بعد “إسرائيل”.. قبرص تبيع الغاز المصري المسروق عبر أنابيب “السيسي”.. ما الثمن؟

- ‎فيتقارير

حقائق أصبحت في طي النسيان ولكن الأمر تحول إلى “أمر واقع”: (الأولى) أن العدو الصهيوني سطا على الغاز الذي يقع فيما يسمي (الأرض الاقتصادية البحرية المصرية) وهي بخلاف الأراضي المصرية السيادية، وبدأ يبيعه لمصر بدعوى أنه من حقوق إسرائيلية مثل “ليفيثيان”، و(الثانية) أن قبرص فعلت الشيء نفسه ونهبت الغاز المصري الذي يمتد من دمياط إلى أراض اقتصادية بحرية مصرية أسمتها قبرص “حقل أفروديت”، ولكن حكومة الانقلاب تغاضت عن ذلك.

من هنا تبرز خطورة الاجتماعٍ الأخير الذي عُقِد في نيقوسيا في 19 سبتمبر الجاري، واتفق فيه وزيرا الطاقة المصري والقبرصي على تشكيل لجنة خلال ثلاثين يومًا لوضع تفاصيل إنشاء خط أنابيب تحت البحر يربط حقل “أفروديت” البحري للغاز الطبيعي بمصنع إسالة مصري.

فما يحدث هو محاولات صهيونية وقبرصية للسعي لإرسال الغاز المصري المسروق من حقولنا الاقتصادية إلى مصر كي تتم اسالته عبر مصانع دمياط ثم إعادة تصديره سائلا عبر مصر إلى أوروبا كأننا متعهد توصيل ولكن نقوم بتوصيل ما سرقوه منا!.

وتسعى قبرص – وكذا إسرائيل- لنقل الغاز الطبيعي إلى مصر لإعادة تصديره إلى أوروبا أو أي مكان في العالَم على شكل غاز طبيعي مُسال.

وبدون هذه الخطوة المصرية الوسيطة سيكون من الصعب على إسرائيل أو قبرص بيع الغاز إلى أوروبا؛ لأن الأمر يحتاج إلى مد أنابيب طويلة تحت البحر مكلفة، تجعل سعر شراء اوروبا للغاز الإسرائيلي أو القبرصي مرتفعا، مقارنة بالغاز الروسي الذي يصلهم بأسعار أرخص.

وهناك تقارير تؤكد أن إسرائيل نهبت حقول غاز مصرية في البحر المتوسط يقدر إنتاجها بـ200 مليار دولار؛ حيث يمتد الحقل “لفياثان” الذي اكتشفته إسرائيل في 2010 و”أفروديت” الذي اكتشفته قبرص في 2011 ، ويمتدان لمياه مصر الإقليمية ويزخران باحتياطيات قيمتها قرابة 200 بليون دولار، على بُعد 190 كيلومترًا شمال دمياط، و235 كيلومترًا من حيفا و180 كيلومترًا من ميناء ليماسول القبرصي.

ورسمت مصر الحدود البحرية مع قبرص عام 2003، ولكنها لم ترسمها من الشرق مع إسرائيل التي لا تعترف أصلا بالحدود البحرية مثلما لا تعترف بحدود لـ”أرض إسرائيل”، وذلك لأن حقل “ليفاثان” يحوى 450 مليار متر مكعب غاز قيمتها 80 مليار دولار!!

حقل “أفروديت”

ويمتد حقل “أفروديت”، في المياه التي يزيد عمقها عن 6000 قدمٍ (حوالي 1828 متر) وعلى مسافة حوالي 100 ميلٍ (حوالي 160 كلم) من الساحل الجنوبي لقبرص، وتم اكتشاف هذا الغاز في عام 2011 من قبل شركة “نوبل إينرجي” الأمريكية، التي وجدت أيضا الحقول البحرية الإسرائيلية، وقال خبراء مصريون إن هذه الحقول البحرية للغاز الصهيوني والقبرصي هي في واقع الأمر تقع في المياه الاقتصادية المصرية، ولكن سلطة الانقلاب تغاضت عن ذلك والآن تسعى لتيسير نقل الغاز المسروق لأوروبا باسم إسرائيل وقبرص رغم أنه غاز مصري.

