وماذا عن الرئيس عكاشة؟

- ‎فيمقالات

 

بقلم: وائل قنديل

 

أصدّق مشاعر النائب البرلماني المخضرم، كمال أحمد، حين ضرب زميله توفيق عكاشة بالحذاء، تحت قبة البرلمان، تعبيراً عن غضب شعبي فطري، يرفض ملوثات التطبيع، ويأبى أن تسقط مصر، حتى في أكثر عصورها انحطاطاً، في شرك العلاقة الحرام مع الكيان الصهيوني.

 

تاريخ النائب الناصري، كمال أحمد، يشهد بذلك، فقد فعلها حين كان شاباً بمواجهة أنور السادات، حين اتخذ قراراً بقفزته المجنونة إلى الكنيست الإسرائيلي.

في الجلسة الافتتاحية لبرلمان "الدولة العكاشية"، قلت "وهكذا تمخّضت مصر فولدت برلماناً عكاشيا، يشبهها تماماً في طورها المبتذل، يجلس فيه النائب العريق العتيق، كمال أحمد، بجوار عكاشة وتانجو وبانجو ومانجو، وهو الذي كان في سبعينيات القرن الماضي، يقف هصوراً، بمواجهة أنور السادات، فيصيح الأخير غضباً من جسارته".

وأردفت "ربما ينظر كمال أحمد إلى يمينه، فيجد مرتضى منصور وولده، وعلى يساره فيرى عبد الرحيم علي، وسمير غطاس، وساعتها قد يتذكّر أنه كان ضمن النواب الـ13 الذين رفضوا معاهدة كامب ديفيد، أيام برلمان السادات الذي جن جنونه، وقرر حل مجلس الشعب، ثم اعتقل بعدها كمال أحمد فى حملة سبتمبر 1981 ضمن رموز القوى الوطنية".

في ما بعد، ومع بضع جلسات، اكتشف كمال أحمد حجم الكارثة، فأعلن استقالته، فراراً من مسخرةٍ قومية، لا تليق بسنه أو تاريخه، غير أنه سرعان ما رجع في استقالته، وواصل عضويته في برلمانٍ، أرادوا له أن يكون غرفةً تابعة لرئيسٍ تريده وتدافع عنه وتحميه وتتحمّس له إسرائيل، أكثر ممّا تتحمس لحكامها.

قيل إن كمال أحمد كاد أن يسقط من شدة انفعاله، بعد "موقعة الحذاء"، وهذا حقيقي، ويعبّر عن أزمة وجودية، تعصف بكل من يريد أن يبقى قابضاً على احترامه ذاته، وسط منظومة سياسية تلتحف بإسرائيل، وتتغذّى على حليبها، غير أن السؤال هنا: ألا يعلم كمال أحمد أن المشكلة ليست في "عكاشة الصغير"، وإنما الكارثة الحقيقية تكمن في "عكاشة الأكبر" الجالس في سدة الحكم، بقوة الأمر الواقع الإسرائيلي؟

ألا يدرك كمال أحمد أن مصر باتت "دولة عكاشية" حتى النخاع؟ وأن في كل مفصل من مفاصلها "عكاشة"، ليصبح وزير العدل فيها هو"عكاشة القضاء"، كما أن إلهام شاهين "عكاشة الفن التجاري"، بالإضافة طبعاً إلى "عكاشة الإعلام" الأصلي، وثلاثتهم كانوا الأوفر جهداً والأكثر نشاطاً في خدمة مشروع الثورة المضادة لوضع "عكاشة عسكري" في سدة الحكم؟

لم تعد "العكاشية" شخصاً أو لقباً، بل جعلها عبد الفتاح السيسي، منذ كان مديراً للمخابرات الحربية ووزيراً للدفاع، مشروعاً للوصول إلى الحكم، يخاطب به الخارج، المتمكّن، ويسيطر من خلاله على الداخل، المنهك، بكل أشكال التخويف والتفزيع والتجويع، حتى دخلت مصر كلها، إلا من استعصت ضمائرهم على الموت، حالةً أطلقت عليها "العكشنة والتعاكش والاستعكاش"، وأذكر أنني رصدت مبكراً جداً تحور هذا الفيروس وتطوره، في ذروة هيمنة المجلس العسكري على الساحة السياسية، عقب انتخاب الرئيس محمد مرسي، وقلت إن هذه الظاهرة في حاجة لوضعها على مائدة الطب النفسي، لنعرف ماذا حدث لقطاع من المصريين يقبلون على تناول جرعات إعلامية مسرطنة، يعلمون فسادها وخطورتها، ويدركون قبل غيرهم أنها مهلكة.. غير أن الأكثر احتياجاً للعلاج النفسي من "المتعكشنين، أي الذين يتعاطون العكشنة"، هم هؤلاء المذيعون والكتّاب المتعاكشون "أي الذين يحاكون ما يصدر عن هذا الكائن وهم في قمة وعيهم". وأخيراً هناك "الاستعكاشيون، أي الذين يتصنّعون الجهل والغفلة لتبرير سقوطهم في هذا المستنقع".

يؤدي عكاشة الصغير دوراً مرسوماً له في رواية، وضع فصولها ويتولّى إخراجها عكاشة أكبر، يفعل كما فعل أنور السادات وحسني مبارك، كلما انكشف وتعرّى، مصرياً وعربياً، اندفع مرتمياً في حضن الكيان الصهيوني، وبالتالي، يقول المنطق إن الغضب يجب أن يوجّه إلى مكانه الصحيح، وأظنها فرصة لن تتكرّر للنائب كمال أحمد، أن ينأى بنفسه عن هذا المستنقع، ويستقيل، إن لم يستطع الجهر بها، في وجه "الرئيس عكاشة"، كما فعلها أول مرة مع الرئيس السادات.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها