“تريده أن يختفي أرسله إلى مصر”.. ترانزيت الظلم

- ‎فيتقارير

سجون مصر ليست مقابر لمعارضي الانقلاب العسكري الأخير فقط، بل أصبحت منذ عهد المخلوع مبارك “ترانزيت” الاستجواب المفضل للاستخبارات الأمريكية، وأرقام النمو الوحيدة في مصر قد تكون أرقام سجونها، بعدما ضاعف السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بناء السجون ومعسكرات التعذيب الخاضعة للجيش أو لجهاز السلخ والقتل المسمى بـ”الأمن الوطني”.

قبل الإطاحة بالمخلوع مبارك طلبت واشنطن من الجنرال رئيس المخابرات “عمر سليمان” إرسال عينة من دم محمد شقيق أيمن الظواهري إلى أمريكا، فعرض عليهم قطع يده وإرسالها لهم، فقالوا “نريد عينه فقط”، ومنذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013 يقبع آلاف المعتقلين في سجون العسكر، في أوضاع تصفها المنظمات الحقوقية بـ”الصعبة للغاية وغير الإنسانية”، وهو ما أدى إلى وفاة المئات منهم نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي.

وتتوالى الشهادات المروعة من المعتقلين أنفسهم ومن أهاليهم، فضلاً عن المنظمات الحقوقية عما يلاقيه هؤلاء في سجونهم من التعذيب، والزج بهم في معتقلات لا تتوفر فيها أدنى شروط الحياة، أو حرمانهم من الدواء والغذاء لأيام طويلة، علمًا بأن آلافًا منهم صدرت بحقهم أحكام، وآخرين لا يزالون قيد الحبس الاحتياطي ولم يقدموا إلى محاكمة.

شركاء الظلم

وبينما تواصل منظمات حقوقية مصرية ودولية توجيه انتقادات للعسكر في مصر، مطالبة إياهم بالإفراج عن المعتقلين أو توفير الحد الأدنى من ظروف الاحتجاز الإنسانية لهم، لا تكاد تتوقف الاعتقالات، وأحكام القضاء لا تزال تنهمر إعدامًا وحبسًا، في وقت يعيش هؤلاء على أمل تنفس نسيم الحرية.

كشفت مجلة تايم الأمريكية أن مصر معقل رئيسي لاستجواب وتعذيب السجناء بالنيابة عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أي)، وقالت إن تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي الذي نشر حول انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تمارسها “سي آي أي” هو في نظر المدافعين عن حقوق الإنسان بمثابة تذكير للمصريين؛ حيث كانت القاهرة وجهة رئيسية للتعذيب بالوكالة.

وذكرت المجلة – في تقرير إخباري – أن التعاون بين واشنطن والقاهرة في مجال التعذيب بالوكالة ليس مجرد تاريخ، فلا يزال السفيه السيسي يمارس التعذيب على نطاق واسع، وبدأ جنرالات العسكر التعاون مع الولايات المتحدة في مجال الاستجواب والتعذيب في عام 1995 حيث استقبلت القاهرة عشرات المعتقلين، تعرض عدد منهم للتعذيب الوحشي.

وأضافت المجلة أن مصر كانت وجهة رئيسية في برنامج الترحيل السري؛ حيث قامت بنقل سجناء إلى دول أخرى للتحقيق معهم، ونقلت مجلة تايم عن المدير التنفيذي للجنة المصرية للحقوق والحريات محمد لطفي القول “إننا نرى اليوم مزيدا من حالات الاختفاء القسري تورطت فيها الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن القومي”.

وتابع لطفي قائلاً: إن الاستقرار الذي تسعى السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى تحقيقه عن طريق مكافحة الإرهاب بهذه الطريقة هو “استقرار زائف”، وبحسب الوثائق، فإن وكالة الاستخبارات المركزية ورطت عدة دول عربية في القيام بعمليات تعذيب بالوكالة من بينها مصر.

التسليم الاستثنائي

ووسط 525 صفحة، أفرجت عنها اللجنة، من التقرير الذي يحتوي على نحو 6 آلاف صفحة، أثبتت اللجنة تورط مصادر خارجية في “تعذيب بالوكالة” عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في مراكز احتجاز سرية، وذكر التقرير أسماء دول عربية عديدة، بعضها كان حليفا لأمريكا في ذلك الوقت، وبعضها كان يجاهره العداء، حيث وجدت أسماء كل من “سوريا”، و”مصر”، و”الأردن”، و”المغرب”، و”ليبيا”.

وأدرج التقرير تلك الدول تحت ما أسماها دولاً تلقت ما يطلق عليه “التسليم الاستثنائي” للسجناء من قبل الولايات المتحدة، ضمن برنامج الاحتجاز والاستجواب، ليتم انتزاع اعترافات منهم في أماكن احتجاز سرية تابعة لتلك الدول، التي تشرف على عملية انتزاع المعلومات القسرية منهم.

ويروي “إبراهيم حلاوة”، طالب ثانوي عمره الآن عشرون عاما، ويحمل الجنسية الأيرلندية، وكان في زيارة عائلية للقاهرة بصحبة أخواته الثلاث أثناء العطلة الصيفية في أغسطس 2013، وساقه مصيره إلى الاعتقال أثناء تصويره مظاهرة ضد الانقلاب.

وفي رسالة مرعبة تم تهريبها من محبسه، يصف حلاوة ألوان العذاب البدني التي يعانيها المعتقلون في سجن وادي النطرون، من التعليق على ألواح خشبية وأطواق حديدية والصلب في ممرات عنابر السجن والتعذيب الجنسي وإجبارهم على مشاهدة زملائهم وهم يعذبون قبل أن يذوقوا من الكأس نفسها.

 

كأن عمري 100 سنة

ويقول حلاوة، في رسالته من محبسه، الذي لا تدخله الشمس ويشاركه فيه أربعون آخرون: “أستيقظ كل صباح على صرخات السجناء وهم يعذبون وصدى القضبان التي تلهب أجسادهم، وكانوا يضربونني بمواسير السباكة البلاستيكية، ويكيلون لي الصفعات واللكمات والركل والسحل، وهناك الصعق الكهربائي والضرب بكعب الرشاشات”.

ويضيف: “كانوا يضربوننا بالمكانس، ويعلقون البعض كالذبيحة على لوح خشبي، ومن أشكال التعذيب الأخرى أنهم يغطون الرجال بالعسل ويربطوهم في الأشجار لتهاجمهم الحشرات، ويعذبون آخرين ويجعلونك تشاهد ذلك، ويدفنون البعض في القمامة ولا يسمح لهم بالحركة، ويضعون أذرع البعض على أحد الأرصفة ونسمع انكسارها وهم يركلونها بأقدامهم”.

مشيرا إلى أن أي محاولة للشكوى من سوء المعاملة نتيجتها قضاء بعض الوقت في زنازين انفرادية خالية من النوافذ ومصبوغة باللون الأسود، وقد يظل البعض فيها ثلاثة أشهر دون أن يرى الضوء، ويقول حلاوة في نهاية رسالته “جسديا أشعر كأن عمري مئة سنة والألم لا يفارقني، ومع أنهم قالوا لي عند اعتقالي نريدك فقط خمس دقائق، ها أنا أقبع هنا منذ ثلاث سنوات”.