تمديد العقوبات السياسية على السودان رغم إنهاء “الاقتصادية” عبث أمريكي

- ‎فيعربي ودولي

أحد عشر عاما على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على السودان، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الجمعة الماضية، بتمديد حالة الطوارئ الوطنية الموصوف بها السودان، والتي فرضتها الإدارة الأمريكية عام 1997، واعتبار البيت الأبيض أن السودان ما زال يشكل تهديدًا غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة رغم رفع الحظر الاقتصادي عن السودان أكتوبر 2017.

وكانت الإدارة الأمريكية رفعت عقوبات اقتصادية وحظرًا تجاريًا كان مفروضًا على السودان منذ عام 1997، لكن واشنطن لم ترفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وترتب على القرار الأمريكي دخول الاقتصاد السوداني في مرحلة انتعاش تدريجي لم يشهدها منذ عام 1997، بعد أن يعود للمنظومة الاقتصادية العالمية.

إلا أنه مع تمديد العقوبات السياسية باعتبار السودان على قائمة الإرهاب، ظلت السودان دولة حبيسة بالقرارات الأمريكية.

وأعرب السودان عن أسفه لتمديد الولايات المتحدة الأمريكية لحالة الطوارئ تجاهه، واعتبرها خطوة لا تتسق وروح التعاون البناء القائم بين البلدين في القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وأكدت وزارة الخارجية السودانية، في بيان السبت الماضي، أن التعاون بين البلدين أقرت به الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وأزالت بمقتضاه العقوبات الاقتصادية والتجارية التي فرضتها على السودان سابقًا، وأبدت الوزارة أسفًا لتمديد حالة الطوارئ المشار إليها في الوقت الذي تتواصل فيه جهود التعاون بين البلدين ويمضي الحوار بينهما إلى مراحل متقدمة.

وشدَّد السودان على أن تبرير هذه الخطوة بأنها جاءت لاعتبارات إجرائية وقانونية خاصة بالإدارة الأمريكية يعد أمرًا غير مقبول، وأشارت الوزارة إلى أنه ليس من العدل ولا من المنطق أن تظل العلاقات الثنائية للبلدين ضحية لتعقيدات قانونية تخص الولايات المتحدة وحدها، مؤكدة أن السودان سيظل ملتزمًا بالنهوض بمسئولياته تجاه السلم الإقليمي والأمن الدولي عملًا بسياساته ومنطلقاته الوطنية.

قصة العقوبات

بدأت العقوبات في 12 أغسطس 1993، عندما أدرجت الولايات المتحدة السودان على لائحة الدول الراعية للإرهاب، عقب استضافة الأخيرة زعيم تنظيم “القاعدة”، أسامة بن لادن، الذي بقي فيها حتى عام 1996.

بعدها تم فرض عقوبات اقتصادية على السودان أنهكت الاقتصاد السوداني وأقحمته في عزلة دولية وأزمات متتالية، وزادت من معدلات الفقر والبطالة في البلاد الغنية بالموارد.

ورغم مغادرة أسامة بن لادن الأراضي السودانية عام 1996، فإن الولايات المتحدة واصلت عقوباتها، وفي العام ذاته، أعلنت عن قطع علاقتها الدبلوماسية مع السودان وأوقفت عمل سفارتها في الخرطوم.

وإن كان ما سبق من إجراءات يصنف في الإطار السياسي وكان بإمكان اقتصاد السودان تحمله نسبيًا بشكل أو بآخر، فقد ضيقت واشنطن الخناق تمامًا على الخرطوم عام 1997، ببدء فرض عقوبات اقتصادية.

وقرر الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، تجميد الأصول المالية للسودان، ومنع تصدير التكنولجيا الأمريكية له، وحظر الاستثمار أو التعاون الاقتصادي مع البلاد.

وإن كان هذا القرار ظاهريًا يقتصر تنفيذه على الشركات والموطنين الأمريكيين؛ فإن معظم حلفاء الولايات المتحدة ومن يملكون مصالح معها وهم كثر، شملوا أنفسهم بالقرار لتدخل الخرطوم في حصار قطع حبل تواصلها بشكل شبه كامل مع المنظومة الاقتصادية العالمية، وشل عمل مصارفها، وقلّص الاستثمارات الأجنبية فيها بشكل مخيف.

لم يتوقف مسلسل العقوبات الأمريكية عند هذا الحد، بل تطور بشكل متسارع ليصل لمرحلة الهجوم المسلح، ففي أغسطس 1998 شنت الولايات المتحدة هجومًا صاروخيًا على مصنع الشفاء للأدوية في السودان، بزعم أن المصنع يقوم بإنتاج المواد الكيميائية التي تدخل في صناعة أسلحة كيميائية.

وشهد العام 2006 تطورًا جديدًا؛ حيث أصدر الكونجرس الأمريكي قانونا يفرض بموجبه عقوبات ضد مسئولين سودانيين بزعم مسؤوليتهم عن “الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية” بإقليم دارفور، غربي السودان، الذي يشهد نزاعاً بين الحكومة السودانية وحركات متمردة، منذ العام 2003، أسفر عن سقوط آلاف القتلى والجرحى.

وفي نفس العام اشتدت العقوبات الاقتصادية على الخرطوم، بعد أن أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، قرارًا بالحجز على أموال 133 شركة وشخصية سودانية، الأمر الذي كبد تلك الشركات خسائر فادحة وزاد من تراجع اقتصاد البلاد.

وبعد نحو 18 عامًا من بدء فرض العقوبات الاقتصادية اتخذت الولايات المتحدة مسارًا عكسريًا بعلاقاتها مع السودان، لتسمح في العام 2015، للشركات الأمريكية بتصدير أجهزة اتصالات شخصية وبرمجيات تتيح الاتصال بالإنترنت.

كما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، في يناير 2017، رفع العقوبات الاقتصادية جزئيا عن الخرطوم، ليتوج ذلك بقرارها الجديد برفع العقوبات كليًا ليتخلص اقتصاد السودان من قيد طالما قيد تقدمه.

وسمح القرار الأمريكي للمصارف الأمريكية والدولية باستئناف التعامل مع نظيرتها السودانية، بما يشمل إجراء التحويلات المالية، إضافة إلى السماح للشركات الأمريكية بالتصدير والاستيراد من السودان، ورفع التجميد عن الأصول المالية السودانية والممتلكات، واستئناف التعاملات التجارية التي تشمل المنتجات النفطية والبتروكيماوية.

إلا أن الرئيس الأأمريكي دونالد ترمب، قرر تمديد العقوبات السياسية على السودان، وتمديد حالة الطوارئ الوطنية الموصوف بها السودان، والتي فرضتها الإدارة الأمريكية عام 1997، واعتبار البيت الأبيض أن السودان ما زال يشكل تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن 50% من السودانيين (15 مليون نسمة) يعيشون تحت خط الفقر، في حين يبلغ معدل البطالة في البلاد 20.6%، وفق تصريحات سابقة لوزير العمل والإصلاح الإداري، أحمد بابكر نهار.

كما أن التقديرات الأممية تشير إلى أن 70% من السودانيين يجدون صعوبة في الحصول على الماء والغذاء والتعليم والخدمات الصحية.

وقدرت خسائر السودان المباشرة من جراء العقوبات الأمريكية بنحو 500 مليار دولار، إضافة إلى خسائر غير مباشرة تبلغ 4 مليارات دولار سنويا.