ويتصور نظام الانقلابي عبد الفتاح السيسي أنه يمكن ربط غاز إسرائيل وقبرص عبر خط أنابيب مع الشبكة التي توفّر الخدمات لحقل “ظهر” البحري الضخم في مصر، الذي تم اكتشافه في عام 2015، بما يجعل مصر مركزا إقليميا للغاز ولكنه غاز غير مصري الملكية.

ولا يكتفي الاحتلال الصهيوني بذلك، إذ تُجري شركة “نوبل إينرجي” الأمريكية أيضا محادثات مع شركات مصرية من أجل نقل فائض الغاز من حقل “لڤياثان” البحري الإسرائيلي بواسطة خط أنابيب عبر شمال سيناء ثم يقوم المصريون بتحويله إلى غاز طبيعي مُسال وبيعه على نطاق دولي.

وورقة مصر الرابحة هنا هي مصنعان ساحليان للغاز الطبيعي المُسال، بُنيا من أجل تصدير الغاز المصري للدولة الصهيونية في عهد مبارك، ولكنهما أصبحا عاطلَيْن عقب نقص الغاز المصري وتفجير جهاديين لخط الغاز الواصل منهما عبر سيناء لإسرائيل والأردن عدة مرات، والان يراد استغلاله بالعكس لتصدير الغاز الصهيوني (المصري الاصل) الي مصر لأن إمكانات إسرائيل في مجال الغاز أقل من إمكانات مصر.

القبارصة الأتراك

ويعرقل الخطط القبرصية لتصدير الغاز الي مصر لإسالته ثم بيعه لأوروبا أيضا التدخل التركي، اذ تقول تركيا أن كافة مواطني الجزيرة القبرصية يجب أن ينتفعوا من العائدات من مبيعات الغاز القبرصي، بمن فيهم المواطنون فيما يسمي “جمهورية شمال قبرص التركية”، التي تأسست بعد التدخل العسكري التركي عام 1974.

وحذر الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، من نشر المزيد من القوات التركية هناك، كما منعت السفن الحربية التركية في فبراير 2018 سفينة حفر متعاقدةً مع إيطاليا عن العمل في المياه الجنوبية الشرقية التي تشكّل جزءاً من المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزيرة.

وإذا تم التغلب على هذه العقبات، فإن الطريق المصري سيمكّن قبرص من التخلي عن خيارات أقل ملائمة، مثل بناء مصنع للغاز الطبيعي المسال الخاص بها بنفقات باهظة، أو تصدير الغاز عبر خط أنابيب إلى تركيا.

عرض صهيوني رفضه مرسي

وكشفت دراسة أعدها سايمون هندرسون مدير برنامج سياسة الخليج والطاقة في (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) الذي تموله منظمة إيباك الصهيونية عن أن تل ابيب تخطط لتصدير الغاز لمصر من خلال عكس مسار خط الغاز الحالي الممتد من العريش إلى عسقلان والذي كان نظام مبارك يصدر منه الغاز المصري لاسرائيل بأقل من سعر استخراجه (1.5 دولار بينما الاستخراج يكلف 2.1 دولار وسعر السوق 8 دولار).

وقالت الدراسة – التي نشرتها صحيفة هأرتس الاسرائيلية بالكامل عبر صفحتين كاملتين –أن تل ابيب كانت تخطط لاستخدام منشأت قدرات إسالة الغاز المصرية الفائضة في إسالة الغاز الاسرائيلي المكتشف الجديد في حقل تمارا وليفيثيان (680 بليون م³ ) بهدف تصديره الي أوروبا وأمريكا .

وأوضحت أن حكومة اسرائيل حاولت إقناع حكومة مصر خلال حكم الرئيس محمد مرسي بهذا العرض ولكنها لم تتمكن من الاستفادة من هذه الطاقة غير المستخدمة لإسالة الغاز المصرية، وتحديداً من مجمّع سيجاس Segas LNGقرب ميناء دمياط المصري على البحر المتوسط الذي تديرها شركة الغاز المصرية الإسبانية سيجاس في دمياط على ساحل البحر المتوسط، على بعد ٦٠ كيلومترًا غرب بور سعيد ، بعدما “عارضت الفكرة حكومة الإخوان المسلمين وبذلت ما في وسعها لعرقلتها” بحسب دراسة هندرسون .

