لماذا ينصب العسكر أنفسهم ملوكا في الشرق الأوسط؟

- ‎فيعربي ودولي

ما إن تنتهِ الشعوب العربية من ثوراتها ضد أنظمة الحكم القمعية والاستبدادية في بلادهم، حتى يخرج لهم قادة الجيوش العربية ويقدمون أنفسهم باعتبارهم جهة إنقاذ للبلاد من الفوضى، وواجهة جديدة للحكم بدلاً من الأنظمة السابقة، وتبسط الجيوش العربية سيطرتها على أنظمة الحكم في بلاد الثورات العربية، خاصة في دول شمال أفريقيا، ولا تعمل على تسليمها إلى حكومات مدنية، وتستغل عامل الوقت من خلال طرح مبادرات سياسية، وأخذ مدة طويلة في الرد عليها.

وبعد ثورات الربيع العربي في كل من مصر، وليبيا، والجزائر، والسودان، طغى العسكر على حكم البلاد وتقلدوا المناصب السيادية، وشكَّلوا حكومات قريبة منهم، تشمل لواءات في الجيش، وقادة عسكريين، وفي هذا السياق الديكتاتوري حذر نائب رئيس المجلس العسكري السوداني من استمرار الاعتصامات المطالبة بالحرية والحكومة المدنية، والتي سماها الفوضى، وتعهد بفرض القانون والأمن وحماية المواطن وممتلكاته، وقال مهددا ومتوعدا الشعب الثائر “إن للصبر حدودا”!

ما يجري في السودان ليس بعيداً عن أمريكا التي تتشدق بالديمقراطيات وقيم حقوق الإنسان، ولا يبدو أنها مستعدة أبداً لقبول أي نموذج ديمقراطي في السودان أو العالم العربي، نموذج يختار من خلاله الشعب ممثليه الحقيقيين بكل حرية، ضمن انتخابات حرة ديمقراطية، فهذا من شأنه أن يوصل الوطنيين إلى سُدّة الحكم ويجعل حظوظهم أوفر في الانتخابات، وهذا في حال حدوثه لن يكون لا بمصلحة السياسة الأمريكية في المنطقة، ولا بمصلحة حليفتها إسرائيل أيضاً، التي تسعى أمريكا للتسويق لها على أنها النموذج الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط، وبالتالي تقوم الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم التجارب الاستبدادية في العالم العربي، ودعمها حتى النهاية.

الإمبراطور حميدتي!

وبلهجة غاضبة، قال الفريق أول محمد حمدان دقلو -الملقب حميدتي- “لا فوضى بعد اليوم، لا فوضى بعد اليوم”، وأضاف: “ملتزمون بالتفاوض ولكن لا فوضى بعد اليوم”، وشدد على أن من واجب المجلس العسكري حماية المواطن وممتلكاته وفرض الأمن والقانون، وأنه لا يمكن أن يقوم المواطن بأخذ حقه بيده وعليه التوجه للشرطة والقضاء.

وشدد على أن القطار يجب أن يسير، وأن الجسور والطرق يجب أن تفتح أمام الناس. ولكن حميدتي تعهد في ذات الوقت بعدم التعرض للاعتصام، وقال “نحن كمجلس عسكري ملتزمون بالتفاوض ونريد أن نصل لاتفاق مرض للشعب السوداني”.

وتحدث دقلو عن “دعوات من بعض المتفلتين لاقتحام القصر الجمهوري ومقر قيادة الجيش، وإغلاق الجسور والشوارع بالعاصمة”، وأضاف “هناك حالات من التفلتات الأمنية وكلها يقوم بها مواطنون‎”، وقال إنه شخصيا يخضع للتفتيش من المواطنين، وإنه لا “يوجد تنازل أكثر من هذا وللصبر حدود”.

وفي المؤتمر الصحفي ذاته، تحدث الفريق ياسر العطا بلغة تصالحية وقال إن المجلس وافق على كل مطالب قوى الحرية والتغيير، كذلك أكد عضو المجلس الفريق أول شمس الدين كباشي على الشراكة والرغبة في حل عادل وسريع، وقال المجلس إن الفريق عبد الفتاح البرهان سيتولى رئاسة المجلس السيادي المشترك مع المدنيين.

وأكد أعضاء المجلس العسكري أنهم جزء من الثورة وليسوا من بقايا نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وفي سياق متصل، أعلن المجلس العسكري الانتقالي قتل ستة من عناصر قوات الأمن في مواجهات مع متظاهرين أمس الإثنين في كافة أنحاء السودان.

لا للعسكر

يقول الكاتب الصحفي طه خليفة :” هل رأيتم مدنياً يذهب إلى ثكنة عسكرية ويُنصِّب نفسه قائداً لها؟!.فلماذا العسكريون يُنصِّبون أنفسهم قادة للمدنيين في الشرق الأوسط والعالم الثالث؟!.قيادتهم الطبيعية هناك في الثكنات فقط؟!.البندقية التي يمسكونها، وتظهر كمصدر للقوة والإخضاع ليست ملكاً لهم، إنما اشتراها الشعب من ماله، وأئتمنهم عليها، وفوضهم في استخدامها دفاعاً عنه وعن التراب الوطني ضد أي عدوان خارجي؟!”.

