اقترحت دراسة جديدة لموقع “الشارع السياسي Political Street” للباحث حازم عبدالرحمن، حول “أخطار انهيار السد العالي”، عدة فتحات علوية كمفايض على جانبي بحيرة ناصر وذلك بخفض ارتفاعات بعض المناطق بحافتي البحيرة من الشرق والغرب وفق مقاييس هندسية تسمح باستقبال أي زيادة في الماء عن المنسوب الذي يهدد سلامة السد، ودون أن تسحب من المخزون المائي بالبحيرة على أن يكون تصريف هذه المياه في المنخفضات غير المأهولة بالسكان والخالية من الأنشطة الاقتصادية.
وقالت الدراسة التي جاءت بعنوان “استبعاد الحل العسكري مع إثيوبيا.. ماذا عن الخيارات البديلة؟”: إن الأفكار تدور حول عمل عدة مفايض بعد السد العالي تسمح بتصريف الماء في الصحراء بحيث تكون الفتحات الجانبية قادرة علي استيعاب 91 مليار متر مكعب من الماء حتى ينتهي تأثير اندفاع الماء إلى الشمال وذلك في مسافة لا تتجاوز 100 كيلومتر على أقصى تقدير، وذلك وفق نظام يسمح بإعادة استخدام المياه من جديد، مع وضع خطط وخطوط سير آمنة لإنقاذ المدنيين في هذه المنطقة.
ولفت إلى أن الدراسة اقترحت تقسيم تخزين الماء بين السد العالي ومناطق أخرى، وذلك بأن توزع كميات المياه على خمس خزانات أو بحيرة صناعية جديدة منخفضة عن سطح البحر، أو في أماكن لا يؤثر فيها القصف على المدنيين، وتعد توشكى إحدى هذه المناطق المقترحة، واستحداث بحيرة ثانية لتغذية وسط الصعيد بالماء، وبحيرة ثالثة بالفيوم، ورابعة بالصحراء الغربية قبل مدينة 6 أكتوبر لتغذية مخططات التنمية بمحيطها، وخامسة بمنطقة الإسماعيلية لتغذية مدن القناة وسيناء، وتطوير القناطر بمنطقة الدلتا، وإنشاء قناطر كخزانات على فرعي رشيد ودمياط.
أفكار نابضة
وتوقعت الدراسة أن تكون أفكار مواجهة الأزمة كثيرة لدى الخبراء العسكريين والاستراتيجيين, مثل خيار احتلال السد عسكريا وتخريبه وتعطيله دون التدمير الكامل له, بحيث لا يعمل, وتضيع على إثيوبيا المليارات الخمسة من الدولارات التي استخدمتها في تمويله, وتسقط أحلامها غير المشروعة, ومعها المؤامرة الصهيونية ضد مصر.
وأضاف: هناك فرص كثيرة لتفكيك إثيوبيا وتفتيتها إلى دويلات صغيرة انطلاقًا من المتناقضات والصراعات العرقية والإيديولوجية بدعم الحركات الانفصالية، وهذا الخيار من أسهل الخيارات المتاحة ولكن المشكلة في الإرادة السياسية التي يحتكرها عسكري جاهل ثبتت عليه اتهامات بالعمالة والخيانة.
سياسة ثابتة
وأضاف أن سياسة مصر الثابتة كانت في تصريح تاريخي هدد وزير الدفاع المصري المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة بتدمير أي سدود على نهر النيل, مؤكدا أن مصر ستستخدم القوة الشاملة ضد ما يهدد حصتها من مياه نهر النيل ( https://www.youtube.com/watch?v=NAVckLEV82I ), ولم يكن تهديد أبو غزالة جديدا على السياسة المصرية تجاه أطماع إثيوبيا في الاستئثار بمياه النيل دون غيرها؛ فعندما اعتزمت إنشاء سد كبير على النيل لتوليد الكهرباء، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بعث بخطاب إلى الإمبراطور هيلا سيلاسي، جاء فيه: “نطالبكم بوقف أعمال بناء السد، لأننا نعتبره تهديدًا لحياتنا؛ مما يستدعي تحركًا مصريًا غير مسبوق”، فامتثلت إثيوبيا بعد نصيحة الرئيس الأمريكي أيزنهاور، وقللت ارتفاعه من 112 مترًا إلى 11 مترًا فقط.
وأضاف أنه عندما إثيوبيا عادت إلى هذه المحاولات في عهد الرئيس السادات أرسلت القاهرة رسالة رسمية عبر وزير خارجيتها: “إذا قامت إثيوبيا بعمل أي شيء يعوق وصول حقنا في الماء كاملًا، فلا سبيل إلا استخدام القوة”, وقد تكرر التهديد بإعلان الحرب على إثيوبيا في عهد المخلوع حسني مبارك عندما تأزمت العلاقات وشرعت إثيوبيا في استئناف خططها التنموية لمواردها من مياه النيل، وإقامة السدود لتوليد الكهرباء, وهو ما قوبل بتهديد مصر بإعلان الحرب، عبر تسريبٍ صوتي منسوب لمبارك, قال فيه إنه مستعد لضرب السد بطائرة “توبوليف” – قاذفة قنابل سوفيتية تسبق سرعة الصوت – في حال أقدمت على تنفيذ تهديدها.
تسريب مبارك
وحسب وثيقة سربها موقع «ويكيليكس» عام 2013 جاء فيها أن مبارك طلب في أواخر حكمه من الخرطوم إنشاء قاعدة عسكرية تستخدمها القوات الخاصة المصرية إذا أصرت إثيوبيا على بناء سد, وفي عهد الرئيس محمد مرسي قال على الهواء مهددا: “إذا نقصت قطرة واحدة من ماء النيل فإن دماءنا هي البديل”.
وأضاف أن سياسة مصر الثابتة لحماية حصتها من مياه نهر النيل كانت الخيار العسكري, الذي كان ناجحا في كل مرة يتم التلويح به فيها, لكن الحكم العسكري الذي جاء بعد انقلاب 3 يوليو 2013 بقيادة عبد الفتاح السيسي كان أول خروج على سياسة مصر الثابتة لحماية حقوقها في مياه النيل, وهي تستند في ذلك إلى حقوق تاريخية بموجب اتفاقيتي 1929 و1959 اللتين تمنحانها 87% من مياه النيل وهو ما يقدر بـ 55 مليار متر مكعب سنويا.
وبموجب هاتين الاتفاقيتين أيضا تمتلك مصر حقّ الموافقة على مشاريع الري في دول المنبع, لكن إثيوبيا تجرأت اليوم لتعلن إنها ترفض الاعتراف المباشر أو غير المباشر بأي معاهدة سابقة لتحديد حصص المياه, ولم يكن ذلك ليحدث إلا بتخطيط ورعاية صهيونية للضغط على مصر وإضعافها, وتواطؤ من قائد الانقلاب الذي وقع على وثيقة تنازل مصر عن حقها في مياه النيل, ومنع بناء أي سدود تؤثر على حصتها فيها.
تهافت التهافت
واعتبرت الدراسة أن سد النهضة الذي يهدد الحياة في مصر, ويجعلها عرضة للغرق برأي أذرع الانقلاب وخبرائه إذا ما أقدمت على ضرب السد الإثيوبي, مع إغفال أن الخيار العسكري يمكن أن يكون هو أحد الحلول, إذا ما تم التفكير فيه جيدا من كل الزوايا بحيث تقل أو تنعدم الأخطار المحتملة من العمليات الموجهة نحو السد؛ فهناك طوفان المياه على الوادي والدلتا, وهو خيار مدمر.
وتساءلت لأولئك الذين يحذرون من ضرب سد النهضة عسكريا بسبب ما ينتج عنه من مخاطر؛ فما هي نصائحهم إذا انهار هذا السد ذاتيا كما يقول خبراء آخرون؟, وهم يؤكدون أن هذا سيحدث, وأن طبقات الطمي ونوع التربة من العوامل التي تجعل العمر الافتراضي لأي سد في إثيوبيا يتراوح ما بين 5 سنوات و 20 عاما على الأكثر، بسبب النحت للأراضي.