إلا أن حكومة الانقلاب وافقت على المشروع الذي رفضه الرئيس مرسي، حيث أكدت الدراسة أنه “منذ مجيء حكومة موالية للمؤسسة العسكرية، في منتصف العام 2013، عاد الاعتبار لهذا الخيار ففي أغسطس 2013، بعثت شركة “ديليك” الاسرائيلية للحفر” Delek Drilling برسالة إلى بورصة تل أبيب، تُعلِمها فيها بالمباحثات التي تجريها حول مدّ مصر بالغاز، وباقتراحها عكس مسار خط العريش-عسقلان، الذي كان يمد إسرائيل بالغاز المصري حتى العام 2012، وذلك بهدف إيصال الغاز الإسرائيلي إلى منشآت الغاز المسال المصرية. والمفارقة في قضية استيراد الغاز الإسرائيلي لمصر تتمثل في أمرين: (الأول): أن مصر كانت قد اتفقت مع قطر في عهد الرئيس مرسي علي أن تورد الغاز لمعامل الشركات الأجنبية في مصر، بيد أن انقلاب 3 يوليه والعداء للدوحة قلب المعادلة وألغي عقود قطر وبدأ الترتيب للاستيراد من إسرائيل.

أما المفارقة (الثانية): فهي أن الغاز الإسرائيلي المكتشف في البحر المتوسط يعتبر غاز مصري ولبناني مسروق مما يسمي “الحدود الاقتصادية البحرية ” لكلا البلدين حيث تمتد حقول الغاز الإسرائيلية تحت حدود البلدين الاقتصادية ومن ثم من حقهم الانتفاع به، ما يجعل الغاز الإسرائيلي مسروق عمليا من مصر ولبنان.

رهينة لغاز إسرائيل

وسبق أن كشف كل من الكاتب البريطاني “ديفيد هيرست” وتقرير استقصائي لقناة “الجزيرة” الانجليزية أعده “كليتون سويشر” من وحدة قناة الجزيرة الانجليزية للتحقيقات الصحفية في يونيه 2014 عن أن أحد الأسباب المهمة للانقلاب علي الرئيس محمد مرسي هو وقوفه عقبة أمام إبرام اتفاق وصفقة غاز ضخمة مع إسرائيل .

وكتب ديفيد هيرست تحت عنوان (مصر رهينة لإسرائيل) (Israel has Egypt over a barrel) 9 يونيه 2014 يقول أن “أكثر من عامل واحد أدى إلى الانقلاب على مرسي”، عًدد منها: فقد السيطرة على الجيش هذا إن كان له ابتداءً أي سيطرة على الإطلاق وفقد شعبيته، وفشل الإخوان المسلمون في الحفاظ على وحدة معسكر الثورة، ولكنه قال أن صفقات الغاز السرية – التي تسعي لها السلطة الحالية في مصر باستيراد الغاز من إسرائيل ورفضه مرسي لها – كان “عاملاً حاسماً في إسقاطه ووفر بلا شك حافزاً مالياً لتغيير النظام ” .

وأضاف هيرست: “كان الغاز هو عدو مرسي، أثبت مرسي أنه كان عقبة في طريق إبرام صفقة مغرية مع إسرائيل، والتي قد لا يستغرب أحد الآن إذا علم أنها على وشك أن تبرم فالآن أزيلت العقبة من طريق إسرائيل”.

وألمح “ديفيد هيرست” أيضا لتورط المخابرات الأمريكية في الانقلاب في مصر لتحقيق مصلحة إسرائيل، وقال في مقاله في صحيفة “ذي هافينغتون بوست”، أن تورط المخابرات الأمريكية في شؤون إيران مدة طويلة، ومعرفة انقلابها علي مصدق بعد ستين عاما “قد لا يستغرق مثل هذا الوقت” لكي نعرف حجم تدخل الـ”سي آي إيه” في انقلاب مصر وشؤونها.

أما “كليتون سويشر” من وحدة قناة الجزيرة فقد كشف في فيلمه الوثائق (مصر.. الطاقة المسلوبة) الذي بثته القناة يونيه الماضي أن مصر خسرت حوالي 11 مليار دولار – إضافة إلى 20 مليار أخرى على شكل ديون وغرامات قانونية، بسبب بيع الغاز بأسعار زهيدة جداً إلى كل من إسرائيل وإسبانيا والأردن (أي أن مصر خسرت 33 مليار دولار من بيع الغاز لإسرائيل وغيرها بسعر متدن ) .

