بــ”5″ ملاحظات.. كيف نفهم ضربة ترامب لسفاح سوريا

- ‎فيعربي ودولي

كتب: يونس حمزاوي
جاء هجوم الولايات المتحدة الأمريكية عسكريا على قاعدة الشعيرات، التابعة للسفاح بشار الأسد، قرب مدينة حمص، فجر السابع من أبريل، لتفتح مجالا واسعا للقراءات المختلفة، كما تطرح العديد من السيناريوهات حول مستقبل الوضع في سوريا، والتي تتقاطع جميعها عند نقطة القطيعة الأمريكية مع الوضع الذي ساد طيلة السنوات الست الماضية.

الحقيقة أن أي قراءة متأنية لطبيعة التحرك الأمريكي، تشير بوضوح إلى أن موقف الإدارة الأمريكية مرتبط بأجندة سياسية وأهداف ترغب الإدارة الأمريكية بتحقيقها، وليست كما تبدو الأمور بأنها انقلاب مفاجئ في المواقف، كالحديث عن تغير موقف الرئيس بعد رؤيته لصور مجزرة خان شيخون، بعد استهداف القرية بأسلحة كيماوية بطائرات تابعة للسفاح بشار الأسد.

وبحسب مراقبين، فإن هناك "5" ملاحظات يمكن أن تسهم في فهم طبيعة الضربة العسكرية المفاجئة من جانب ترامب لبشار.

هروب من الضغوط الداخلية

التحليل المنطقي يشير إلى أن التحرك الأمريكي الخارجي قد يكون هروبا من ضغوط داخلية. فكما هو معلوم فإن حجم الضغوطات التي تتعرض لها إدارة ترامب في الداخل الأمريكي يفوق أي تصور.

ويبدو أن اتهام هذه الإدارة بالتواطؤ مع روسيا كان له الأثر الأكبر في تبني فكرة التصعيد الأمريكي خصوصا في سوريا، بحيث تظهر إدارة ترامب على أنها تواجه روسيا وتصطدم بسياساتها، الأمر الذي يمكن ترامب وفريقه من الرد على كافة الاتهامات وضحدها، بعد أن بدأت هذه الاتهامات بالإطاحة بأفراد إدارة ترامب، واحدا تلو الآخر، حيث وصلت الأمور إلى زوج ابنته كوشنير.

لهذا فإن التحرك العسكري المحدود ضد مجرم سوريا، ربما يعطي انطباعا بأن ترامب في حالة مواجهة مع موسكو، بل يقوم بضرب مصالحها ويعيد فرض وجود الولايات المتحدة مجددا في المنطقة، على عكس كافة الاتهامات التي تسوق تماهي إدارته وانسياقها وراء موسكو.

مزاحمة روسيا في تقسيم الكعكة

كما أن العمل العسكري الأمريكي ضد بشار يهيئ المجتمع الدولي فعليا لمرحلة جديدة تختلف كليا عن فترة حكم ترامب، ما يعكس توجهات أمريكية جديدة نحو مزاحمة روسيا وعدم ترك الساحة لها، عبر تواجد أمريكي دائم، وهو أمر تعمل الولايات المتحدة عليه منذ شهرين تقريبا.

معظم التقارير الأمنية تشير إلى تعاظم التواجد الأمريكي في سوريا والعمل على تهيئة القوات الكردية لتكون شريكا للقوات الأمريكية في عملية استعادة الرقة، التي لا تبدو أنها تقتصر على عملية استعادة أو تطهير من تنظيم داعش، بل تبدو في جوهرها عملية استيطان أمريكي طويلة الأمد لمنطقة الجزيرة، وبالتالي الحديث عن وضع اليد الأمريكية على حقول النفط والغاز في تلك المنطقة.

تسوية سياسية أم إسقاط بشار؟

وبحسب المحلل السياسي، بشير البكر، فإن الولايات المتحدة إذا أرادت من الضربة العسكرية اللجوء إلى الخيار العسكري من أجل القيام بتغيير الوضع في سوريا، فسوف تواصل الضربات قريبا ولن تتوقف هنا، بل ستتابع عملياتها في نفس السياق، وعلى نحو واع ومدروس.

