“19” نوفمبر أسوأ أيامنا وأسعد أيام إسرائيل

- ‎فيمقالات

يستحق تاريخ 19 نوفمبر/ تشرين ثاني أن يكون الأسوأ في تاريخ العرب، لأسبابٍ أربعة، لعل أحدثها أن العرب تلقوا فيه طعنة أسوأ من وعد بلفور، بمنح الإدارة الأميركية مشروعية لاغتصاب الأوطان واستعمارها، إذ أعلنت أمس الاعتراف رسميّاً بشرعية المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والتي تُعتبر، بموجب القانون الدولي، مستوطنات "غير شرعية".

هذا الإعلان الصريح عن الانحياز للبطلجة هو تقنين لجريمة سياسبة مجرّمة بحسب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، بصرف النظر عن أن كل فلسطين من النهر إلى البحر يحتلها عدو لقيط أسس دولة على أنقاض دولة أخرى.

ومن العبث النظر إلى هذا القرار باعتباره، فقط، هدية شخصية من دونالد ترامب، ذلك أن هذا العار يلقى تأييدًا من النظام السياسي الأميركي، يستوي في ذلك معسكر ترامب، والمعسكر الآخر المنافس لترامب. وبحسب صحافي بريطاني مرموق، فإنه كان قد وجه سؤالًا للمسؤول الأول في حملة جو بايدن، الديمقراطي الذي تم الإعلان عنه منافسًا لترامب، الجمهوري، في الانتخابات المقبلة، بشأن الموقف من قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني: ماذا تفعل لو أصبحت مكان دونالد ترامب في البيت الأبيض؟ وكانت الإجابة: سوف أفعل ما فعله دونالد ترامب وأتخذ القرار ذاته!

****

على أن 19 نوفمبر 2019 ليس أكثر من صدى لـ 19 نوفمبر آخر مر قبل 41 عامًا حين اختار أنور السادات ذلك اليوم في العام 1977 للهبوط في مبنى الكنيست الإسرائيلي، مدشنًا مسارًا جديدًا للتفريط في الحقوق العربية التاريخية، معلنًا الاستسلام التام للرؤية الأميركية/ الصهيونية بالضرورة، ليقنّن، رسميًا، اغتصاب الوطن الفلسطيني، لتتقطع أوصال الموقف العربي، بل ينشطر الوطن العربي ذاته إلى معسكريْن، وتدخل القضية المحورية للعرب إلى تيه المفاوضات العبثية، وصولًا إلى لحظة كامب ديفيد التي جرّدت العربي من سلاحه، وجرّدت الفلسطيني من ظهيره العربي.

في البدء، كانت زيارة السادات العدو وتدشين مسار التطبيع، لينعم المحتل بوضعية مريحة تتيح له قضم الأراضي والتوسع في الاستيطان، لتأتي بعد ذلك مدريد ثم أوسلو ثم كامب ديفيد الثانية، لنصل في نهاية المطاف إلى حديث "صفقة القرن الإسرائيلي"، ونجلس في انتظار كامب ديفيد الثالثة التي تتأهب السعودية لها، وتتعجل إتمامها، ليكرّر محمد بن سلمان المغامرة الساداتية، وتبدأ مرحلة جديدة من التفريط والاستسلام لرغبات المحتل الذي بات يضج من زحام  الواقفين على أبوابه يتنافسون على من يكون الأكثر تطبيعًا.

****

كان 19 نوفمبر كذلك هو تاريخ نحر، أو انتحار الثورة المصرية، على أرض ميدان التحرير، ووقوع واحدةٍ من الجرائم الكبرى في شارع محمد محمود الشهير، حين نفذ المجلس العسكري مذبحة مروعة بحق الثوار ومصابي الثورة، فترتوي أرض ميدان أحلام التحرّر بدماء العشرات من المواطنين.

في ذلك الوقت دونت "إنهم  ذاهبون إلى مزبلة التاريخ، أعنى الجنود والضباط والقادة الذين أشرفوا على عملية ذبح الثورة والثوار فى ميادين الكرامة، من أصغر جندى وأصغر ضابط سحلا المتظاهرات على الأسفلت وألقيا بجثث المتظاهرين فوق أكوام القمامة، إلى أكبر مسئول أصدر الأوامر بشن الحرب على شعب أعزل.

وفى مزبلة التاريخ أماكن لآخرين من نخبة كاذبة تمسحت يوما فى الثوار، ثم تخلت عنهم حين جلست على موائد التفاوض، لتبدأ بعدها عمليات الإبادة الجماعية بالغازات السامة، فيما سيق الأفاقون إلى شاشات التليفزيون وميكروفونات الإذاعة ليكملوا عملية قصف الثوار بكلام ساقط ومفضوح عن اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، فى محاولة لتصوير الأمر وكأنها معركة بين فريقين متساويين فى القوة.

لقد جرى شحنهم إلى التفاوض مع المجلس العسكرى حول مجموعة مطالب ثورية محددة، كان أول مطلب فيها إيقاف المجزرة الدائرة ضد الشعب الأعزل، والذى حدث بعد الاجتماع أن مؤشر الإجرام والهمجية ارتفع إلى حد استخدام غازات قاتلة، ولم نسمع أن أحدا من الذين اجتمعوا مع المجلس توجه إلى الميدان ليعلن تضامنه مع الثوار.

****

أما أسوأ ما في 19 نوفمبر على الإطلاق، والشئ المنطقي الوحيد فيه، فإنه اليوم الذي ولدت فيه لإسرائيل مستوطنة على أرض مصر، اسمها عبد الفتاح السيسي، الذي ذهب أبعد بعشرات المرّات مما وصل إليه السادات في الخضوع الكامل للمحتل الصهيوني، والالتزام المطلق بالتبعية للسيد الأميركي، وارتكب فيه أولى أكبر جرائمه ضد الإنسانية في شارع محمد محمود.