ويضيف:”ما دون ذلك فهو عمل المدنيين وحدهم.ومن يرغب من العسكريين في العمل المدني فعليه الانخراط في الحياة السياسية بعد التخلي عن حياته العسكرية وترك البندقية لغيره.هكذا فعلت كل بلدان العالم الحر الديمقراطي لهذا استقرت وتطورت وتقدمت.وهكذا يحدث في إسرائيل، تحالف أبيض وأزرق يضم 3 رؤساء أركان سابقين مع قادة مدنيين وخاضوا الانتخابات الأخيرة كساسة ومرشحين مثل المئات غيرهم”.

وتابع خليفة:”لا ترى في الديمقراطيات جنرالاً يتحدث في السياسة أبداً، ولا يهدد الساسة أبداً، ولا يتدخل في السياسة أبداً، ولا يعلق على قرارات الساسة أبداً حتى لو كان هو أعظم الجنرالات الأمريكان مع أكثر الرؤساء الأمريكان هوساً وانفلاتاً مثل ترامب”.

وختم بالقول:”ولن يدخل الشرق الاوسط حزام الديمقراطية ويتمتع باالاستقرار الداخلي ويتقدم للأمام ما لم يُتاح للساسة ممارسة دورهم الطبيعي، ويكون العسكريون في مكانهم الطبيعي”.

حلم المصريين

ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي أطاحت الجماهير في كل من تونس، مصر، ليبيا، اليمن، برأس النظام، في الموجة الأولى من الربيع، ذلك الربيع الذي كانت الثورات المضادّة له بالمرصاد، حين حاربته، وسعت لتشويهه وإجهاضه، وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي واجهت البلد الأول الذي أعلن انتصار ثورته “تونس” بعد الثورة، إلا أننا يمكن أن نقول بأن الثورة التونسية نجحت نجاحاً باهراً بتحقيق الجزء الأهم من أهدافها بالانتقال السياسي وتداول السلطة.

وقد كانت مصر بعد نجاح ثورتها على وشك صناعة النموذج الثاني لتجربة ديمقراطية جديدة في العالم العربي، و إرساء قواعد حكم مدني بعد أكثر من نصف قرن على حكم العسكر، إلا أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح أيضاً، وشهدت مصر انقلاباً عسكرياً بقيادة جنرال إسرائيل السفيه السيسي، على أول تجربة ديمقراطية في مصر، لينهي معها السفيه السيسي حلم المصريين بتغيير حقيقي وديمقراطي يخدم الشعب، ولتعود سطوة المؤسسة العسكرية إلى سابق عهدها، وليتم محاسبة وإعدام المخالفين تحت مختلف التهم الجاهزة.

أما في ليبيا، فلم يسهم سقوط النظام الليبي السريع والمدوي، وتشكيل مجلس الحكم الانتقالي، إلى تطور حقيقي في تجربة حكم ديمقراطية مأمولة، بل بقيت الميليشيات الليبية متصارعة ومتحاربة، تغذيها الأطراف الإقليمية والدولية، وبقيت محاولات العسكر قائمة للانقلاب بقيادة حفتر على الحكومة الشرعية في طرابلس، وإعادة حكم العسكر لليبيا، وهذا بدون شك يعزز من الانقلاب العسكري في مصر، ويخلق جبهة آمنة على الحدود الليبية من أي عدوى أو تجربة ديمقراطية محتملة.

الشيطان الأمريكي

وتعمل واشنطن التي دعمت الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، على تشجيع جميع الحركات التي تساهم في تفكيك وهدم وتدمير المجتمعات العربية، وخاصة في الدول المجاورة لإسرائيل، وما دعم داعش “الغير معلن” إلا سيراً ضمن السياسية الأمريكية التي تسعى لتدمير هذه الدول وشعوبها بشكل كامل.

ولا تخفي حقيقة باتت معروفة للجميع، عن الدعم الأمريكي اللامحدود لنظام الأسد، منذ بدء الثورة السورية وحتى يومنا هذا، فالموقف الأمريكي من استخدام الأسد للسلاح الكيماوي في عشرات المناطق السورية، لم يتجاوز مسألة التنديد فقط، وكذلك عمليات التدمير الممنهج للبنية التحتية وقتل مئات الآلاف، وإحداث تغيير ديموغرافي عميق في بنية المجتمع السوري.

وتشجع واشنطن تهجير العرب السنّة الذين مثلوا الغالبية السكانية وهوية سوريا الفعلية، وهذا على ما يبدو كان هدفاً لإسرائيل بالدرجة الأولى، بالنهاية إسرائيل التي تتبنى نموذج “الدولة الدينية اليهودية”، ستكون أكثر استقراراً ، لو تم تفتيت دولة مثل سوريا، وأقيم بمكانها كيانات على أسس دينية، ومذهبية ، ولغوية، سنية، علوية، درزية، قبطية، سنية، كردية ..إلخ.

البشير أيضاً، لم يكن له أبداً أن يبقى، ويمثل دور المقاوم لأمريكا منذ عشرين عاماً، وهو يعلم بأن أمريكا تستطيع أن تساهم في عزله وإزالته من النظام، فقط بتقديم مباركة للحراك الشعبي ورفع الغطاء عن البشير، لكن الغطاء يبدو بالفعل تم رفعه يوم 11 من إبريل الماضي، تزامناً مع زيارة السفيه السيسي لأمريكا، والتي يبدو أنها ساهمت في تهيئة الأجواء الإيجابية لمسألة الالتفاف على الثورة، من قبل النظام العسكري نفسه، على الطريقة الجزائرية، بتقديم البشير قرباناً لهذه المغامرة، كما تم فعله مع بوتفليقة ومبارك.