ذكرى اغتيال البنا.. 65 عاما من التآمر على دعوة الإخوان

- ‎فيتقارير

فجر عاطف صحصاح


مثلت واقعة اغتيال الإمام حسن البنا -مؤسس جماعة الإخوان المسلمين- في الثاني عشر من فبراير عام 1949 واحدة من حلقات الاضطهاد التي تعيشها الجماعة على مدار سنوات طويلة منذ تم تأسيسها، ولم تكن جريمة الاغتيال هي الوحيدة أو الأخيرة، بل استمر التآمر والكيد للجماعة ولكل من يؤمن بفكرتها، ليس فقط من الساسة المناوئين في الداخل بل من المعسكرات الشرقية والغربية مع اختلاف توجهاتهم وأهدافهم، في حين اتفقوا وتوحدوا على هدف معاداة الجماعة ووضع العراقيل أمام تمددها وانتشارها.

مذابح على مر العصور

فجماعة الإخوان ليست أفرادا في حد ذاتهم، بل هي فكرة ومبدأ يحاول نشر حقيقة الدين الإسلامي الذي هو منهج الله تعالى في أرضه، والذي لم ينزله الله لينعزل بل ليتغلغل في مجالات الحياة المختلفة، وتلك هي الجريرة التي بها يؤاخذ الإخوان الآن بعد الانقلاب، ومن قبل ذلك إبان اغتيال الإمام البنا. مرورا بحملات الاعتقالات والتعذيب الشديدة في عهد عبد الناصر وقبله وبعده.


ويذكر –مصطفى المصيلحي- في تأريخه لإحدى المذابح التي تعرض لها الإخوان عام 1957 وهي مذبحة طره والتي راح ضحيتها نحو 23 شهيدا بالرصاص الحي وهم عزل داخل السجون. يذكر أن الجماعة قد حاربها الاستعمار الغربي ممثلا في سلطة الاحتلال البريطاني في مصر؛ حيث أرسل السكرتير السياسي للقائد العام للقوات البرية البريطانية في الشرق الأوسط ومقره في فايد، أرسل خطابا إلى إدارة المخابرات التابع للقيادة العامة للقوات البريطانية في مصر وشرق حوض البحر الأبيض المتوسط, بما دار في اجتماع السفراء, وكتب بتاريخ 23/ 11 /1948 ..[فيما يختص بالاجتماع الذي عقد في فايد في 10 الجاري بحضور سفراء بريطانيا وأمريكا وفرنسا. أخطركم أنه ستتخذ الإجراءات اللازمة بواسطة السفارة البريطانية في القاهرة لحل جمعية الإخوان المسلمين..]. وكذلك حاربتها حكومة القصر والملك فاروق استجابة للاستعمار من جهة، وتخوفا منها على عرش الملك وسطوته؛ فبدأت موجة الاعتقالات عام 1948، وبعدها اغتيال الإمام البنا عام 1949. ثم حاربتها الديكتاتورية العسكرية متمثلة في عبد الناصر ونظامه في مذابح واعتقالات متتالية منذ 1954،ثم 1965، وغيرها.

فعالم المصالح الداخلية والخارجية ليس من خطر أشد عليه من عالم المبادئ والفطرة السوية التي تتحقق بتطبيق الإسلام السمح في وسطيته وكليته.


وللأسف فربط الماضي بالحاضر ليس فقط ممن يرصدون هذا التآمر بعد مضي 65 عاما مرت على اغتيال الإمام البنا، بل بات إعلام الانقلاب نفسه الآن هو من يهب ليشوه هو التاريخ كما شوه الحاضر، حيث يدعي أن الإخوان هم من قتلوا مرشدهم ومؤسسهم!!


ولسنا في حاجة إلى تأكيد الوقائع التاريخية التي أثبتت المؤامرة على الإمام بعد اعتقال أعضاء الجماعة عقب عودتهم من بلائهم الحسن في حرب فلسطين، فيقابلون هنا بقرار حل الجماعة واعتقال أعضائها وترك مرشدهم ومؤسس جماعتهم حرا طليقا بعد سحب سلاحه الخاص ورفض طلبه باعتقاله مع أبناء جماعته، كل ذلك ليحيكوا مؤامرة اغتياله.

