تلميذ “نحناح” رئيسًا للبرلمان.. الإسلاميون فى موقع الرجل الثالث بالدولة الجزائرية

- ‎فيعربي ودولي

قرر النواب الجزائريون، مساء أمس الأربعاء، وضع النائب عن المعارضة “سليمان شنين” رئيسًا للمجلس الشعبي الوطني الجزائري، خلفا للنائب عن جبهة التحرير الوطني معاذ بوشارب الذي اضطر للاستقالة مؤخرا تحت ضغط الحراك الشعبي، وشكّلت استقالة الأخير فرحًا لعموم الجزائريين الذين طالبوه بالتنحي، ومنهم رئيس الدولة المؤقت “عبد القادر بن صالح”.

ورغم أن “سليمان شنين” تلميذ القائد التاريخي لإخوان الجزائر محفوظ نحناح، انتخب تزكية من الأغلبية، إلا أن اللافت كانت مقاطعة إخوانه في حركة (حمس) ومعارضتهم لانتخابه، متخندقين بذلك مع نواب الأرسيدي (أمازيغ يساري ) والأفافاس (علماني اشتراكي) في مشهد متناقض.

ورغم ضيق مدة ظهور اسم شنين كمترشح وجلسة انتخابه كانت قصيرة لفترة يوم أو بضعة ساعات فقط، إلا أن حمس شنت حملة ضارية لتشويه الرجل والعمل على تخوينه، وهو الذي ناضل وما زال يناضل على مبادئ الشيخ محفوظ نحناح، وكان من بين أول النازلين للحراك من أول يوم.

بيان حمس

أصدر أحمد صادوق، رئيس المجموعة البرلمانية لحركة مجتمع السلم (حمس)، بيانًا اليوم قال فيه: إن مقاطعة المجموعة البرلمانية للحركة وانتخاب رئيس المجلس الشعبي الوطني الجديد ينسجم مع قرار وتوصيات مجلس الشورى الوطني الأخير الذي ألزم مؤسسات الحركة وهياكلها بالتناغم مع مطالب الحراك الشعبي.

واعتبرت الحركة، التي تراصت مع التيار المحسوب على الفرنسيين في مقاطعة الانتخاب، أن الطريقة المتبعة لانتخاب الرئيس الجديد هي ذاتها التي تم بها سحب الثقة من “بوحجة” وانتخاب بوشارب، ثم سحب الثقة من هذا الأخير بذات الأشخاص من خلال ممارسات الإيعاز الفوقي (توجيهات عليا) الذي جاء الحراك الشعبي لإنهائه، فلا يوجد أي مبرر لتغيير المجموعة البرلمانية للحركة موقفها.

واعتبرت حمس أن سليمان شنين، الرئيس الجديد للمجلس الشعبي، هو رئيس أمر واقع مثل من سبقه، (معاذ بوشارب) ولا تمثل تزكيته حالة ديمقراطية إذ هو نتاج هِبة منحتها بقرار فوقي أغلبية برلمانية مزورة ومرفوضة من الشعب الجزائري.

كما رأت أن الانتخابات التي أوصلت شنين عملية تزيينية فاشلة للالتفاف على مطالب الحراك الشعبي والضغط على القوى الوطنية الصادقة في كفاحها من أجل الديمقراطية والحريات.

وقالت إن استمرار “كفاحها ونضالها بما منحها الشعب الجزائري من أصوات حقيقية غير مزورة من أجل الحريات والديمقراطية المبنية على الانتخابات الحرة والنزيهة التي تفرز خارطة سياسية حقيقية متناسبة مع الإرادة الشعبية كطريق وحيد لبناء برلمان ومؤسسات ذات مصداقية قادرة على الرقابة الفعلية على الحكام والمال العام”.

وحذرت من أن ما ينتظر الجزائر من مصاعب اقتصادية واجتماعية لا يسمح باستمرار الممارسات السياسية الخاطئة السابقة التي صنعت فقاعة الفساد وافلست البلاد ورسخت الرداءة والولاء للمتغلب على حساب مصلحة البلاد وستبين التطورات المستقبلية القريبة.

