كتب رانيا قناوي:
أكد الفقيه الدستوري المستشار طارق البشري -النائب الأسبق لرئيس مجلس الدولة- أن اتفاقية "تيران وصنافير" أصبحت منعدمة، ولا يمكن لبرلمان السيسي أن يناقش العدم، مشددا على أن حكومة الانقلاب "أثبتت أنها غير أمينة على ملك الدولة.. ولم تعد مؤهلة لتمثيلها فى حال اللجوء إلى التحكيم".
ورد البشري -خلال حواره مع صحيفة "الشروق" اليوم الأربعاء- على مزاعم نواب برلمان السيسي بأن الاتفاقية من أعمال السيادة، قائلا: "أعمال السيادة تخضع لرقابة القضاء بمجرد مخالفتها الدستور والقانون"، مؤكدا أن حكم "الإدارية العليا" مفخرة تاريخية لمجلس الدولة، والحكومة فى موقف لا تحسد عليه.
وأضاف البشرى أن أهم دفاع للحكومة فى القضية كان اعتبار أن الاتفاقية من أعمال السيادة التى لا يختص القضاء الإدارى أو غيره بالنظر فيها، وأن المحكمة ردت جيدا على هذا الدفع، موضحا أن "أعمال السيادة المستبعدة من رقابة السلطة القضائية تقتصر على المجالات التى تتسع فيها إرادة السلطة التنفيذية (الجهات الحكومية) فى التقدير الموضوعى للاختيار".
ودلل البشرى عى قوله بمثال: "نضرب لأعمال السيادة أمثلة كاختيار الوزراء أو إعلان حالة الطوارئ، لكن هذه القرارات ليست مستبعدة من الرقابة القضائية بذاتها، ولكنها مستبعدة لاتساع سلطة الحكومة فى تقدير ملاءماتها، وإذا خالفت الحكومة الدستور أو القانون فى هذه القرارات تكون تصرفاتها تحت الرقابة القضائية".
وضرب البشرى لرؤيته لأعمال السيادة مثالين؛
الأول بشأن اختيار الوزراء، فاختيار الوزراء يعتبر من أعمال السيادة طالما صدر القرار من صاحب الولاية بحكم الدستور والقانون، أما إذا صدر القرار من أحد الوزراء أو أحد المحافظين، فيدخل ساحة الرقابة القضائية مرة أخرى، ويكون على القضاء إلغاء القرار لصدوره من غير ذى ولاية.
والمثال الثانى بشأن حالة الطوارئ، فإعلان حالة الطوارئ ابتداءً من قبل رئيس الجمهورية هو عمل سيادى، أما إذا كان الدستور يلزمه باستفتاء الشعب أو أخذ موافقة البرلمان على مد حالة الطوارئ ولم يقم بذلك، فيدخل قراره ساحة الرقابة القضائية مرة أخرى، ويكون على القضاء إلغاء القرار لصدوره بالمخالفة للدستور.
وقال البشرى إن مخالفة الدستور هو المدخل الذى ولجت منه محكمتا القضاء الإدارى والإدارية العليا للرقابة على الاتفاقية التى وقعها رئيس الوزراء فى إبريل الماضى "فلا مجال فى هذه الحالة للسلطة التقديرية التى لا تراجعها المحاكم، بل إن الأمر كله متعلق بحدود الولاية المسندة للسلطة التنفيذية، فلا ولاية لأى سلطة فى التنازل عن جزء من أرض مصر".
وذكر البشرى أنه ولأول مرة فى تاريخ القضاء والمحاماة، يكون دفاع جهة أو شخص مركزا على أنه لا يملك بل ويقدم أسانيد وأدلة على ذلك، مضيفا "الحكومة المصرية فعلت ذلك، وهو أمر عجيب، أن نراها تدافع عن غير مصلحتها وعما يضرها سياسيا واستراتيجيا"، موضحا أن "موقف الحكومة كان يدعو للرثاء بأن تتمسك بفكرة أعمال السيادة وهى تتنازل عن سيادتها على جزء من أرض مصر، ووضعت نفسها فى موقع لا تحسد عليه".
وأضاف "أثبتت الحكومة على نفسها أنها غير أمينة على ملك الدولة والأمة ــ وذلك بحكم قضائى ــ وأقول هذا الكلام بمناسبة ما أُثير عن رفع دعوى أمام التحكيم الدولى، وهذا مردود عليه بأن الحكومة لا تملك شرط المصلحة الواجب توافره للجوء إلى التحكيم، وإذا حدث وتجاسرت على الموافقة على اللجوء للتحكيم الدولى؛ يكون هذا التصرف قرارا إداريا خاضعا لرقابة مجلس الدولة مرة أخرى".
وتعليقا على مضى البرلمان قدما فى مناقشة الاتفاقية، قال البشرى إن "الاتفاق الذى أحالته الحكومة للبرلمان أصبح منعدما وساقطا بحكم الإدارية العليا، ومن ثم لم يعد هناك شىء يمكن عرضه على السلطة التشريعية، ولا يجوز أن ينظر البرلمان شيئا معدوم المحل، كما أنه ليس من سلطة البرلمان أن يبرم بذاته معاهدات مع الغير"، قاصدا بذلك أن الحكم أسقط جميع التصرفات الحكومية السابقة فى الاتفاقية.
وحول ما تردد فى الأوساط القانونية والقضائية من أنه كان يجدر بدائرة فحص الطعون بالإدارية العليا برئاسة المستشار أحمد الشاذلى أن تحيل القضية إلى دائرة الموضوع بالمحكمة بدلا من الفصل فيها، لتعلق القضية بمبدأ قضائى جديد، أوضح البشرى أن "الإحالة لدائرة الموضوع سلطة تقديرية لدائرة الفحص إذا ما وجدت ما يدعو لذلك».
ولفت النظر إلى أن «دائرة الموضوع تتشكل من جميع قضاة دائرة الفحص، إضافة إلى قاضٍ واحد هو رئيس مجلس الدولة، وإجماع دائرة الفحص على رأى واحد وتناولهم جميع دقائق القضية كما جاء فى الحيثيات أمر لا يتطلب الإحالة لدائرة الموضوع".