هل أقنع السيسي جمهور 30 يونيو بخطاب الفقر؟

- ‎فيتقارير

يصرخ كبيرهم “احنا فقرا أوي”، فيقاطعه صراخ أحد أتباعه “أنا لفيت مصر ملقتش واحد فقير”، فيخرج أحد الباحثين الاقتصاديين بكتاب يثبت أن مصر دولة غنية الموارد، فتعتقله ميلشيات جنرال التسول وتصادر الكتاب وتشمع باب المطبعة، ويضطرب المشهد بينما قطيع عريض من الأتباع، جمهور 30 يونيو، يصدق جميع هذه المتناقضات دفعة واحدة.

وألقت شرطة الانقلاب القبض على الدكتور عبد الخالق فاروق، وهو خبير اقتصادي، مؤلف كتاب عن الاقتصاد المصري بتهمة نشر أخبار كاذبة، وصادرت ميلشيات الانقلاب مسودة كتاب من تأليفه بعنوان “هل مصر بلد فقير حقًّا؟” تضمن تفنيدًا لأكاذيب العسكر وإثباتًا قاطعًا أن مصر دولة غنية بالموارد التي ينهب العسكر جزءًا كبيرًا منها، ويفرقون الباقي على الدول التي تدعم الانقلاب.

ويجتهد السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي صاحب مقولة “احنا فقرا أوي”، أن تسود نغمة الفقر ويقتنع بها الناس كما فعل من قبله أبو الانقلاب الفاشي جمال عبد الناصر صاحب مقولة “معنديش”، بينما يطرح مراقبون عدة أسئلة أهمها ألم يدهس السفيه السيسي جماهير الثلاثين من يونيو تحت جنزير الغلاء والفقر والعوز كما دهس رافضي الانقلاب تحت جنزير الدبابات؟

 

ألم يتسع نطاق الفقر في مصر بينما امتلأت جيوب الجنرالات بخمسة عشر زيادة في الرواتب وآلاف المشروعات التي استندت إليهم بالأمر المباشر؟ أين ذهبت عشرات المليارات من الدولارات التي حصل عليها السفيه السيسي من الخليج؟ ولماذا لم ير المواطن المصري منها شيئا؟ ولماذا انخفضت إيرادات قناة السويس؟ ألم يحول السفيه السيسي مصر إلى سجن كبير؟

خطاب الفقر

وفقًا لتقدير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التابع لحكومة الانقلاب، لإحصائيات عام 2015، فإن نحو 28% من الشعب المصري لا يستطيع الوفاء باحتياجاته الأساسية من الغذاء وغير الغذاء، ورغم تلك الإحصائيات الرسمية إلا أن المواطن المصري دائمًا ما يجد نفسه أمام مطالبات مستمرة بالتقشف من جانب عصابة الانقلاب “السفيه والوزراء والبرلمان” وحتى الإعلام.

وفي خطابات كثيرة وبشكل مُعتاد، يُطالب السفيه السيسي، المواطنين بقبول الفقر والصبر عليه وعدم الشكوى تعبيرًا عن حب مصر والتضحية من أجلها، وكانت أبرز تلك التصريحات منذ أيّام عندما قال: “إحنا فقراء أوي. محدش قال لكم إننا فقراء أوي؛ أنا بقول لكم إحنا فقراء”، ومن قبل ضرب السفيه السيسي بنفسه مثلًا على تحمّل الفقر حين قال إن ثلاجته ظلت فارغة إلا من المياه لعشر سنوات “ومحدش سمع صوتي”، على حد تعبيره.

إذًا على المواطن المصري أن يتقشّف رغما عنه، في مقابل عصابة جنرالات يرتع في الثراء، ما بين السيارات والطائرات والقصور الفارهة، وليس ببعيد ما حدث أخيرًا من شراء برلمان الدم لثلاث سيارات بـ18 مليون جنيه مصري في وقت سابق.

 

عصابة مستفزة

للسفيه السيسي العديد من التصريحات المطالبة بالتقشّف والصبر عليه، كان آخرها “احنا فقرا أوي”، وهو التصريح الذي واجه استهجانًا واسعًا من المعارضة المصرية التي طالبت الرئيس بتذكّر حديثه السابق عن “مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا”.

ومن بين تصريحاته المثيرة أيضًا حول الفقر والفقراء والتقشّف والصبر عليه، ما كان خلال مؤتمر الشباب في شرم الشيخ، قال السفيه السيسي: “أنا واحد منكم. والله العظيم قعدت 10 سنين تلاجتي كان فيها مياه بس، ومحدش سمع صوتي”، رغم أنّه من أسرة “غنية جدًا” كما يقول هو، فضلًا عن خدمته في الجيش وصولًا إلى منصب وزير الدفاع، وقبله مدير المخابرات الحربية.

ومن المعروف أن العسكريين في مصر يتقاضون أعلى الرواتب، ومن أكثر الفئات حصولًا على مميزات مالية وتخفيضات في الخدمات العامة مثل المستشفيات والأندية الرياضية وحتى محطات الوقود، وخلال زيارته لمدينة شرم الشيخ عقب حادثة انفجار الطائرة الروسية في نوفمبر 2015، دعا السفيه السيسي المصريين إلى عدم الأكل والشرب؛ “المهم نبقى كده”، على حد تعبيره.

من جهة أُخرى هناك الإعلام المؤيد للانقلاب، والذي يُمثّل استفزازًا هو الآخر للمواطن المصري الفقير، ليس لأجور الإعلاميين لأن معظمهم يعملون في القطاع الخاص، وإنما لاستمرار مطالبتهم الفقراء بالصبر، لدرجة الأمر أحيانًا، كما فعل الإعلامي البارز عمرو أديب، والذي توجه بالأمر للمواطنين بأن يلزموا بيوتهم إذا لم تُعجبهم زيادات الأسعار على البنزين.