الشقاق داخلي

ورغم توقع البعض حدوث صدع في صفوف ثوار الجزائر بعد وصول الإسلاميين إلى موقع الرجل الثالث في الدولة الجزائرية، إلا أن الشق الداخلي بين الإسلاميين يمكن أن يكون أكبر، غير أن آخرين رأوا أن الهجوم من “حمس” على “البناء الوطني” ليس جديدا، لا سيما في عهد عبد الرزاق مقري وأنها فقد فعلت ذلك مع عمار غول (المطلوب للعدالة) من قبل في حملة شرسة وصفته خلالها بأبشع الأوصاف وهي التي كانت تصفه بأردوغان الجزائر.

ويتوقع أن يرد حزب البناء الوطني المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين من خلال رئيسها بن قرينة وزير السياحة السابق في عهد بوتفليقة السبت المقبل ببيان على بيان كتلة “حمس” البرلمانية.

اللافت أن لعبد الرزاق مقري، رئيس حركة “حمس”، تصريحات لا تخاصم الجيش وتدعوه للتدخل لرعاية الانتقال الديمقراطي، فهو من قال “الجيش الوطني سليل جيش التحرير لا بد أن يرافق الانتقال الديمقراطي”. وهو من هاجم عملاء فرنسا ومنهم الأحزاب التي قاطعت جلسة الانتخابات الأخيرة، وثمن “موقف الجيش في محاربة العصابة”.

وفي أغسطس 2018، قبل انبعاث رفض العهدة الخامسة لبوتفليقة دعت (حمس) الجيش للتدخل، وكانت البداية، مع تصريح رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية، أحد الأحزاب المنبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين، في الندوة التي عقدها بالمقر الوطني؛ للحديث عن المستجدات في الساحة الوطنية، والذي قال فيه أن المؤسسة العسكرية هي الضامن لانتقال ديمقراطي سلس وآمن، داعياً الجيش إلى مرافقة من أسماهم بـ”الخيريين في هذه البلاد والذين يبحثون عن مصلحتها لتحقيق هذا الانتقال”، مؤكدا أن دور المؤسسة العسكرية في التوافق الوطني هو المساهمة في ضمان حماية التوافق إذا حصل بين الجزائريين.

وكان مقري قد رشح نفسه بين آخرين كمنافسين لعبدالعزيز بوتفليقة إلا أنه سحب ترشحه وقال حينها إنه يتفهم من الجانب الإقليمي والدولي مخاوف الجيش المشروعة من ترشح الإسلاميين لسدة الحكم في الجزائر.

ثمرة تفاوض

واعتبر الباحث رضوان جاب الله، أن فوز سليمان شنين أحد رموز حزب البناء برئاسة البرلمان هو ثمرة تفاوض سياسي واجتماعي لفتح مسارات حلول سياسية للوضع في الجزائر.

وانسحبت كتلة حركة مجتمع السلم، المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، من الجلسة مبكرا لفسح المجال، وفي المقابل امتنعت أحزاب السلطة بما فيها جبهة التحرير الوطني من تقديم أي مرشح، وهنا تقدم ممثلو تيار النهضة بزعامة عبدالله جاب الله  وله حزبان منبثقان عن الحركة (يشبهان حزب الوسط عندنا في مصر)، تقدموا بالمرشح سليمان شنن وتحقق له الفوز بتصويت مريح.

ويتوقع أن هذا التغيير لن يزيل العقبات أمام الشعب إن لم يتبعه خطوات تغيير أكثر عمقا وبراهين عملية وإيجاد ثقة كبيرة بين كل تيارات المجتمع الواحد والبلد الكبير وبين مؤسساته الوطنية مثل إخراج جميع معتقلي الرأي، وفتح تحقيق جدي في مذابح عشرية التسعينات السوداء وتمكين الشعب تمكينا حقيقيا، والبدء في اقتلاع جذور الفساد في الداخل والتبعية في الخارج.