وقال – وهو نفس ما أشار إليه هيرست– أن “مخطط التلاعب كان بسيطاً جداً ، فشركة غاز شرق المتوسط (التي أسسها حسين سالم صديق الرئيس السابق مبارك) كانت تشتري الغاز من مصر بدولار ونصف لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (رفعت السعر فيما بعد إلى ثلاث دولارات) وكانت تبيعه إلى شركة الكهرباء الإسرائيلية بسعر أربع دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مع أنه في نفس الفترة كانت ألمانيا تدفع في المليون وحدة حرارية ما بين 8 إلى 10 دولارات، وبريطانيا واليابان تدفعان 12 دولاراً” .

واضاف “سويشر”: “حسين سالم، الذي كان ضابط مخابرات مصري في الستينيات اختار شركاء له في الصفقة من داخل جهاز المخابرات الإسرائيلي، وكان شريك حسين سالم في شركة غاز شرق المتوسط هو عميل المخابرات الإسرائيلي السابق يوسي ميمان، وكان مدير الموساد السابق شابتاي شافيت هو أحد مدراء الشركة الكبار وهو الذي أقنع رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت إيرييل شارون بتوقيع الصفقة، وحينها وصفت صحيفة يديعوت آهارنوت حسين سالم بأنه “الرجل رقم واحد” في عملية التطبيع بين البلدين.

وفي مقابلة أجراها فريق الجزيرة مع السفير الأمريكي السابق في مصر إدوارد وولكر، قال فيها أن اتفاق تصدير الغاز من مصر لإسرائيل كان نوعا من تعزيز معاهدة السلام “ولهذا كنا إيجابيين حوله بدون أن نعرف الجزء المتعلق بالفساد”.

ويشرح ديفيد هيرست سر الانقلاب علي مرسي انطلاقا من ملف الغاز والطاقة، قائلا إنه كان أمام مرسي خيار أفضل حينما وصل إلى السلطة لحل مشكلة الطاقة، فقد وافقت قطر على تزويد زبائن شركتي تسييل الغاز (الاسبانية والايطالية) في دمياط، واللتان كانتا تصدران الغاز من مصر، بما بين 18 إلى 24 شحنة من الغاز الطبيعي المسال لأن مصر لم تكن لديها القدرة على تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز”.

ولذا تقرر إقامة مرفق عائم للقيام بذلك (تبنيه قطر) ومقابل ذلك تقوم الشركات التي تدير معملي تسييل الغاز الطبيعي بتوريد 500 متر مكعب إضافية من الغاز المنتج محلياً إلى السوق المصري، ووافقت قطر على تزويد الشحنات الخمس الأولى مجاناً مما يعطي مصر فرصة هي بأمس الحاجة إليها لتستعيد أنفاسها، ومما يسهم أيضاً في تخفيض سعر عبوات الغاز المخصصة للاستخدام المنزلي داخل البلاد.

ولكن بعد الانقلاب العسكري، ادعى المسئولون المصريون أنهم لم يتمكنوا من التوصل مع القطريين إلى سعر، ثم عمد المسئولون الانقلابيون إلى إلغاء عقد إنشاء معمل لتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز (مع قطر) بما يمكن مصر من الاستفادة مما يمكن أن تستورده من غاز طبيعي مسال، وهو قرار سياسي بحت علقت عليه صحيفة “واشنطن بوست” قائلة: “إن القطيعة مع قطر سوف تؤدي إلى صيف حارق وسوف يندم عليها النظام فيما بعد” وهو ما شهدته مصر هذا الصيف بالفعل في صورة انقطاعات في الكهرباء ما بين 4 – 12 ساعة يوميا بحسب كل منطقة.

أما خلاصة كل هذا –كما يقول “هيرست” – فهي : “اقبلوا الغاز القادم من إسرائيل، رغم أن احتياطكم أكبر من احتياطهم مرات عديدة أو تصببوا عرقاً واقبعوا في الظلام، واقبلوا أيضاً بأن دولتكم الآن عالة وتابعة، واقبلوا أنه نتيجة لهذه الصفقات سوف يثقل كاهل مصر بديون الغاز المستحقة للشركات الأجنبية التي تدير معملي تسييل الغاز الطبيعي ، فشركة “أن يونيون فينوزا “تدين مصر بمبلغ 6 مليار دولار، وهو ما يعادل قيمة نصف احتياطيها من العملة الأجنبية مجموعة بريتيش غاز قد تمضي قدماً هي الأخرى وتقاضي مصر كما قالت مجلة الإيكونوميست” .