أبناء مرسي في العاصفة

- ‎فيمقالات

 

بقلم: وائل قنديل

 

عندما يؤرخ لمآثر الرئيس محمد مرسي، سيكون في مقدمتها أن له من الأبناء والبنات ما يجعله يشعر بالرضا الكامل على أنه أحسن الزرع.. ففرح بالحصاد.

أبناء مرسي يشبهونه، يمتلكون الاعتزاز بالنفس ذاته، ويمتلكون أكبر ثروة يمكن أن يُنعم بها الله على البشر، وهي القناعة والتعفف، والقدرة على استقبال ضربات الأيام الغادرات بثبات ويقين، أظن أنهما يرتبطان بالحالة التي يعيش بها والدهم في محبسه، فتكون هناك تبادلية وجدلية في العلاقة، حيث يصبح ثبات الأبناء مستمدًّا من ثبات الأب، والعكس أيضاً صحيح.

أسامة محمد مرسي الذي اعتقلوه بالأمس، من منزله، يمتلك فصاحة أبيه وملامحه، محام يسكن ريف محافظة الشرقية، هو المتحدّث باسم الأسرة، كان آخر ما صدر عنه برقية فرح بمولوده الأول، محمد أسامة محمد مرسي، وبيان باسم الأسرة عن استمرار تعنت سلطات عبدالفتاح السيسي في منع الزيارة عن الرئيس الأسير، على نحو اتخذ شكلاً من أشكال التنكيل والانتقام.

قبل اعتقاله بساعات، وهي الخطوة التي تعبر عن ارتفاع ملحوظ في هستريا النظام، كان السيسي يعلن أنه مستمر في التصعيد الأمني والعسكري، بمواجهة ما يدعي أنه "الإرهاب"، تلك الكلمة التي صارت مرادفة للمعارضة والاحتجاج بكل أشكالهما في مصر، فرأينا تصفيات جسدية مسعورة لطلاب جامعات نابغين، بعضهم مثبت اختطافه عن طريق الشرطة منذ شهور، وتابعنا تسخيناً في الحرب على المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.

أسامة محمد مرسي وأخوته تربّوا على الصمود، لا يسكتون عن الظلم، ولا يرضخون لجبروت الواقع الكئيب، لكن أبرز ما يميزهم هو التعفف، وفي الذاكرة ما جرى في فبراير 2013 من نشر خبر عن تقدّم ابن الرئيس محمد مرسي للتعيين في شركة الطيران المصرية براتب أربعين ألف جنيه شهرياً.

في ذلك الوقت، اعتبرت أن "واقعة التعيين فى حد ذاتها بها كثير من الفجاجة والإهدار لمبدأ تكافؤ الفرص والابتعاد عن قيمة التعفّف وضرب المثل الأعلى فى التجرّد والنزاهة، خصوصا أن فى مصر نوابغ ومتفوقين ينتحرون شنقاً بحبل البطالة الممتدة لسنوات طويلة بعد التخرج".

وطلبت بيانا رسميا يعلن الحقائق والأكاذيب فى موضوع تعيين ابن الرئيس، وقلت إننا نريد مبادرة من الرئيس شخصياً بإلغاء قرار تعيين ابنه حديث التخريج فى هذا المكان، لأنه بالتأكيد جاء على حساب من يستحق هذه الفرصة أكثر منه. وبالفعل أقدم عمر محمد مرسى على سحب ملف تعيينه في الشركة القابضة للمطارات، ليرفع الحرج عن نفسه، وعن أبيه، وعن مصر كلها، وقلت وقتها إنه "يبقى على الذين مضغوا أكذوبة الأربعين ألف جنيه كراتب محدد له وبصقوها فى وجه الجميع أن يثبتوا لنا صحة ما رددوه وأذاعوه بكل السبل".

ومنذ اختطاف الرئيس مرسي ووضعه في السجن، تعرّضت أسرته لصنوفٍ من التنكيل والإساءة والإهانة، وصلت حد الاستباحة. وعلى الرغم من ذلك، ظلوا مقاومين رافضين الانحناء أمام العاصفة، فليس عندهم ما يكسر الروح ويخفض الرأس، لا اتهامات في قضايا فساد وتربّح من المال العام، ولا استغلال نفوذ، أو قصور رئاسية، أو لعب في سوق البيزنس، أو أمانة سياسات، لا هم ولا والدهم، ولا أي من مسؤولي نظام الرئيس مرسي، علق بثوبهم رذاذ اتهاماتٍ بفساد مالي أو وظيفي.. كل القضايا جرى تصنيعها من خاماتٍ رخيصةٍ وبالية، تتعلق باختراع "الإرهاب" شماعة يعلق عليها نظام الانقلاب جرائمه.

لماذا الآن، يقدم نظام السيسي على هذه الخطوة، ويعتقل أسامة مرسي؟! باختصار شديد، كلما استشعر نظام الاستبداد أنه في مأزقٍ أمام داعميه الإقليميين والدوليين، يلجأ إلى ممارسة البطش بجنون، على سبيل الابتزاز، متخذاً من الشعب رهينةً، يساوم بها وعليها، وأظن أنه، بعد العودة المهينة من زيارة الإمارات، من دون أن يحقق مراده في مقابلة ملك السعودية، ثم تأزم موقفه مع الرياض أكثر، وبما يجعل استعادة دفء الدعم والمساعدات والرضا السياسي موضوعاً مستبعداً، أو مؤجلاً، فإن السيسي قرّر أن يعصف بأحاديث المصالحة، والتهدئة في الداخل، ويشغّل ماكينات الجنون بأقصى طاقتها، مثل طفلٍ يمسك بأعواد الثقاب مهدّداً بإشعال حريق، إنْ لم يحصل على مبتغاه. سلام على محمد مرسي، وأبناء محمد مرسي.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها