دلالات حكم “الشامخ” بحبس “هشام جنينة”.. انتقام وتعزيز للفساد

- ‎فيأخبار

 كتب: سيد توكل
في فاصل جديد للشامخ بشأن هزلية المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، قضت جنح القاهرة بحبسه سنة مع إيقاف التنفيذ لمدة 3 سنوات، وغرامة 20 ألف جنيه لوقف التنفيذ حتى الاستئناف على الحكم؛ لاتهامه بإشاعة "أخبار كاذبة" عن حجم الفساد في عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

"جنينة" الذي كان رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات، أعلى الأجهزة الرقابية بالدولة، قبل أن يعزله السيسي في مارس الماضي، بعد إعلانه عن أن فاتورة الفساد التي دفعتها مصر خلال أول أعوام حكم الجنرال، بلغت ستمائة مليار جنيه، حوكم بالسجن عاما بتهمة نشر أخبار كاذبة تهدف إلى النيل من سمعة الدولة.

ولم يقف الأمر عند حد عزل جنينة من منصبه، لكنه امتد ليطيح بابنته "شروق" من منصبها القضائي، وهو ما دفع صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية للقول "إن لعنة كشف الفساد تطارد عائلة جنينة".

تدمير أي صوت ضد الفساد

وقال جنينة، في تصريحات صحفية، اليوم الخميس: "إن هذا الحكم بمثابة رسالة تهديد وإجبار على السكوت وعدم الحديث مرة أخرى خلال مدة الثلاث سنوات، والتي أقرها الحكم لوقف التنفيذ".

وُلد هشام أحمد فؤاد جنينة يوم 7 ديسمبر 1954، في مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية، الواقعة شمال شرقي الدلتا، وحصل على الإجازة في الحقوق من جامعة عين شمس عام 1976، وبكالوريوس علوم شرطة 1976.

وفي بداية مساره المهني، عين جنينة ضابطا في الأمن العام خلال 1976-1978، ثم عُين عام 1978 معاونا للنيابة العامة في نيابة الجيزة، ثم وكيلا للنائب العام بمكتب النائب العام خلال 1980-1985.

وانتخِب لعدة دورات عضوا في مجلس إدارة نادي القضاة حتى أصبح أمينا عاما له، في الفترة من 2001 وحتى 2008. وشارك عام 2006 في اللجنة المُشكلة من وزارة العدل لتعديل قانون السلطة القضائية. وتولى رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات بدرجة وزير خلال 2012-2016.

"مرسي" عينه ضد الفساد

دخل جنينة مرحلة حاسمة من مساره المهني حينما عُين قاضيا في محكمة الجيزة الابتدائية، ثم رئيسا لمحكمة شمال القاهرة الابتدائية، وانتقل إلى الكويت حيث أُعير للعمل قاضيا في محاكمها خلال 1995- 2001، ثم عاد إلى ممارسة القضاء في مصر.

وظل جنينة في سلك القضاء حتى وصل إلى أعلى درجاته حين عين رئيسا لمحكمة استئناف القاهرة. وابتداءً من 6 سبتمبر 2012 تولى أعلى مناصب الإشراف القانوني على السلطة التنفيذية، حين وضعه الرئيس المنتخب محمد مرسي، على رأس الجهاز المركزي للمحاسبات بدرجة وزير بقرار جمهوري رقم 172 لسنة 2012.

وقد مكث جنينة في منصبه هذا حتى أقاله السيسي من منصبه يوم 28 مارس 2016، ولم تكن الإقالة- التي جاءت مخالفة للدستور بحسب قانونيين- أمرا مفاجئا، بل كانت إجراءً متوقعا من السلطات التي ظلت منزعجة لكون جنينة قد عينه مرسي، وازداد الانزعاج منه بعد كشفه جزءا من فساده.

ويعد المستشار جنينة أحد رموز "تيار استقلال القضاء"، المعروف بدعمه الكامل لثورة 25 يناير 2011، وكان أحد أبرز المرشحين لوزارة العدل في حكومة هشام قنديل إبان رئاسة مرسي.

ومن تصريحاته الشهيرة: "إن وزير الداخلية السابق حبيب العادلي هو الذراع الأمنية لنظام مبارك، وممدوح مرعي (وزير العدل وقتها) هو الذراع القانونية لاستهداف القضاء، والنظام كان يحتمي بالسلطة القضائية لتزييف الانتخابات".

وبعد تعيينه رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات، وجد جنينة أنه يقع على عاتقه تلبية مطالب ثورة 25 يناير بالكشف عن ملفات الفساد، وتحديد آليات العدالة الاجتماعية من خلال بوصلة المراقبة.

"جنينة" دفع فاتورة فساد السيسي

وقد أثبت سير الأحداث أن جنينة كان مستهدفا من دبابير الفساد المنتشرة التي أعادت إنتاج نفسها بعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي على مرسي، خصوصا بعد أن رفض الرجل أن يصمت أو يجاري رموز هذا الفساد ومن يحميهم.

وحين صرح جنينة بأن المبالغ المفقودة بسبب الفساد بلغت نحو 600 مليار جنيه مصري ما بين 2012 و2015، شكل السيسي لجنة للتحقيق في هذه التصريحات، وقالت اللجنة إن جنينة "يبالغ، وإن حجم الفساد ستة مليارات وليس 600".

وعندما حاول جنينة تقديم الدليل على ما قاله، فحظر السيسي نشر أدلته، ثم فوجئ الجميع بإحالته إلى نيابة أمن الدولة العليا، ثم عُزل خلال ساعات بقرار جمهوري أصدره السيسي بدعوى "إضراره بسمعة البلاد، وتأثيره على الاستثمار والاقتصاد"، وُمنع من السفر خارج البلاد.

وقد نُشر قرار الإقالة في الجريدة الرسمية للدولة، رغم أن المادة 216 في الدستور الذي أُقر عام 2014 بعد الانقلاب على مرسي، لا تسمح بإقالة رئيس الجهاز المركزي من منصبه، وهو ما يتوافق مع نص المادة 20 من قانون الجهاز المركزي.

يحاكم لأنه أزعج جنرال الفساد

ومساء يوم الإثنين 28 مارس 2016، أصدرت النيابة العامة المصرية قرارا يقضي بالقبض عليه، وذكرت نيابة أمن الدولة العليا أن التحريات "أشارت إلى قيام هشام جنينة بجمع المستندات والتقارير والمعلومات، والاحتفاظ بصورها، وبعض من أصولها مستغلا صلاحيات منصبه".

ورغم إعلان جنينة عدم نيته الطعن على قرار عزله، فإنه رفع مؤخرا دعوى أمام القضاء الإداري لإلغاء القرار؛ "حفاظا على هيبة المنصب في مواجهة تغول الرئيس"، كما قال.

وجاء رد السلطات سريعا بإحالته إلى نيابة أمن الدولة التي وجهت له تهمة نشر أخبار كاذبة، وقررت- في يونيو الماضي- إخلاء سبيله على ذمة التحقيقات بكفالة مالية قدرها عشرة آلاف جنيه، وهو ما رفضه جنينة؛ قائلا: إن له محل سكن معروفا، ولا يخشى عليه من الهرب، وهو ما دعا النيابة إلى إحالته للمحاكمة محبوسا.

لكن أسرة جنينة سارعت لفك أسره بدفع الكفالة المقررة، حتى أصدرت محكمة جنح القاهرة الجديدة، الخميس (7/28)، حكما بحبسه سنة وتغريمه عشرين ألف جنيه؛ عقابا له على التفوه بكلمة "فساد" في عصر السيسي.

وفي أول تعليق له على الحكم، قال علي طه، عضو هيئة الدفاع عن جنينة: إن موكله "يحاكم لأنه وصف إهدار أموال الدولة بالفساد".