ودعاهم إلى أن يتعلموا الدرس من مصر “فقد فاز الدكتور سعد الكتاتني برئاسة البرلمان وبعد مرحلة احتواء تدريجي للثورة حمل له الجنزوري التهديد المباشر ثم صار ما صار على من ثار أو لم يثر”.

وأوضح الجزائري إدريس حمروش أن “حزب النهضة وحزب العدالة والتنمية حزبان تربيا على فكر الإخوان المسلمين لكن حمس فلها ارتباط بالتنظيم العالمي وحركة البناء التي منها رئيس البرلمان المنتخب فهي إحدى شعب حماس.. ومن هنا يعد رئيس البرلمان من التيار الإسلامي”.

وقال الباحث خيري عمر: إن سليمان شنين تلقى منحة تسيير البرلمان الجزائري، رغم أن حزبه “البناء الوطني”، الإخوان، ممثل بخمسة نواب ضمن تحالف البناء والنهضة 15 عضوا من أجمالي 500 عضو تقريبا. وبالتالي سيكون دوره مجرد تنفيذ أوامر الأغلبية ومطالبها.

تصريحات الحركة

وقال عبد القادر بن قرينة، رئيس الحركة، فور فوز شنين في بيان: إن المجلس الشعبي الوطني انتخب بالتزكية العامة سليمان شنين، أحد الشخصيات الوطنية التي انخرطت بأول خروج للجزائريين منذ جمعة 22 فبراير، وهو لا يزال مدافعا عن خيارات الشعب ملتحما مع الحراك، متواجدا في كل الساحات الوطنية بمواقفه الناصعة للدفاع عن الحرية والديمقراطية واستمرارية الدولة بأداء وظائفها النبيلة.

وشكر “بن قرينة” من رشحوه ومن اختاروه، مشددين على أن هذا الاستحقاق هو ثمرة لنضال وصدق مع ذواتنا ومع قيمنا ومع وطننا ومع مطالب شعبنا.

وأكد جملة من الالتزامات، أولها التخندق مع الشعب والدفاع عن مطالب الحراك الشعبي الواقعية والموضوعية، والالتزام بالحلول الدستورية التي تستجيب لتلك التطلعات الشعبية، وتثمين موقف مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني في مرافقته للحراك الشعبي.

أوصله الحراك

غير أن الصحفي محمد مسلم، مسئول الملف السياسي بجريدة الشروق الجزائرية، فاعتبر أن وصول سليمان شنين أكبر مفاجآت جزائر ما بعد “الحراك”، وهو المنتمي لتحالف النهضة والعدالة والبناء.

وقال “مسلم”، في مقال بصحيفة الشروق: إن مراقبين يرون أن الفضل في وصول شنين إلى رئاسة المجلس الشعبي الوطني، يعود إلى الحراك الشعبي، الذي استطاع أن يفرض منطقه ويغير بعض ممارسات السلطة السابقة، التي دأبت على السيطرة على كل المناصب القيادية في الدولة بالقوة العددية، التي لم تكن يوما معيارا لقوة الموالاة، في ظل سيادة منطق “المحاصصة”، وفق تصريحات قادة المعارضة.

وأضاف أنه “عرف عن شنين انتقاده لنظام الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة في “البلاتوهات”، وكانت مواقفه متناغمة كغيره من السياسيين المحسوبين على المعارضة مع “الحراك الشعبي”، وهو ما أهله ليتوافق مع توجهات السلطة التي فكرت كثيرا قبل أن تدفع بوشارب للخروج من النافذة، فمواصفات الشخصية التي تتقلد رئاسة بحجم رئاسة المجلس الشعبي الوطني في جزائر ما بعد 22 فبراير، يجب أن تكون على الأقل غير منتمية لأحزاب السلطة لإبراز التوجه نحو التغيير، وربما كان هذا هو السبب الذي يقف خلف الإيعاز لنواب الحزب العتيد لدعم شنين بعد انسحاب جمعي من المنافسة عقب ترشيحه من طرف كتلة الأفلان.