أما إذا كان هدف الضربة هو الرد فقط على عملية قصف خان شيخون بغاز السارين الفتاك من طرف جيش النظام السوري، فإن أي استخدام جديد لهذا السلاح من طرف بشار الأسد سوف يعرضه لرد أمريكي يتجاوز حدود عملية فجر السابع من أبريل، التي استهدفت تدمير القاعدة الجوية التي انطلقت منها الجريمة.

وإذا لم تقم الولايات المتحدة بالضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جدية في سوريا من أجل حل شامل، سواء من خلال تفعيل مفاوضات جنيف أو غيرها، فإن العملية العسكرية ستبقى مجرد رد على جريمة الأسد، وسينتهي مفعولها هنا.

وتشير بعض التحركات الدولية والإقليمية إلى إمكانية حدوث سيناريوهات في المستقبل القريب تذهب إلى حد إسقاط النظام السوري من خلال القوة العسكرية، ومن هذه الإشارات الاجتماعات مؤخرا، ذات الطابع العسكري الرفيع في فرنسا وبريطانيا، وصدور مواقف دولية وإقليمية تدعو إلى الذهاب بالخيار العسكري إلى مدى بعيد، من خلال تشكيل تحالف دولي لإسقاط الأسد، على غرار ذلك الذي نشأ لمحاربة الإرهاب، وفتح الباب لمشاركة إقليمية، تركية وعربية، من أجل إسناد الفصائل العسكرية السورية لحسم المعركة، وتسليحها بسلاح فعال ضد الطيران.

عجز روسي وسوري

وأظهرت العملية العسكرية عجزا روسيا كبيرا، وضعفا غير محدود للنظام السوري. وكما هو معروف فإن واشنطن أبلغت موسكو بالعملية قبل 10 ساعات، كي تخلي قواتها من القاعدة، وهذا ما حصل فعلا، وهذا أمر أثار الكثير من الأسئلة: لماذا انسحبت روسيا من قاعدة الشعيرات ولم تواجه الأمريكيين؟ لماذا تركتهم يضربون الحليف الذي تحميه، وهي تدرك الكلفة المعنوية الكبيرة لهذا العجز؟.

أما ضعف النظام السوري فقد تجلى بعدم رده على الصواريخ، وهو الذي أعلن في 17 مارس الماضي، عن أنه رد على الغارات الإسرائيلية التي استهدفت تدمر والقلمون، وقال إعلامه في حينها، إنه يمتلك أسلحة تغير قواعد الاشتباك في الأجواء السورية، وتحدثت تسريبات عن وقوف إيران وراء قرار الرد.

كل التصريحات الأمريكية تركزت حول ضرورة تحمل روسيا مسئوليتها، سواء على صعيد التزام النظام بوقف إطلاق النار، أو ارتكاب جرائم حرب باستخدام الأسلحة الكيميائية، وهذا الأمر أسفر عن إلغاء روسيا لزيارة وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إلى موسكو في 11 و12 من الشهر الحالي، حيث كان من المقرر أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرغي لافروف.

إسرائيل تلعب على كل الحبال

الاحتفاء الإسرائيلي بالضربة الأمريكية في سوريا، يشير بوضوح إلى أن تل أبيب ترغب في توظيف الحضور الأمريكي تجاه إعادة تثبيت حالة التوازن العسكري السائد في المنطقة.

إسرائيل التي لم تستطع منع التواجد الروسي العسكري في سوريا، تعايشت مع هذا التواجد، إلا أنها اليوم تجد في التدخل الأمريكي فرصة لإعادة رسم الأمور وترتيب التوازنات، من زاوية ضرورة ألا تفكر موسكو في تغيير معادلة الردع في هذه المنطقة، لهذا أصرت الحكومة الإسرائيلية على تأكيد أنها كانت على اطّلاع على تفاصيل وموعد الضربة الأمريكية بطريقة بدت وكأنها شريك في الضربة.