كتب يونس حمزاوي
بعد مضي أكثر من 70 يوما على تعهد عبدالفتاح السسي، قائد الانقلاب، بخفض الأسعار خلال 6 شهور، يبدو أن هذا الوعد قد تبخر كما تبخرت كل وعود السيسي من قبل، والتي وعد الشعب فيها بتوفير السلع وخفض الأسعار، وثبت كل مرة أنها "فنكوش"، وأنها لتخدير الشعب ليس أكثر من ذلك.
وكان السيسي قد وعد، يوم الأربعاء 28 ديسمبر الماضي 2016، بخفض الأسعار خلال 6 شهور، وذلك خلال افتتاحه مشروعا للاستزراع السمكي بمحافظة الإسماعيلية.
وقال السيسي وقتها: إن الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر ستتحسن خلال ستة أشهر، ودعا رجال الأعمال والمستثمرين إلى مساعدة الحكومة على كبح ارتفاع الأسعار.
وأضاف السيسي "أرجو أن تبذل الحكومة مزيدا من الجهد لضبط الأسعار، لن أقول ذلك للحكومة فقط بل حتى للمواطنين ورجال الأعمال والمستثمرين.. من فضلكم قفوا إلى جنب بلدكم مصر 6 أشهر فقط وستكون الأمور أفضل بكثير".
وعود زائفة في كل مرة
وقالت وكالة رويترز للأنباء- في تقرير نشرته الأحد 8 يناير الماضي- إن تعهد السيسي مؤخرا بتحقيق التعافي الاقتصادي خلال ستة أشهر لا يقنع كثيرا من المصريين، ونقلت عن خبراء اقتصاديين قولهم إن الأسعار سترتفع مجددا هذا العام.
وذكر التقرير أن حديث السيسي عن "نجاح الشعب المصري في الاختبار" لا يلقى صدى عند كثير من المصريين الذين يكافحون لتلبية متطلبات الحياة، مع ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 20%، وتخفيض الدعم.
انتفاضة الخبز وكسر حاجز الخوف
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام أن المصريين لم يعد لديهم قدرة على التحمل والصبر، فصبرهم نفد أو قارب على النفاد، ويبدو أن صوت الرصاص والاعتقالات وظلام وغياهب السجون والتخويف لم تعد تخيفهم، ولذا خرجوا في مظاهرات عفوية أطلق عليها البعض اسم "انتفاضة الخبز"؛ اعتراضا على قرارات حكومية مستفزة تقضي بخفض كمية الخبز المخصص للسلع التموينية والمخابز.
وعلى مدى ما يقرب من أربع سنوات، دخل المواطن في سباق عنيف مع الأسعار والغلاء، فقد زادت أسعار الأرز والسكر والأدوية والزيوت والسجائر والبنزين والسولار والملابس والنقل بمعدلات غير مسبوقة، كما زادت أسعار فواتير الكهرباء والمياه وغاز الطهي، ومعها زادت الضرائب والجمارك والرسوم، وقيود الاستيراد وخنق السوق.
ومع تعويم الجنيه مقابل الدولار، خسر المواطن نصف "تحويشة عمره" في غمضة عين وتآكلت مدخراته، والنتيجة النهائية خسائر مستمرة للغالبية العظمى من المصريين في هذا السباق غير المتكافئ.
وبات المواطن ليس له أمل في الحاضر ولا أقول المستقبل، بعد أن صور له النظام أن بلده فقيرة "أوي أوي أوي"، وأنه لا توجد بارقة أمل في توقف قطار ارتفاع الأسعار المستمر وكبح جماح التضخم في المستقبل القريب، وهو القطار الذي يدهس الملايين، خاصة مع التعهدات التي قطعتها الحكومة لصندوق النقد الدولي بزيادة أسعار الكهرباء والوقود والمياه والمرافق، في شهر يوليو القادم، للحصول على الشريحة الثانية من قرض الصندوق.
فشل حملة تراجع الدولار
على جانب آخر، فإن حملة الدولار الذي بشر كبار المسئولين بتراجعه بشكل حاد في حفلة كبيرة جرت قبل أقل من شهر، عاد للارتفاع وبقوة أكبر، كما أن وعود خفض الأسعار خلال 6 أشهر ربما تتحول إلى سراب كبير، كما تبددت الآمال في جني ما يسمى بثمار قرار تعويم الجنيه مقابل الدولار، وباتت الأماني المتعلقة بعودة الاستثمارات الأجنبية وتعافي قطاع السياحة في القريب العاجل أقرب للسراب، وبات الحديث عن مجرد المحافظة على إيرادات قناة السويس يجري على خجل.
ببساطة، فقد المواطن المصري كل شيء، ولم يعد قادرا على التحمل، ولذا خرج في مظاهرات عفوية عندما فاض به الكيل، وبات الموت عنده يتساوى مع الحياة، خاصة مع تفاقم أزمات الفقر والبطالة والفساد، وانحدار الطبقة المتوسطة سريعا نحو الطبقة الفقيرة، وبلوغ معدل الفقر المدقع 45% بشهادة وزير التنمية المحلية الجديد.
وبحسب عبدالسلام، فإن ما حدث في انتفاضة الخبز لحكومة الانقلاب؛ إما الإصرار على تطبيق قرارات استفزازية تضغط على الفقراء، وبذلك يكرر النظام تجربة مبارك التي قامت عليها ثورة 25 يناير، وإما التنازل عن تعهداته لصندوق النقد وعن إجراءاته التقشفية العنيفة، وهو ما قد يعطي قوة لرجل الشارع في أن يخرج للتظاهر وبكثافة عند أول قرار بزيادة الأسعار، وينتهي إلى أن النظام وضع نفسه في بدائل كلها مُرة.