وتبدو دائما الأيادي الصهيونية حاضرة في جريمة الأمس كما هي حاضرة اليوم بتحالف ظاهر مع قادة الانقلاب، فمصالح هذا الكيان الاستعماري الغاصب هي كلمة ومفتاح السر في جرائم اليوم وأمس.


أما هذا الإمام الشهيد الحي فقد شهد القريب والبعيد، الغريب والصديق، بمحاسنه ومناقبه بل وفضله وسبقه في تجديد شباب الإسلام وهو التجديد الذي ما زال يحارب إلى الآن.


نشرت "النيويروك بوست" مقالا لمراسلها في القاهرة بعد استشهاد الإمام البنا جاء فيه: "وبالرغم من أنني كنت أسمع في القاهرة أن الرجل لم يعمل شيئا حتى الآن، وأنه لم يزد على جمع مجموعات ضخمة من الشباب حوله. ثم قال: "كل ما أستطيع أن أقوله: إن الرجل أفلت من غوائل المرأة والمال والجاه، وهي المغريات التي سلطها المستعمر على المجاهدين وقد فشلت كل المحاولات التي بذلت في سبيل إغرائه، وقد أعانه في ذلك صوفيته الصادقة وزهده الطبيعي". "لقد تزوج مبكرا، وعاش فقيرا وجعل جاهه في ثقة أولئك الذين التفوا حوله، كان الرجل يقتفي خطوات عمر وعلي ويصارع في مثل بيئة الحسين فمات مثلهم شهيدا”.

 

وتتفق الآراء على أن دعوة الإخوان لم تكن أكثر من إحياء للمشروع الإسلامي الحقيقي، والذي هو كذلك مشروع التحرر والنهضة والتخلص من أسر الاستعمار والاحتلال بأي شكل كان.


يقول الشيخ أمين الحسيني -مفتي القدس-: "بينما كان الملاحدة ودعاة الإباحية ومروجو الفكرة الشعوبية يهاجمون الإسلامَ وينشرون سمومهم وضلالتهم في مختلف الأقطار المصرية والعربية، برز الشيخ حسن البنا في وسط الشعب المصري المؤمن كما تبرز الشمس من بين السحب الداكنة داعيًا أمَّتَه والمسلمين جميعًا إلى العمل بالقرآن الكريم، وتطبيق أحكامه وآدابه الرفيعة والاستمساك بسُنَّة النبي- صلى الله عليه وسلم- في كل شأن من شئونهم الخاصة والعامة."


مطاردة الفكرة الإسلامية

من جانبه يقول د.حلمي القاعود -الكاتب والمفكر-: ما هو واضح أن هناك شبه اتفاق بين الدول الخارجية والقوى الرافضة للإسلام على مطاردة الفكرة الإسلامية في أي صورة من الصور سواء في صورتها الشخصية متمثلة في الدعاة، أو في صورها الاجتماعية متمثلة في الجماعات أو الهيئات والمنظمات، وهذا ما حدث للإمام الشهيد عام 1949، ثم عقب انقلاب 1952 عندما تم حل الجماعة واعتقال أفرادها ثم إعدام مجموعة من القادة كعبد القادر عودة وآخرين، وتكرر الأمر في 1965 عندما تم إعدام سيد قطب وآخرين أيضا، واستمر الحصار والمطاردة حتى جاء حكم السادات وبدأ الإفراج عن الإخوان سنة 1974، وهو ما انتهى سريعا بعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد ورفضها من قبل الإسلاميين بحيث رأوها تمثل في الأساس اتفاقية إذعان، فبدأت عملية الحصار والاعتقالات باتفاق بين المخابرات الأمريكية والموساد والأمن المصري، وبعد مقتل السادات عادت مرة أخرى الأمور في عهد مبارك إلى ملاحقة الإسلاميين والدعاة وإغلاق المجلات والصحف التي تعبر عنهم، وتم تلفيق عدد من القضايا للإخوان وغيرهم، ولم ينتهي الأمر إلا مع ثورة يناير، وظن الناس أنهم نعموا بالحرية، ولكن المؤامرة كانت أكبر فاختطف الرئيس واعتقل 21 ألفا وذبح ما يقرب من 4 آلاف في المذابح المتلاحقة، وهذا كله يؤكد أن القضية ليست في شخص أو جماعة ولكن القضية هي الإسلام الذي يؤرق أشرار العالم وأتباعهم في الداخل.


