يأتي انعقاد مؤتمر “إيباك” السنوي، الذي أطلقه اللوبي الصهيوني وحركات اليهودية بأمريكا ودول العالم، في واشنطن الاثنين الماضي ويختتم أعماله اليوم الاربعاء، في توقيت مناسب سياسيا لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، الذي يجد نفسه في مواجهة السجن لتورطه بعدد من قضايا الفساد الموجهة اليه..
ويواجه نتنياهو وضعا سياسيا صعبا للغاية، بعدما رضخ مؤخرًا لعدد من التحقيقات الجنائية، والمتوقع أن تقضي على مستقبله السياسي وتقود تل أبيب إلى انتخابات مبكرة، حيث كانت شرطة الاحتلال أقرت قبل نحو أسبوع لوائح اتهام ضد نتنياهو بتهم تلقي رشاوي في قضيتي فساد وأوصت بمحاكمته.
يرى العديد من المراقبين أن خطاب نتنياهو أمام القادة والمسؤولين الأمريكيين واليهود في مؤتمر إيباك، قد يكون الفرصة الأخيرة للدفاع عن نفسه في أعقاب الاتهامات الموجهه له، وحاول نتنياهو إظهار نفسه بصورة “القائد القوي والمستقر سياسيًا وأمنيًا، والقادر على تعزيز مكانة بلاده على الرغم من التحديات التي تواجهها”.
وتوالى على منصة المؤتمر نواب وشيوخ من الحزب الديموقراطي، إضافة إلى نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، والسفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة “نيكي هايلي”.
إسرائيل والحلف الخليجي
وجاء تعميق العلاقات الخليجية الإسرائيلية، والتي اتخذت في السنوات الأخيرة منعطفًا جديدًا من التقارب غير المسبوق، هدفا استراتيجيا للمؤتمر.
حيث بشر رئيس مؤتمر إبياك، ستيفن جرينبرج، إلى دعم جهود التغيير والتطوير في الـسعـودية وبقية دول الخليج خاصة الإمارات والبحرين، واضاف في كلمة ألقاها خلال المؤتمر: إن تبديلًا حقيقيًا يجري في الـسعـودية ويتعين دعمه، كما تحدث عن انطباعاته لزيارة أخذ بها لكل من الإمارات والأردن، وأشاد بقادة الإمارات.
من جهته، اخبر نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، داني إيالون، إن هناك علاقات جيدة تربطه بالقادة السعوديين، وأكمل أن هناك قواسم مشتركة كثيرة بين إسرائيل وكل من الـسعـودية والإمارات والبحرين..
ورقة إيران لابتزاز الخليج
وفي سياق المتاجرة المعهود بالورقة الإيرانية، وما تمثله من هواجس لدول الخليج، حذر نتانياهو في كلمته بالمؤتمر، الثلاثاء من “الوحش” الايراني. وقال نتانياهو أيضا: “علينا ان نوقف ايران وسنوقفها (…) لن نسمح ابدا لايران بتطوير سلاح نووي لا اليوم ولا بعد عشر سنوات ولا باي وقت”.
ووجه دعوة الى الدول العربية في المنطقة قائلا ن “إسرائيل ليست عدوا لها بل هي الحليف الذي لا بد منه”.
وكان ترامب امهل الكونجرس الأمريكي والدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران حتى منتصف مايو لتشديد القيود المفروضة على ايران بموجب هذا الاتفاق، والا فان الولايات المتحدة ستنسحب منه.
ويعكس المؤتمر السنوي الذي أسسه زعماء أمريكيون عام 1951، حجم النفوذ الهائل لأقوى جماعة ضغط موالية لإسرائيل داخل أروقة النظام في الولايات المتحدة، ويهدف لتحقيق الدعم الأمريكي لإسرائيل من خلال التعاون ما بين أجهزة مخابرات البلدين والمساعدات العسكرية والاقتصادية، حيث يسعى المشاركون في المؤتمر إلى الحد من الدعم المالي الذي تقدمه الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية، كما يستهدف الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل، والمعروفة اختصارًا باسم “بي دي إس”، إلى جانب دعم الدول التي تصب سياستها في خدمة تل أبيب.
ويحضر المؤتمر عدد الدول والشخصيات اليمينية المتطرفة المعروفة بدعمها المتشدد للكيان الصهيوني، وهو ما يظهر في حضور رئيس جواتيمالا، جيمي موراليس، الذي أكد خلال المؤتمر أن “سفارة بلاده في إسرائيل ستُنقل إلى القدس في شهر مايو القادم، بعد مرور يومين على نقل السفارة الأمريكية”، ليقطع الحديث عن عرقلة قرار النقل، بعدما جمدت المحكمة الدستورية العليا في جمهورية جواتيمالا قرار الرئيس قبل أيام بناء على دعوى قضائية رفعها مجموعة من الحقوقيين برئاسة المحامي ماركو فينيسيو، حيث تم بناء الدعوة على الدستور بصفتها دولة علمانية لا يحق للرئيس ومن منطلقات دينية بحتة أن يتخذ قرارات تضرب التعايش السلمي بين فئات المجتمع.
تقارب صهيوأمريكي
يأتي انعقاد المؤتمر وسط تقارب غير مسبوق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فالرئيس الأمريكي، لم يخفِ يومًا دعمه الكامل للكيان الصهيوني، خلال حملته الانتخابية، وظهر بخطوات فعلية بعد تنصيبه رئيسًا في 20 يناير عام 2017، حيث انطلق مؤتمر “إيباك” بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب موعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتحديد 14 مايو القادم للعملية، ضاربًا عرض الحائط بحالة الغضب الفلسطيني الداخلية، والتحذيرات الأوروبية والتنديدات العربية.
وبالتزامن مع انطلاق أعمال مؤتمر اللوبي الصهيوني، اندلعت عاصفة من الاحتجاجات والتنديدات الفلسطينية والدولية للتعبير عن رفض دعم أمريكا للكيان المحتل، حيث نظم عشرات من النشطاء الفلسطينيين واليهود والأمريكيين مظاهرة أمام البيت الأبيض للاحتجاج على الدعم الأمريكي لإسرائيل، ورفع المتظاهرون لوحات تندد باستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وبالدور الذي تقوم به “إيباك” في دعم ممارسات الاحتلال المجحفة بحق الشعب الفلسطيني.
في السياق ذاته، احتضنت واشنطن مؤتمرًا مناهضًا لنفوذ اللوبي الموالي لإسرائيل في أمريكا، وتأثيره على السياسة الخارجية الأمريكية؛ بتنظيم من مجلة “واشنطن ريبورت”، بالتعاون مع قسم الشرق الأوسط التابع لمعهد الأبحاث الأمريكية، وناقش المتحدثون في المؤتمر ومعظمهم أكاديميون وصحفيون، الاستراتيجيات والسياسات والوسائل التكتيكية لإسرائيل واللوبي المؤيد لها في التأثير على الكونجرس وقراراته والإدارات المتعاقبة، واضاف المنظمون إن وعي الأمريكيين بهذا التأثير في ازدياد، وإن قرابة 85% يعارضون اليـوم حجم المساعدات الأمريكية لإسرائيل الذي بلغ ربع تريليون دولار منذ تأسيسها عام 1948، علمًا بأن الدعم لا يقتصر على المساعدات العسكرية والمالية فقط.
من جانبها، انضمت الحركة اليهودية المعادية لإسرائيل، الاثـنـيـن الماضي، إلى احتجاجات ضد انعقاد مؤتمر “إيباك”، حيث اخبر المتحدث باسم الحركة، يسرول ديفيد ويس، خلال المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني والمناهضة للمؤتمر “إننا ندعو إلى تفكيك سريع وسلمي لهذا الاحتلال بكامله”، مضيفًا أنه “يحظر علينا الجرأة في سرقة الأرض وانتحال هوية لشيء غير مقبول على الإطلاق”، وحمل ناشطون آخرون من الحركة اليهودية المعادية لإسرائيل “ناطوري كارتا”، لوحات ورد فيها “فلسطين يجب أن تعود للسيادة الفلسطينية بأكملها”، و”يجب تحرير القدس”، ووجه المتظاهرون، عبارات تساعد إرادة الشعب الفلسطيني وتثبت حق ملكيتهم في الأرض بعبارات “من النهر إلى البحر، ستكون فلسطين حرة”، ونددوا بقيام دولة إسرائيل “غير الشرعية” على أرض فلسطين.