كتب سيد توكل:
بمرور الوقت تزداد انتهاكات شرطة الانقلاب ضد المواطنين، أو حتى الأجانب، وغالبًا ما تتجه داخلية الانقلاب، لتجاهل تلك الانتهاكات أو نفيها، لكن بعض التصعيد الإعلامي والشعبي، ضد انتهاكات واضحة لشرطة الانقلاب، يدفع الأخيرة أحيانًا بالاعتراف بها، لكن بوصفها "حالة فردية".
وتتوسع شرطة الانقلاب في القتل دون حسيب أو رقيب، ولا يقتصر القتل على المعارضين أو جماعة الإخوان التي أصبح دماء أعضائها كلأ مباح بالنسبة لميلشيات العسكر، بل شمل مسلسل القتل الجميع حتى وصل الرصاص الى رواد المقاهي، وعابري السبيل.
تقول رواية الداخلية هذه المرة تدعي أن السيدة هدى محمد أحمد (31 سنة) موظفة بإدارة مصر الجديدة التعليمية، وجدت يوم الخميس 16 مارس 2017 في إحدي الكافيهات بمدينة نصر دارت فيه "معركة بالرصاص الحي" بين الشرطة وعناصر من جماعة الإخوان، وأن أحد عناصر الإخوان أطلق النار على " هدى".
أما الحقيقة التي كشفها شهود عيان فهي أن "هدى" كانت تجلس في القسم الخارجي المطل من الكافيه على الشارع مع عدد من صديقاتها ليفاجئوا بإطلاق رصاص من عناصر شرطة الانقلاب .
رواية الدم
اعتادت وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب، أن تُبرر اعتداءاتها بكونها «حالات فردية»، رغم تكررها، وكثرتها، وكثرة استخدامها لنفس التبرير، تكرار الانتهاكات بهذه الصورة، دفع الرأي العام إلى عدم تقبّل التبرير كل مرة، إذ إن الحال خرجت من دائرة "الحالات الفردية" إلى الإجراء الاعتيادي الممنهج.
وحسب شهود العيان اخترق الرصاص الزجاج المكون لواجهة الكافيه ليحوله إلى قطع متناثرة وتستقر رصاصة "ميري" في جسد هدى وسط حالة من الهرج والمرج في المنطقة التي أصيب سكانها بالذعر من إطلاق الرصاص، ووقعت تلك الجريمة بين الرابعة والخامسة من عصر يوم الخميس 16 مارس 2017.
بينما في الحادية عشرة مساءً من نفس اليوم، ادعى بيان وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب، أن ما حدث كان "خلال عملية ضبط 8 من العناصر الإرهابية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين كانوا متواجدين في إحدى الشقق في المنطقة".
وأنه "أثناء ضبطهم حاول اثنان من المشاركين الهرب بالقفز من إحدى الشرفات خلف العقار مطلقين أعيرة نارية للتغطية على هروبهما مما نتج عنه وفاة المواطنة هدى أحمد محمد محمد «مواليد 2/9/1986 – موظفة بإدارة مصر الجديدة التعليمية ومقيمة بالزاوية الحمراء» متأثرة بإصابتها بطلق ناري بالرأس" ولم يذكر البيان أي تفاصيل أخرى متعلقة بالواقعة.
رواية كاذبة
بالذهاب إلى موقع الحادثة وجمع الشهادات ممن حضروا ما حدث من بدايته ينسف كل رواية وزارة الداخلية عن الواقعة، فبمعاينة المكان يتضح أنه لا يمكن عمليًا للمقبوض عليهم أن يطلقوا أعيرة نارية باتجاه الكافيه ويصيبوا الواجهة الزجاجية وهم موجودون في شرفة الشقة؛ حيث تقع الشقة التي تم ضبطهم بداخلها فوق الكافيه مباشرة في الدور الأول علوي وتستخدم لحساب شركة إعلان وتدريب ولا يمكن إصابة واجهة الكافيه، إلا عن طريق شخص متواجد في الشارع، وحسب بيان ميلشيات الانقلاب فقد تمكنت القوات المداهمة من القبض عليهم أثناء محاولتهم القفز من الشرفة وقبل نجاحهم في ذلك.
أحد العاملين في الكافيه -أصر على عدم ذكر اسمه بسبب تعليمات إدارة الكافيه للعاملين بعدم التحدث مع الإعلام عن الواقعة- يقول بأن من تم القبض عليهم من الشقة لم يطلقوا رصاصًا إطلاقًا، وأن ما حدث حقيقة هو أن أهالي المنطقة فوجئوا بقوات لوزارة الداخلية تحاصر العمارة وأثناء نزول أحد الظباط من السيارة أطلق عيارًا ناريًا في الهواء، أعقبه دخول القوات للعمارة.
وبعد أقل من دقيقة قفز شابان من الشقة فوق السقف الأسمنتي الموجود في مدخل العمارة وملاصق للكافيه مباشرة،وبعد قفز الشابين من الشقة قام الظابط الموجود أمام مدخل العمارة بإطلاق أعيرة نارية باتجاه مدخل العمارة؛ لتهديد الشابين اخترقت إحدى هذه الرصاصات مدخل الكافيه الزجاجي وحوله إلى قطع صغيرة متناثرة في كل مكان لتستقر في جسد هدى ليرديها قتيلة.
أما عن الشقة فيقول إن ما يعرفه أنها شركة تدريب، وأن طلاب الجامعة دائمو التردد على المكان ولم تحدث معهم أي مشكلة سابقًا سواء مع الشرطة أو الجيران في المنطقة.
الرصاصة ميري
تم نقل جثمان هدى إلى مستشفى التأمين الصحي بالحي السابع بمدينة نصر، وتوجهت أسرتها للمستشفى لاستلام الجثة ليفاجئوا من منعهم من قبل الأمن الموجود بالمستشفى بكثرة من رؤيتها أعقبه نقلها إلى المشرحة لتشريح الجثة، وحتى الآن لم يتم إصدار تقرير الطب الشرعي الذي يحدد نوع الطلقة التي أطلقت على هدى بالخطأ (بحسب تعبير بيان وزارة الداخلية).
رفضت أسرة هدى التحدث عن الواقعة حتى استلام الجثة وخروج تقرير الطب الشرعي والذي لم ينته حتى الآن، وذلك بسبب عدم مقدرتهم على استيعاب هذه الكارثة التي ألمت بهم وصدمتهم الكبيرة مما حدث.
وبينما تصف سلطات الانقلاب، انتهاكات ملشياتها بـ"الحالات الفردية"، ويمثل بعض مرتكبيها أمام القضاء؛ تظل عشرات آلاف حالات الاعتقال، وآلاف حالات القتل، ومئات حالات التعذيب والاختفاء القسري، على أيدي قوات أمن الانقلاب، محل تجاهل السلطات أو نفيها، ويظل مرتكبوها بعيدين عن المحاسبة والتحقيق ، ويصل الأمر أحيانًا إلى مُكافأة مُرتكبيها، كما حدث عقب جريمة فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013، وهي الجريمة التي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها "أسوأ حادثة قتل جماعي في التاريخ الحديث".