، و73% من المحاسبين.

وعلى مستوى قطاع الأعمال، أكد التقرير أن 83% من أصحاب المشروعات الصناعية أبدوا رغبتهم في الهجرة، و79% من أصحاب المشروعات التجارية، و76% من أصحاب المشروعات الخدمية.

وأوضح أنه على مستوى الفئات العمرية، كانت الفئة 18-21 عاما الأكثر رغبة في الهجرة بنسبة 89%، مقابل 87% للفئة العمرية 21-28 عاما، و84% للفئة العمرية 28-35 عاما.

وأشار التقرير إلى أنه على مستوى التوزيع النوعي، كانت رغبة الذكور في الهجرة 48% مقابل 39% عند الإناث، ومن حيث التوزيع الديني كانت رغبة المسلمين في الهجرة 40% مقابل 78% عند المسيحيين.

وطبقا لتقديرات إحصائية رسمية، فإن عدد المصريين في الخارج يقدر بـ9.5 مليون وهذه الأرقام هى المسجلة في قنصليات مصر بالخارج، وقد يكون الرقم الفعلي نحو 13 مليونا، حسب تقديرات رسمية.

كما سجلت مصر أعلى نسبة لهجرة الأطفال بمفردهم من بين كل دول الشرق الأوسط؛ ففي عام 2013 مثل الأطفال نسبة 28 بالمائة من المصريين المهاجرين إلى إيطاليا، وظلت النسبة تتصاعد حتى وصلت معدلات هجرة الأطفال من دون مرافق في 2014 إلى 50 بالمائة من المهاجرين المصريين، وصولا إلى 67 بالمائة من إجمالي عدد المصريين المهاجرين عام 2015.

وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عبر كتابه الذي صدر حديثا بعنوان "الهجرة في مصر 2018"، عن أن عدد المهاجرين المصريين بالخارج بلغ 10.2 ملايين مواطن بنهاية عام 2017، بعد أن كانوا بنهاية 2013 حوالي ستة ملايين مواطن.

وهو ما يؤكد ان عدد المهاجرين في تزايد بعد وقوع الانقلاب العسكري عام 2013، وبلغت الزيادة خلال الفترة من 2013–2017 نحو 4.2 ملايين مواطن، أي بنسبة 70.4%.

هجرة الشباب

يواجه الشباب تحديات كبيرة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، فمن الصعب أن يحصل الشاب على فرصة عمل بعد انتهائه من التعليم، فضلا عن أن يفكر في تأسيس أسرة جديدة، وما يتطلبه ذلك من نفقات لشراء وحدة سكنية وتحمل أعباء تكاليف الزواج لذلك يتجه عدد كبير من الشباب للعمل بالخارج سعيا لتحقيق حلم الاستقرار الأسري.

وتؤكد إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة أن نسبة الشباب في الفئة العمرية من 25-29 عاما تصل إلى نسبة 23% تقريبا من إجمالي المهاجرين، في حين الفئة العمرية من 30-34 عاما تمثل نسبة 17.7% من إجمالي المهاجرين.

ويجد الشباب نفسه مدفوعا للهجرة بحكم ما يواجهه في سوق العمل، فسوق العمل غير المنظم هو المستوعب الأكبر للداخلين الجدد، وهذا السوق له سمات لا تشجع الشباب على البقاء في مصر، مثل انخفاض الأجور، وعدم وجود عقود عمل، وبالتالي لا توجد حماية اجتماعية، أو فرص للترقي والتدريب، وتحسن أوضاع العمل التي تمكّن مع مضي الوقت الشباب أن يحقق طموحه في بلده.

وتظهر بيانات مسح سوق العمل في يونيو 2019 أن القطاع غير المنظم بسوق العمل يضم نسبة 46.1% من إجمالي المشتغلين، في حين يضم القطاع الخاص المنظم نسبة 30.5%، وتضم الحكومة والقطاع العام نسبة 13.4%.

ومن هنا لا يشعر الشباب بنوع من الاستقرار الوظيفي، أو الحصول على مزايا مادية لازمة للاستقرار الأسري والمجتمعي، لذلك لا يكون أمامه إلا الهجرة.

التدهور الاقتصادي

وعن أهم الأسباب التي تدفع المصريين الى الهجرة، قال مصطفى خضري، رئيس مركز "تكامل مصر": إن هذه الأسباب يتصدرها تدهور الأوضاع الاقتصادية بنسبة 85%، ثم عدم الإحساس بالأمان بنسبة 82%، والرغبة في بناء مستقبل أفضل بنسبة 79%، وانعدام الأمل في التغيير للأفضل بنسبة 71%، والرغبة في التعليم بنسبة 31%.

وأكد خضري – في تصريحات صحفية – أن العجز الفادح في الأطباء بسبب الهجرة يمثل خطورة كبرى على استقرار البلاد، لتأثر قطاع الصحة بهذا العجز، فضلا عن الدلالات الخطيرة لتزايد نسبة الراغبين في الهجرة من الشباب والأقباط والمستثمرين، وأشار إلى أن هناك من اغترب هروبًا من الملاحقات الأمنية وخشية الاعتقال بسبب نشاطه السياسي.

برامج العسكر

من جهته اعتبر الدكتور محمد محسوب، وزير الشئون القانونية والبرلمانية السابق، أن دولة العسكر أصبحت بلدًا مصدرًا للهجرة غير النظامية من شعبها لا من الشعوب الأخرى فقط، وليست معبرًا لها فحسب.

وأضاف محسوب – في تصريحات صحفية – أن دولة العسكر لا تتبنى أي سياسة أو برامج للتنمية، وإنما تفتح المجال للمؤسسة العسكرية للاستحواذ على مقدرات البلد والتنمية.

صراع طبقي

واعتبر الدكتور مصطفى شاهين، الأكاديمي المصري ومدرس الاقتصاد في كلية أوكلاند الأمريكية، أن دولة العسكر تعاني من عدم عدالة في توزيع الدخول، حيث يوجد 44% من المصريين تحت خط الفقر، مشيرًا إلى أن الطبقة المتوسطة تنهار تمامًا في المجتمع المصري.

وقال شاهين – في تصريحات صحفية – أن ما يحصل في دولة العسكر الآن هو صراع طبقي.

وكشف عن أن سعي المصريين للهجرة – ومنهم أطفال وبمساعدة أسرهم – سببه انسداد الأفق الاقتصادي أمامهم بالإضافة إلى ظاهرة الفساد المتفشي في البلاد.