ولكن لماذا يرفضون الآن أفكار الحريات والحقوق التي تتقاطع بين الإسلام وما هم عليه من فلسفات غربية -يذكر القاعود- أن الإسلام يعني ما يقول، أما هم فيقولون للاستهلاك المحلي، فالمجتمع الغربي يتكلم صباح مساء عن حقوق الإنسان، لكنه يدوس عليها بالأحذية عندما تتعارض تلك الحقوق مع مصالحهم؛ فأين حقوق الإنسان في مصر، سوريا ، ليبيا أو اليمن، أليس هناك بشر يجب أن يقفوا إلى جانبهم؛ لكن عندما يكون الإنسان علمانيا أو شيوعيا أو غير مسلم بالمعني الحقيقي نجد الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة تتحدث عنه وتصرخ من أجله، فالغرب كاذب ومنافق ولا يأبه بحقوق الإنسان أيا ما كانت طالما أنها تخص مسلما بحق؛ ودليل هذا ما يحدث اليوم في إفريقيا الوسطي، والذي تقول وكالات الأنباء إنه في خلال أسابيع قليلة فلن يبقى فيها مسلم واحد!

 

فهم يذبحون يوميا بل ويؤكلون ورغم أنه يوجد هناك الآن قوات فرنسية وقوات من الاتحاد الإفريقي، إلا أنهم يكتفون بمساعدة من يسمون أنفسهم أهل المحبة والتسامح باسم المسيح، ولكن لا يحمون المسلمين المضطهدين، وهذا شبيه بما يحدث في مصر ويعاون فيه أتباع ونخب كونها الغرب على مدار مائتي عام ماضية، بحيث صار لدينا من يَصدق بحقهم مقولة مالك بن نبي الشهيرة "أن لديهم قابلية للاستعمار". فمن نراهم يرفعون البيادة فوق رؤوسهم ورؤوس أولادهم ويسيرون بها في الطرقات، لا يصنفون إلا أن لديهم تلك القابلية للذل والمهانة، أما من تربي تربية إسلامية فلا يقبل أبدا الذل أو القهر أو الهوان والعار.


ويؤكد د. محمد عباس -المفكر الإسلامي- أن ما يدعيه البعض من الفصل بين الدين والدولة هو فصل تعسفي غير جائز تماما، وقد كان الإمام البنا واحدا من هؤلاء العظماء الذين يرسلهم الله تعالى على رأس كل مائة عام ليجددوا شباب هذا الدين، وقد استطاع في فترة قصيرة جدا من العمر؛ لأنهم اغتالوه وهو ما زال في سن من مثله الآن يعاملون كشباب صغار، ومع ذلك فقد استطاع أن يكوّن حركة عالمية متواجدة الآن في جميع دول العالم تقريبا، شهد بذلك الكاتب الأمريكي "روبيرت جاكسون" في كتابه "الرجل القرآني"، فحينما سأل هذا الكاتب عن الإمام البنا وأخذ الناس يصفونه له وهو عاجز عن الفهم، حتى قيل له إن هذا الرجل يطبق القرآن، فقال هكذا بدأت أفهمه.


ويضيف -د.عباس- أنه وبغض النظر عن كون الإمام البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين أو غيرها، فهو لم يُقتل لأنه مؤسس جماعة، ولكن لمجرد أنه داع للإسلام فمن وجهة نظرهم كان لا بد أن يقتل، وهذا ما نراه في العالم كله، فلو دعا أي إنسان إلى أي شيء آخر لا يتعلق بالإسلام لمجّدوه وبجلوه مهما كان هذا الذي يدعو إليه.


ولذا فقد قتلوا الإمام حسن البنا لدوره ليس في إنشاء حركة الإخوان المسلمين، وإنما لدوره في تجديد شباب الإسلام، وهذه النقطة عندما يتم إدراكها سنفهم أن الإخوان المسلمين، يتم اضطهادهم الآن ليس لأنهم حزب سياسي ولكن لأنهم يصرون على تطبيق شرع الله، وعلى إعلاء كلمة الله تعالى في الأرض، ولو تخلوا عن هذا حتى ولو ظلوا بنفس الاسم، واقتصروا على الجانب الدنيوي من السياسة، لرُحب بهم، ولما عانوا مما يعانون منه الآن.


