ورقة بحثية ترصد “4” مواقف صادمة لرئيسه.. مخاوف على مستقبل اتحاد علماء المسلمين

- ‎فيتقارير

"حفظ الله الاتحاد ولا أضاع الجهد الذى بُذل فيه".. كانت تلك هي الكلمات البسيطة التي رددها علي الشويحي، وهو يبدي قلقه من مواقف رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د.أحمد الريسوني، أو هي بالأحرى تأويلاته وتصريحاته التي عدتها ورقة بعنوان "تصريحات الدكتور الريسوني.. الرأي العام ينجح في اختبار الوعي"، نشرها موقع "الشارع السياسي".

وقالت الورقة، إن "ما يصدر عن الاتحاد وعلمائه الأجلاء يجد صداه لدى جماهير المسلمين في كل أنحاء العالم بالقبول والثقة اللائقين، لكن رئيس الاتحاد الدكتور الريسوني صدرت عنه ثلاثة مواقف أثارت جدلا بسبب طريقة تعبيره عن أفكاره، وعدم التريث فيما يمكن أن تفضي إليه التأويلات والتفسيرات اللاحقة لتصريحاته. فضلا عن الاحتياط والحذر من استغلال خصوم الإسلام لما يصدر عنه كفقيه كبير يترأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين". غير أن مقالًا أخيرا في مارس الماضي زاد جدل المواقف إلى أربعة مواقف وهي "الخلافة" وأهمية "الدولة الإسلامية".

الانقلاب في مصر

ومن أول الجدالات موقفه من الانقلاب العسكري في مصر، فعندما وقع الانقلاب العسكري في مصر، في 3 يوليو 2013، كانت ردود الأفعال وقتها تستنكر وتدين، وجاءت فتاوى العلماء المسلمين غير الخاضعين لأنظمة الاستبداد لتندد بالجريمة، وترى ضرورة عودة الأمور إلى نصابها في مصر؛ غير أن الدكتور الريسوني في عام 2016، وكان وقتها نائبا لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فاجأ الرأي العام بإعلانه الارتياح للانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي؛ حيث أدلى الريسوني بحديث لصحيفة "الأيام الأسبوعية" المغربية، قال فيه: "لقد كنت مرتاحا جدا لإزاحة مرسي من الرئاسة وفرحت لذلك، لأنها كانت رئاسة في غير محلها".

وقالت الورقة إنه بعد صدمة الجماهير المؤيدة للشرعية ومراجعته من العديد، منهم الدكتور عزام التميمي الذي قال إنه "محزن ومؤسف أن يرتاح مثل الريسوني لانتصار الثورة المضادة في الحفاظ على عروش الظلمة والطغاة، وفي تأمين الكيان الصهيوني من خطر ثورات الشعوب التي كانت تتطلع بلهفٍ إلى تحرير الأقصى الأسير بعد أن تتحرر من استعباد المستبدين الفاسدين الذين حرسوا الحدود مع فلسطين المحتلة حماية للغاصبين عقودا طويلة". والدكتور محمد الجوادي، الذي رد على الدكتور الريسوني، موضحًا مكامن الخطورة في التصريح سبب المشكلة، والذي ما كان لمثله كعالم جليل وفقيه كبير أن يمسها.

حتى نشرت (عربي 21)، في 28 نوفمبر 2016، حديثا للمراجعة أدلى به الدكتور الريسوني، كشف فيه عن الأسباب التي جعلته يصرح بـ"ارتياحه" لإزاحة الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي من الرئاسة، موضحا أن موقفه كان حول الإزاحة وليس تبرير الانقلاب، فعاد ليقول: "حين الحديث عن الارتياح كان لعدة أيام قبل أن تتخذ الأمور اتجاها آخر، هو ارتياح قدري لإزاحة مرسي، ولو أن الطريقة من الناحية التشريعية جريمة بلا شك وبلا تردد".

ملاحظتان

وفي 2 ديسمبر من 2016، كتب د. إسماعيل علي، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، "ملاحظات على حوار الدكتور الريسوني"، سجل على حوار مراجعته ملاحظتين: "أما الملاحظة الشكلية فيبدو أنها عبارة غير موفّقة في صياغتها، وتفتقر إلى الذوق واللياقة والتأدب الذي يجدر بطلاب العلم، فضلا عن العلماء، بل هي- كما يُقال في مصر- "جليطة". كما أنّ مفرداتِها لا تناسب السياق بحال (مرتاحا ـ جدا ـ لإزاحة ـ مرسي ـ رئاسة في غير محلها).. يا أخي هوِّن عليك! هل أعجزتْك القريحةُ عن أنْ تقول مثلا: "لم أَحزن للانقلاب على الرئيس مرسي، فلعله كان خيرا، من باب: لا تحسبوه شرا لكم"؟ لكن يبدو- كما يقول المصريون-الملافِظ سعد".

وأما الملاحظة الموضوعية والكلام للدكتور "إسماعيل": فإنّ إزاحة الرئيس "مرسي" ليست شيئا يدعو مثلَك أو أيَّ مسلم واعٍ مخلص لأن يفرح لها.

وأنت تعلم أنّ المسلمَ يجب عليه شرعا أنْ يُحبّ لأخيه ما يُحب لنفسه، ويكرهَ له ما يكرهه لها. والثاني: تتكلم بتلك العبارة غير اللائقة، وكأنك تتكلم عن إزاحة "بن علي"، أو "القذافي"، أو "مبارك".

وأما قولك: "لأنها كانت رئاسة في غير محلها" فهذا خطأ بيِّن، وتدليس ظاهر!! ألم تعلم بأنّ الرئيس "مرسي" حاكمٌ مسلمٌ انعقدَتْ له البيعةُ الشرعية، واعترفَت به الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية رئيسا لمصر.

ألم تعلم بأنّه حاكم مُقسِط لم يفعل ما يستوجب عزلَه شرعا؟؟ هل الرئيس "مرسي" تسلط على رقاب الناس وأبشارِهم، واستولى على السلطة بغير وجه حق؟.

فنون وفتوى

واهتم الباحث حازم عبد الرحمن ضمن مواقف الريسوني بالفنون والفتوى في تركيا، لافتا إلى أنه في إحدى المناسبات الفنية في تركيا أشاد الدكتور الريسوني بتقدم الفنون، وأعقب إشادته بالثناء على عدم وجود وظيفة "المفتي" ـ حسب تغطية قناة "مكملين"ـ خوفا على الفنون من الفتاوى، أي حتى لا يحظرها المفتي.

وعلقت الورقة "لقطة فيها شبهة تستدعي هجوم بعض الفنانين والنقاد على العلماء الذين يرفضون الانحطاط بالفنون وابتذالها، وهذه فرصتهم إذ قالها فقيه مسلم له وزن معتبر، وما كان أغناه عن ذلك، لو تريث قليلا وأفاد الحضور بنبذة عن موقف الإسلام من الفنون الجميلة، وتاريخ الأعمال الفنية الرائدة في المسرح وغيره الذي شهدته مصر إلى فترة ما قبل الحكم العسكري في خمسينيات القرن العشرين".

التطبيع وزيارة القدس

الجدل الثالث كان في دعوة الدكتور الريسوني، العالم المغربي، المسلمين في كافة أنحاء العالم لزيارة القدس ودعم المقدسيين والمرابطين ماديا ومعنويا، مشددا على أنه "ليس كل من زار القدس مطبّعا أو داعيا للتطبيع"، وموضحا أن "الغرض والمقصد من الزيارة كفيل بمعرفة الموقف الشرعي والسياسي منها"، وأضاف: "أما من تستدعيه المخابرات وقنوات الاحتلال، فحتما نرفضه ونحاربه ونعتبرها خيانة وطعنة من الخلف".

وأكد الريسوني دعمه لموقف الفلسطينيين في الداخل (الأراضي المحتلة عام 48) للانتخابات التي من المقرر إجراؤها"، مؤكدا: "لا أفضّل شخصيا سياسة المقعد الفارغ، ويمكن استعمال المشاركة في الانتخابات كورقة للضغط على الاحتلال".

وأشارت الورقة إلى رفض ما دعا إليه الريسوني، الذي قال إنه يعبر عن رأيه الشخصي فقط؛ ذلك لأنه خالف إجماع المجامع الفقهية، والمؤسسات الإسلامية بما فيها الاتحاد الذي يترأسه، وما استقرت عليه الأمة من عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني وهو ما يتطلب مقاطعته وعدم زيارة الأراضي المحتلة بتأشيرته، وتقديم كل أشكال الدعم الممكنة لدعم الشعب الفلسطيني في صموده وتحرير أرضه.

وأوضحت الورقة أن الدكتور الريسوني تجاهل مخاطر الدعوة إلى المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني؛ وهي التي تسببت من قبل في انشقاق الحركة الإسلامية بالأراضي المحتلة عام 1948، وهل يعتبر فضيلته الصهاينة أهلا للعدل والإنصاف ليشارك الفلسطينيون في انتخابات العدو ويعطوه اعترافا بشرعية الاحتلال؟ إن هذا يفتح باب الخلاف مجددا، بينما قضية مواجهة الاحتلال أهم وأولى.

قفزة غير مبشرة

وتحت عنوان "مستقبل الإسلام بين الشعوب والحكام" كتب الدكتور أحمد الريسوني مقالا، في 13 مارس، نشرته رابطة علماء أهل السنة، يقول "لا نجد في شـرع الله تعالـى نصا صريحا آمرا وملزما بإقامة الدولة، كما لا نجد في شأنها نصوصا في الترغيب والترهيب على غرار ما نجد في سائر الواجبات. وإنما تقرر وجوب إقامة الدولة، ووجوب نصب الخليفة، من باب الاجتهاد والاستنباط، ومن باب النظر المصلحي والتخريج القياسي، وامتداداً للأمر الواقع الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلّم".

وأضاف أنه "في جميع هذه الحالات، فإن وجوب الدولة والخلافة إنما هو من باب الوسائل لا من باب المقاصد. فهي (أي الدولة) من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به فهو اجب. بمعنى أن هذا الواجب ليس من نوع "الواجب لذاته" وإنما هو من نوع "الواجب لغيره". ومعلوم أن الواجب لغيره أخفض رتبة وأقل أهمية من الواجب لذاته".

ورغم أن الورقة خلصت إلى أن "هذه التصريحات لا تطعن في علم الشيخ أو مكانته؛ فالخلافات الفقهية معروفة، وهناك الكثير من الآراء المرجوحة لكنها لم تجد الذيوع والانتشار، أما في القرن الحادي والعشرين فإن مثل هذه الآراء قد تجد الكثير من النوافذ لنشرها بما يثير الغبار حول قضايا تحتاج فيها الأمة إلى وحدة الصف والهدف؛ حتى لا تتبدد جهود المخلصين في إنقاذها".

غير أن الدكتور د. أحمد محمد زايد كتب يقول: "اتحاد علماء المسلمين من القرضاوي إلى الريسوني قفزة غير مبشرة"، وقال: كتب العلامة القرضاوي حفظه الله كتابه "من فقه الدولة في الإسلام"، وحشد ما استطاع من أدلة نقلية وعقلية وتاريخية وواقعية في وجوب إقامة دولة إسلامية تحمي الأمة وتحافظ على وجودها وتقيم الإسلام، وتقبل الإسلاميون كتابه قبولا حسنا، ثم جاء الدكتور الريسوني الرئيس الجديد ليكتب مقالا مثيرا للجدل بعنوان: "مستقبل الإسلام بين الشعوب والحكام"، وهو مقال فيه من الحق الكثير، وفيه من الباطل أكثر، وأبسط ما فيه أنه يهون من شأن الدولة في الإسلام، بصياغات بعضها صريح وبعضها موهم وبعضها هو زاد العلمانيين.

وأضاف "ولا اتهم الريسوني بشيء غير أني أتعجب من هذه القفزة غير المبشرة والتي هي قفزة إلى الخلف، قام بها الريسوني وهو على رأس الاتحاد العالمي، وأتوقع أن هذه بداية نهاية الاتحاد ومسمار دق في نعشه، ولا أرجو ذلك ولكنها التجارب.. فهل ضاعت المقاصد من أستاذ المقاصد؟".