3 أسباب وراء الرعاية الأمريكية لانقلاب 23 يوليو

- ‎فيأخبار

 كتب: يونس حمزاوي
«كان الوضع الاقتصادي المصري قبل انقلاب يوليو في حالة يُحسد عليها، فقد كان الجنيه المصري أعلى قيمة من "الجنيه الذهب"، وخرجت مصر من الحرب العالمية الثانية وهي دائنة لبريطانيا».

«الاقتصاد المصري كان قد بدأ يخطو خطوات واسعة باتجاه التحديث والتمصير، وظهور طبقة برجوازية مصرية وطنية لعبت دورا قويا ضد الإنجليز وفي ثورة 1919، وأسست أول بنك مصري، وأصدرت العملة الورقية».

«كانت هناك ثورة مصرية تغلي تحت التراب، مما استوجب إجهاضها بثورة مضادة، فكان انقلاب يوليو».

هذا ما أكده الكاتب الصحفي محمد جلال كشك، في كتابه "ثورة يوليو الأمريكية"، مؤكدا الرعاية الأمريكية لانقلاب 23 يوليو؛ من أجل إجهاض ثورة شعبية عارمة كانت تقودها الحركات الإسلامية والطبقات المصرية الوطنية من مختلف الفئات.

 

3 أهدف للرعاية الأمريكية لانقلاب يوليو

ووفقًا لكتاب "ثورة يوليو الأمريكية"، فإن الاتصال الأمريكي بالضباط الأحرار كان من أجل تحقيق ثلاثة أهداف:
1- منع قيام ثورة راديكالية في مصر تقضي على الاستعمارين البريطاني والأمريكي.
2- حماية إسرائيل.
3- تصفية الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في العالم العربي، وإحلال النفوذ الأمريكي وليس الروسي محلهما.

ويعتمد محمد جلال كشك في تحليله للتاريخ الناصري على أبرز مؤرخي هذه الفترة، وهو محمد حسنين هيكل. وأيضا على الكِتاب الشهير "لعبة الأمم" لـرجل المخابرات الأمريكية "مايلز كويلاند" في كتابه الشهير "لعبة الأمم".

حراك شعبي قبل انقلاب 23 يوليو

وبحسب الكتاب، فقد شهدت الفترة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى انقلاب يوليو حراكا مصريا قويا، تمثّل هدفه في الخلاص من الاستعمار والملك، مع المناداة بالجمهورية والديمقراطية.

فقد شهد عام 1946 مظاهرات واسعة للطلاب تنادي بالجلاء التام عن مصر، شهدت قمعا واسعا، وتلاها إضراب عام للطلاب على مستوى الجمهورية، شاركت فيه كافة فئات المجتمع، وسقط في هذه الأحداث 23 قتيلا، وما يزيد عن 400 مصاب.

توالت الإضرابات والمظاهرات التي تحركت فيها كافة فئات المجتمع، من الإخوان إلى الشيوعين، ومن الطلاب إلى العمال والفلاحين، وساندها بعض من كان في الحكومة وقتها، فؤاد سراج الدين. حيث نقرأ في الوثائق البريطانية الاتهام المباشر لفؤاد سراج الدين بالتورط في الأعمال الإرهابية. وأما بريطانيا فقد وضعت الخطة Rodeo لإعادة احتلال القاهرة والإسكندرية، ولمواجهة ثورة حقيقية كانت تتشكل.

كان هذا الحراك رغم ما فيه من تعدد الاتجاهات والأفكار والأيديولوجيات، يحمل خطرا شديدا على الاستعمار الأنجلو-أمريكي، فكان لزاما عليه التخطيط لتحرك استباقي لضرب الثورة.

مخاوف أمريكية بريطانية

وقد وضع السفير الأمريكي تقديرا للموقف في مصر، حذر فيه من غضب الشباب والفلاحين، وانتشار الأسلحة الفردية في مصر، واحتمال قيام تحالف بين الإخوان والوفد، وقال أيضا "إن الجيش والشرطة يمكنهم السيطرة على القاهرة، لكن الاضطرابات في الأقاليم سوف تكون خارج قدرتهم وإمكانياتهم، وهناك شكوك حول إذا ما كان صغار الضباط سينفذون الأوامر إذا تضمنت استخدام العنف".

