“القوة الجماعية” المناورة والعقاب والمكافأة بيد الشعب

- ‎فيتقارير

تنطلق حروب اللاعنف من تجارب الواقع واشكالياته بشكل أكبر، والواقع يفترض الإجابة علي أسئلة كثيرة التشابك ولكنها هامة ولا يمكن الفرار منها، من هذه الأسئلة، ما هي طبيعة الأسلحة الخاصة التي يعتمد عليها المقاومون في حروب اللاعنف، وإذا كانت السلمية لا تعني الاستسلام ولا التسامح، ما أفضل الآليات الواقعية لدحر الخصوم وفي الوقت نفسه، عدم الانزلاق لطريق العنف؟

يستعرض الكتاب الثاني في سلسلة أكاديمية التغيير "أسلحة حرب اللاعنف"-صادر عام 2013 للمؤلفين وائل عادل، د.هشام مرسي، وأحمد عادل عبد الحكيم – التجارب الناجحة في هذا الشأن. ويشير إلي أن هذا النمط من الأسلحة يعتمد علي قوة الشعوب، وأهم ما يميز تلك القوة أنها لا تكمن في إزهاق الأرواح أو تفجير المنشآت؛ وإنما في بناء أفضل ما في الإنسان؛ عقله، روحه، وإرادته. وهي أعمال تسعي من خلال أنشطة مدروسة إلي تحقيق الانتصار، وهو انتصار علي الذات بقهر الخوف، وانتصار علي اليأس باقتلاعه من نفوس الجماهير، ثم انتصار للأساليب الحضارية الفعالة علي وساوس العنف، الذي قد يظنه الناس خطأ الدواء الوحيد لأزماتهم.

ويري منظرو اللاعنف أن القيم النبيلة لابد لها من أسلحة موازية لها في النبل، وفي الوقت نفسه قوية وفعالة وتكافيء إن لم تكن تتفوق علي أسلحة الخصوم.

ويؤكد الكتاب عدم وجود حالة مثالية لتجربة لاعنف مطلق، وإنما الأمر يتوقف علي طبيعة الصراع، وظرف الحاجة والموقف، ولكنها في الإطار النظري حروب تميل إلي استهداف معنويات الخصم، ومدي وعيه بموازين القوي، وقد تميل إلي استهداف ممتلكاته وموارده؛ كاحتلال المباني وقطع الموارد الاقتصادية أو غيرها.

وينطلق منظرو هذا اللون من الحروب من نظرية "القوة الجماعية" والتي تعني أن الكثير من أدوات العقاب والمكافأة والإجبار والمناورة بيد الشعب لأنه "الكثرة"، فحتي وإن امتلكت الحكومات أساليب القمع، لا يمكنها استخدامها إلا بتعاون وموافقة أطراف أخري، هي جزء من نسيج المجتمع. وبالتالي فهذه القوة "الهشة" في يد الحكومات يمكن تفكيكها والتحكم فيها.

ويتعرض الكتاب لإشكالية هامة وهي "مواجهة القمع" فعادة يتعامل النظام القمعي بآليات "العنف" مما يعني عدم التكافؤ الاستراتيجي، فأحد الأطراف يعتمد النشاط اللاعنيف، والأخر يعتمد العنف، وتنجح تجربة اللاعنف بمدي تمسكها بهذا الخيار، في حين تتنوع وسائلها وأسلحتها في هذا الإطار؛ خاصة وأن الأنظمة اللا-أخلاقية تسعي بكل الطرق بعد أن تري فشل قدرتها القمعية علي اجهاض المقاومة، الي جر الشعب للعنف لأنه الخيار الذي تجيده وتنجح فيه.

ويشدد على ان هناك أهمية بالغة في تنوع أسلحة الشعب في حروب اللاعنف، وهي أسلحة تندرج في ثلاثة حقول؛ الأول أسلحة العمل غير المباشر، وتتعلق بطرح وتأكيد وجهات النظر والعمل علي عرضها جيدا والإقناع بها، وتتعدد وسائلها في هذا الإطار بحيث تشمل علي سبيل المثال:"الملصقات، الشعارات، الحملات الالكترونية، ملاحقة القادة والضباط وموظفي الدولة في أماكن تواجدهم لمواجهتهم بلاأخلاقية أفعالهم، أعمال ساخرة واستهزائية من الخصوم، ارتداء الرموز، إرسال الخطابات والرسائل، الأعمال الفنية والتسجيلات المسموعة والمرئية، المسيرات، وتوزيع المطبوعات والمنشورات…".

ويذكر الكتاب ان الحقل الثاني من الأسلحة هو "أسلحة اللاتعاون" وتهدف إلي تقويض مصادر القوة لدي الخصم؛ بحيث يصعب علي الحكومة أن تستمر في آداء وظائفها، وهذه الأسلحة تعمل علي إضعاف قبضة النظام علي مصادر القوة التي تغذيه من داخل المجتمع وخارجه، وينقسم اللاتعاون إلي لا تعاون إجتماعي يعمل علي مقاطعة أشخاص متورطين في النظام بشكل كبير خاصة من كانت لهم يد طولي في قضايا القمع والتعذيب، ويتضمن أيضا عدم المشاركة في الأنشطة والمناسبات الاجتماعية الرسمية، أو الانسحاب من المؤسسات الرسمية الاجتماعية.

ويشير الى اللاتعاون الاقتصادي ويشمل أشكال المقاطعة المتنوعة سواء من حيث الأفراد كمستهلكين أو من ناحية أصحاب الأعمال والشركات والعقارات والمزارع، فضلا عن أفكار الاضرابات والاحتجاجات مثل الامتناع عن دفع الضرائب، أو الاضراب الكلي أو الجزئي عن العمل.وأخيرا اللاتعاون السياسي ويعمل علي عدم إعطاء الشرعية للسلطة الظالمة؛ بعدم الاعتراف بها داخليا، وبممارسة الضغوط عليها في النطاق الدولي سواء من قبل دول أخري أو حتي هيئات ومؤسسات لها صبغات دولية.

ويوضح الكتاب ان الحقل الثالث يعتمد علي "التدخل المباشر" ويعني العديد من أوجه الممارسات الاحتجاجية المبتكرة وفي نفس الوقت المحتفظة بطابع عدم الهجوم وعدم استخدام العنف، ومن ذلك الاعتصامات، إعاقة الطريق، السيطرة علي مبان حكومية، الإعاقة الدفاعية كالتي حدثت عام 1956 في "هنغازيا" حين سد 700 رجل وامرأة عزل مداخل مصنع "دانوبيا" للنسيج عندما وصلت الشرطة وشاحنتان تابعتان للجيش المجري لاعتقال ثلاثة من أعضاء مجلس عمال المصنع، مما اضطر القوة المسلحة إلي المغادرة دون إتمام مهمتها. ومن هذه الوسائل أيضا فضح وكشف هويات رجال الشرطة والعملاء السريين، وتجميع قوائم بأسمائهم ونشرها عبر الوسائل المختلفة.

ويخلص الكتاب إلي أن تلك الأنواع من الأسلحة جميعها قابل للتطوير والتحديث؛ ورهن الابتكار والتغيير وعدم الاكتفاء بالمتاح؛ بل الهدف هو الخروج عن القوالب والنمطية لإيجاد وسائل أخري أكثر ذكاء ومرونة خاصة مع الصراعات الأكثر تعقيدا والمرشحة لطول الأمد.