قدرها 60 مليار دولار.. لماذا لم تنعكس أموال الخليج على رفاهية الشعب المصري؟

- ‎فيتقارير

في مؤتمر الشباب السادس الذي أقيم نهاية يوليو الماضي بجامعة القاهرة، اعترف الجنرال عبدالفتاح السيسي بأنه لولا المساعدات الخليجية لما نجح مطلقا مسار الثورة المضادة في 30 يونيو؛ وقال السيسي “أقولها لكم علشان أسجلها معكم ومع الشعب المصري وللتاريخ.. اوعوا تفتكروا لو 3/7 جه، والأشقاء لم يقفوا بجوارنا كنا هننجح؟!.. اتحولت الناقلات من عرض البحر.. ادخل على مصر.. ومدفعناش ولا حاجة.. وقعدنا ما ندفعش حاجة 20 شهر، وكل شهر بـ800 مليون دولار”!

وفي الأيام الأولى لانقلاب يوليو 2013، دفع العاهل السعودي الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، 5 مليارات دولار لنظام العسكر، منها مليارا دولار للمنتجات البترولية، ومليارا دولار وديعة، بالإضافة إلى مليار دولار نقداً، وكذلك دفعت الكويت بمليار دولار من المنتجات البترولية.

تسريب “الرز”

الإمارات دفعت للجنرال بسخاء، وأعلن وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، عقب انقلاب 3 يوليو مباشرة عن توجيه الإمارات “أسطولا من السولار والبنزين”، وصفه بأن، “أوله في دبي وآخره في قناة السويس” وقال إنه “من أجل دعم مصر”! واكتشفنا أنه من أجل الصفقات ونظام العسكر لا من أجل الشعب المطحون.

وفي تسريب لقناة مكملين في أوائل عام 2015م، كشف عن منح وقروض خليجية لنظام السيسي تصل لأكثر من 50 مليار دولار، وهو التسريب المشهور بتسريب “الرز”. وتؤكد أرقام غير رسمية أن الدعم الخليجي بلغ أكثر من 60 مليار دولار، مستندة لأرقام معلنة من حكومات السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان، وهي الدول الأربع التي قدمت مساعدات سخية، في حين أعلن البنك المركزي المصري، قبل نحو 8 أشهر، أن حجم المساعدات، التي حصلت عليها مصر خلال الفترة من يناير 2011 وحتى أغسطس2016 بلغ نحو 30 مليار دولار منوعة بين منح لا ترد وودائع.

وفي المقابل، أظهرت بيانات وزارة المالية المصرية أن ما حصلت عليه مصر من مساعدات خليجية بلغ 24 مليار دولار فقط.

أما الفارق بين تقدير البنك المركزي وتقدير وزارة المالية وقدره “6” مليارات دولار فقد كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات في مارس 2016، عن استقطاع وزارة المالية 6 مليارات دولار من المنح وأخفتها في حساب خاص تحت تصرفها بالبنك المركزي، في مخالفة للقواعد المحاسبية السليمة لتسوية الإيرادات بالموازنة العامة للدولة.

منح وقروض مسيسة

بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالتواب بركات، في مقاله المنشور اليوم الأحد 16 سبتمبير 2018، ستظل المنح والقروض التي دخلت مصر بعد انقلاب يوليو 2013، وما تزال تدخل، مثار تساؤلات حول حجمها الحقيقي، ومشروعية القنوات التي دخلت البلاد من خلالها، ومدى خضوعها للأجهزة الرقابية، وكلفتها السياسية والاقتصادية، وستظل محل اتهام باعتبارها ثمنًا لصفقة أبرمت سلفًا للانقلاب على أول تجربة ديمقراطية يصنعها الشعب المصري بنفسه، سيما أنه لا يوجد في العلاقات الدولية مساعدات أجنبية خالية تمامًا من أهداف سياسية ومصالح اقتصادية.

وتأكيدا على الأهداف السياسية من هذه المنح والقروض، يشير بركات إلى موقف المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، التابعة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، وكيف امتنعت عن دعم مصر في عهد الرئيس المنتخب بينما منحت بسخاء لنظام انقلاب 30 يونيو، فهذه المؤسسة وقعت في سبتمبر الجاري اتفاقا مع حكومة نظام العسكر لتمويل شراء منتجات بترولية وسلع تموينية بقيمة ثلاثة مليارات دولار. موضحا أن المؤسسة مولت مصر بنحو 8.5 مليارات دولار منذ تأسيسها في 2008، ليصل إجمالي التمويلات إلى 11.5 مليار دولار وفق تصريحات رئيس المؤسسة، هاني سنبل، لرويترز.