أما الإنجليز فقد كانوا على وعي بانتهاء دورهم في المنطقة، وكانوا على استعداد للتسليم والجلاء عن مصر؛ ولكن في ظل شرطين مهمين: الأول ألا تنتقل مصر إلى الهيمنة الأمريكية أو السوفيتية، والثاني هو فصل مصر عن السودان، والذي كان عماد المشاريع الإنجليزية في إفريقيا.

لماذا الغضب على الملك؟

كانت هناك محاولات من الملك لإدخال الأمريكان في الصراع مع الإنجليز، ولكن فشل ذلك لسببين: أولهما رفض الملك أخذ خطوات صلح مع إسرائيل، والثاني تمسكه بلقب ملك مصر والسودان وعدم استعداده لفصل القطرين.

وكأي نظام ديمقراطي يصعب فيه المساومة أو اللعب القذر، كان من الضروري استبداله بنظام عسكري يستطيعون التفاوض معه، فكان أن تم لهم ما أرادوا، وجاءت مصر بعد انقلاب 23 يوليو فألغت وحدة وادي النيل، وقتلت البرجوازية المصرية ورأس المال الوطني، وقمعت الحريات والرأي، فلم يبق إلا رأي الدولة ورأي هيكل.

علاقة مبكرة بين عبدالناصر والأمريكان

ويدلل الكتاب على الرعاية الأمريكية لانقلاب 23 يوليو، بالعلاقة المبكرة جدا بين الديكتاتور عبدالناصر والمخابرات الأمريكية.

فينقل الكِتاب عن "جون رافيلانج"، في كتابه «ارتفاع وسقوط المخابرات المركزية»، أن «وكالة المخابرات الأمريكية ساعدت جمال عبدالناصر في الوصول إلى السلطة، وقد نَصَر كيرميت روزفلت قادة الانقلاب ومولهم ضد السياسة البريطانية»؛ وذلك لرغبة أمريكا في أن تكون بديلا للإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس.

كما يستدل بما ذكره حسين حمودة (من الضباط الأحرار) في كتابه «صفحات من تاريخ مصر» بأن العلاقة بين عبدالناصر والأمريكان كان مبكرة على انقلاب 23 يوليو، وذلك للتدليل على الرعاية الأمريكية لانقلاب يوليو؛ ضربا لأي ثورة شعبية تشارك فيها الحركات الإسلامية، وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين والحركات اليسارية التي كانت نشطة خلال هذه الفترة.

يقول حسين حمودة في كتابه: «وبعد أن يئس الأمريكان من الملك فاروق، حاولوا الاتصال بالجيش عن طريق الملحق العسكري الأمريكي.. وقد حضرت عدة اجتماعات في منزل الملحق العسكري الأمريكي بالزمالك مع جمال عبدالناصر، وكان الكلام يدور في مسائل خاصة بالتسليح والتدريب والموقف الدولي والخطر الشيوعي.. وأن الولايات المتحدة سوف تساند أي نهضة تقوم في مصر.. وهذه الاتصالات بالسفارة الأمريكية كانت في الفترة من 1950-1952».

إذن بحسب صاحب كتاب "ثورة يوليو الأمريكية"، لم تكن علاقة عبدالناصر بالمخابرات الأمريكية مجرد محاولة لمنع تدخل الإنجليز ضد انقلابه على الملك؛ ولكن المخابرات الأمريكية كانت ضالعة منذ البداية في ترتيب تحركات عبدالناصر وجماعته. ويمكننا أن نقول إن أمريكا خططت لوقف تمدد الشيوعية، وسحب البساط من الإنجليز بدون تدخل عسكري، كما أفرغت المجتمع المصري من نذر الثورة والجماعات الإسلامية.. كل ذلك في ضربة واحدة.. نجاح ساحق!.

وبحسب كشك، فالحقيقة أنه بالنسبة للباحث الأجنبي، فإن العلاقة بين عبدالناصر وأمريكا مثبتة ثبوتا قطعيا، ولكن ما يهمنا هو تبيان عمق العلاقة وسبقها على 23 يوليو بمدة طويلة، وضلوع الأمريكان منذ البداية في الترتيب لما حدث.