دولة “كأن” مصطلح أطلقه أدباء ومحللون سياسيون تهكمًا على الأوضاع المزرية في بلادنا الحبيبة، فمصر «كأن» بها رئيس لكنه غير شرعي وهو أقرب إلى رئيس المافيا منه إلى رئيس دولة؛ ويكفي أنه احتل كرسي الرئاسة سطوا بعد انقلاب دموي، و«كأن» في مصر “برلمان” رغم أن الشعب لم ينتخبه بل جاء عبر انتقاء الأجهزة الأمنية لكل أعضائه بلا استنثاء، و«كأن» بمصر أحزاب وانتخابات رغم أن بلادنا لا تعرف معنى السياسية ، فالمؤسسة العسكرية تفرض وصايتها على الجميع في كافة المجالات والقطاعات، وكأن بمصر انتخابات بها لجان ومرشحون “كومبارس” وناخبون متخصصون في الرقص لكن نتائج هذه الانتخابات معروفة قبل أن تبدأ. مصر تعيش منذ انقلاب 30 يونيو في مرحلة “كأن” !
ومن المضحكات أن ثمة تحركات للمستشار بهاء الدين أبو شقة، رئيس حزب الوفد، لتشكيل ائتلاف برلماني جديد ينافس “ائتلاف دعم مصر” الذي تأسس في دهاليز المخابرات الحربية ؛ فالنظام حريص على ترجمة توجهات الجنرال عبر دمج الأحزاب في حزبين كبيرين أو ثلاثة يكون أحدها (دعم مصر) ممثلا لحزب السلطة والآخر عبارة عن (معارضة صورية) تتظاهر بمعارضة النظام رغم أنها في الحقيقة جزء منه وكل أحزابها داعمة للجنرال والحكم العسكري .
تحركات رئيس الوفد تستهدف خلق “كومبارس” من ائتلافه الجديد ليكون منافسا لحزب السلطة؛ تماما على غرار الدفع بحمدين صباحي في مسرحية 2014، وموسى مصطفى موسى في مسرحية 2018م، فكما يحتاج النظام إلى كومبارس في مسرحية الرئاسة يحتاج إلى كومبارس في المشهد السياسي يتظاهر بالمعارضة أمام العالم والمجتمع الدولي.
تصريحات أبو شقة تفسر هذه التحركات بأنها تستهدف تشكيل ائتلاف برلماني يستطيع التواجد به بصورة أقوى داخل البرلمان، مشيرًا إلى أنه بدأ يتحرك فعليًا داخل البرلمان لدعوة عدد من النواب المستقلين وذوي الصفة الحزبية للانضمام إلى الائتلاف.
تحركات الوفد شملت نواب غير مستقلين لائتلاف «دعم مصر»، لتشكيل ائتلاف معارضة (صوري) يضم عددًا من الأحزاب السياسية منها المصريين الأحرار، والمحافظين، والمصري الديمقراطي، بالإضافة إلى الأحزاب غير الممثلة في البرلمان، ومنها «الدستور» و«الغد»، وأن الحزب يسعى إلى تشكيل ائتلاف قوامه الأساسي من 150 إلى 200 نائب، ليكون المنافس الأقوى في مواجهة ائتلاف «دعم مصر».
من جانبه، قال ياسر الهضيبي، مساعد رئيس الحزب والمتحدث الرسمي، «أبوشقة نفسه هو الوحيد، الذي مارس هذه التحركات بين النواب من الأحزاب أو المستقلين داخل البرلمان»، مشيرًا إلى أن «الحياة السياسية تقوم على التعددية، ومن المفترض أن يكون هناك حزبًا سياسيًا يشكل أغلبية داخل البرلمان وليس ائتلاف، ووجود أحزاب أخرى تنافسه أيضا، وهذا تفعيل للمادة الخامسة من الدستور، وأن ما سيفعله (الوفد) هو تصحيح للوضع السياسي داخل البرلمان».
وطالب المهندس حسام الخولي، مساعد رئيس الحزب، والمرشح المنافس على رئاسته في الانتخابات الأخيرة، بالاهتمام بتنظيم الحزب من الداخل والخارج وإعادة الروح له في المحافظات. وأشار إلى أن «الآثار الخاصة بتحركات (أبوشقة) ستكون سلبية»، لافتًا إلى أن «مسألة التحالفات لن تكون سهلة، وستحوي العديد من المشاكل والخلافات، ولا أعتقد أن هذا وقته».
وأوضح «الخولي» أنه يتوقع ألا يكون الائتلاف واقعي، قائلًا: «أرى أنه لن ينفذ على الأقل في المرحلة الحالية، ورئيس الحزب لابد أن يعود للهيئة العليا في النهاية، وكان الأولى به أن يأخذ رأيهم قبل أن يتحرك، لأن الوفد اعتاد على أن يجتمع على رأيه أولًا ثم يعرضه للخارج وليس العكس»، متسائلًا: «أليس من الممكن بعد تحركات (أبوشقة) لجمع النواب أن ترفض الهيئة العليا قرار التحالف من أساسه؟ ».
لكن الخولي يتجاهل أن تحركات أبو شقة تأتي بتنسيق كامل مع نظام العسكر والأجهزة الأمنية لاستكمال الصورة ورسم ملامح مشهد سياسي يختصر المسألة في حزب للسلطة وحزب أو حزبين للمعارضة الصورية ، يتسق مع هذه الرؤية أن ائتلاف “دعم مصر” عقد اجتماعا موسعا اليوم الأربعاء للبدء في التحول من ائتلاف إلى حزب معبر عن السلطة ونظام 30 يونيو.