ويشير إلى أن هذه هي المرة الثانية الذي تُقدم فيها المؤسسة تمويلا ضخما لنظام العسكر بعد تقديمها تمويلًا مشابهًا بقيمة 3 مليارات دولار لتمويل استيراد منتجات بترولية خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي عُقد في مارس 2015، ليصل إجمالي التمويلات إلى 6 مليارات دولار خلال 3 سنوات.

وبحسب بركات فإن هذه المؤسسة قدمت للمجلس العسكري 2,5 مليار دولار، وقدمت للسيسي 6 مليارات دولار، لكنها في المقابل، لم تمنح الرئيس محمد مرسي، ذا التوجه الإسلامي، أي اتفاقيات تمويلية جديدة طوال عام حكمه، بالرغم من اجتماع مرسي برئيس المؤسسة في بداية حكمه وطلبه دعمًا لتمويل شراء منتجات بترولية، ولا يخفى على أحد دور المخابرات العامة والدولة العميقة في استخدام أزمة السولار والمنتجات البترولية في تأليب قطاع من الشارع المصري على الرئيس المنتخب. كما لم تنعم المؤسسة التمويلية على دول الربيع العربي بأي تمويل مماثل.

كذلك كان موقف صندوق النقد الدولي مماثلا، وبالرغم من رفض صندوق النقد الدولي تمكين حكومة محمد مرسي من قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار بعد مفاوضات مضنية، وهو الرئيس المدني المنتخب ديمقراطيًا، وقبلها أوقف قرضًا بقيمة 3.2 مليارات دولار كان على وشك الموافقة عليه لحكومة الجنزوري في فترة حكم المجلس العسكري لولا وصول مرسي إلى الحكم، فقد مرر الصندوق قرضًا بقيمة 12 مليار دولار بسهولة لنظام الجنرال السيسي.

للنظام لا للشعب

هذه المنح والقروض المهولة، تقدم للنظام العسكري من أجل اعتبارات سياسية لا علاقة لها مطلقا بالشعب المصري ومصالحه لعدة أدلة:
أولا، بالرغم من ضخامة المنح والقروض فإنها لم تسهم في تخفيف أعباء الشعب المصري بل على العكس تضاعفت أعباؤه وبالرغم من منح الوقود لمدة 20 شهرا بعد الانقلاب فإن السيسي قرر رفع أسعار الوقود في يونيو 2014 بنسبة تصل إلى 70%.

ثانيا المنح البترولية والقروض المالية لم تقدم حبًا وكرامة للشعب المصري ، وإلا لما بخل بها المانحون بعد ثورة يناير وأثناء حكم مرسي، سيما أن المصريين عانوا كثيرًا من شح المنتجات البترولية منذ 2011، ولم تتجاوز المساعدات البترولية التي قدمتها السعودية لمصر خلال السنة التي حكم فيها مرسي قيمة المائتي مليون دولار، وقد طلب مرسي في أول زيارة خارجية له من الملك عبد الله تسهيلات ائتمانية لشراء منتجات بترولية سعودية آجلة الدفع ورُفض الطلب.

ثالثا لو قُدمت المنح البترولية والمساعدات المالية دعمًا خالصًا للشعب المصري لصارح زعماء الخليج شعوبهم بحجمها الحقيقي، وأهدافها النبيلة، وقنواتها المشروعة، ولقدموا مبررات أخلاقية لبخلهم بها على المصريين في الفترة التي أعقبت ثورة يناير وخلال حكم مرسي وعلى غيره من شعوب الربيع العربي.

رابعا لو كانت هذه المنح للشعب المصري لتم ضحها عبر القنوات الشرعية وهي البنك المركزي، لكن ما جرى على العكس فقد أعطيت لبعض رجال النظام والمؤسسة العسكرية. ولو كانت للشعب لأدرجتها الحكومة بشفافية في الباب الثاني من ايرادات الموازنة العامة للدولة، باب المنح والهبات، وهو ما لم يحدث، إذ أثبت الجهاز المركزي للمحاسبات، الجهة الرقابية الرسمية، برئاسة المستشار هشام جنينة، عدم تضمين القيمة المالية لمنح البترول الخليجي وغيرها من المنح الموازنة العامة للدولة، ما يعتبر مخالفا لقواعد الشفافية والقانون.