ويشير د. عباس إلى أنه ومنذ زمن طويل فقد انهارت بشكل غير رسمي الحدود بين الدول؛ بحيث أصبحت قطاعات، أحدهما ضد الإسلام، وآخر ضد الأديان عموما، وقطاع مع التنصير، وهذه القطاعات لا ترتبط بحدود الأوطان والدول، ولذلك ربما أنفي لأؤكد فكرة المؤامرة علينا؛ وذلك بمعنى أن المؤامرة لا بد أن تكون شيئا خفيا لا يعرفه الناس؛ أما ما يحدث الآن فشيء معروف ومعلن، فما يحدث كان معلنا عنه من قبل لكي يحكم النصارى مصر، ولكي تعود سايكس بيكو الثانية لتقسم أرجاء الوطن العربي والإسلامي لإضعافه، كي تكون الدول الإسلامية جميعها دويلات صغيرة بحيث تظل "إسرائيل" هي الدولة العظمى الوحيدة في المنطقة. ولذا فهذه ليست مؤامرات بل خطط معلنة ومكتوبة في الدوريات العلمية.

 

فقد اغتيل الإمام البنا لأن جزءا مهما في المخابرات الأمريكية كان ضد تكوين دولة "إسرائيل"، وكانوا يقولون إنه في خلال ستة أشهر سوف يتجمع 200 ألف مجاهد مسلم ويقضون عليها قضاء مبرما، في حين رفضت وزارة الخارجية الأمريكية هذا التصور والتوقع، وقالت إن العرب نائمون ولن يستيقظوا تجاه هذا أبدا، ولذا كان اغتيال الإمام البنا جزءا من تنويم العالم الإسلامي أو لمنعه من الاستيقاظ، فلا مراء أن اغتياله جاء كنتيجة مباشرة لدوره الجهادي الهائل في فلسطين، ويُرجع في ذلك إلى شهادات للواءات وقيادات في الجيش المصري وكيف تحدثوا عن بلاء الإخوان المسلمين في فلسطين، وكيف أنهم سُحبوا من الميدان ليعتقلوا بعد اغتيال الإمام البنا.


ويؤكد الكاتب والمحلل السايسي د.صلاح عز أن: كل ما حدث لجماعة الإخوان المسلمين منذ اغتيال الإمام البنا حتى الآن يسير في نفس اتجاه محاولات استئصال الإسلام الوسطي، الذي هو بطبيعته قادر على الانتشار والتمدد في مصر والعالم كله، وهذا أكبر مصدر للخطورة على الغرب وحلفائه، وما حدث في مصر وما يحدث في تونس وليبيا كله يأتي في الإطار نفسه. وفيما يخص انقلاب مصر بالذات فما حدث جاء بتعاون واشتراك أطراف كثيرة من داخل مصر وأطراف أخرى إقليمية من العالم العربي والغربي على حد سواء، كل ذلك بنفس الهدف القديم وهو استئصال الإسلام الوسطي.


ويردف -عز مشيرا- إلى أن الغرب ما زال مشحونا بكمّ هائل من الأحقاد منذ الأندلس والحروب الصليبية وانتصار صلاح الدين وتحريره للقدس، ويؤكد أنه قضى شطرا كبيرا من حياته في أوروبا وأمريكا بحيث لاحظ من الكتابات هناك أن لديهم تراكمات نفسية تجعل بداخلهم كراهية شديدة جدا تجاه المسلمين.


ويقول –عز- إن من يقول إن المسلمين يعيشون في حرية في الغرب فهذا لأن مرجع تلك الحرية الظاهرة يعود لأنهم هناك أقلية، ولا خوف منهم، وبالتالي يُسمح لهم بحرية الكلام وحرية النشر وغيرها، ولكن إذا استشعروا منهم أي خطر فلن يكون لهم أي حقوق، كذلك فالأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع دول أوربا وهي آخذة في الانتشار الآن، وبدأوا يشكلون الحكومات، فهذه الأحزاب ضد بناء المساجد وضد الحجاب وغيره من المظاهر الإسلامية.

 

 

ويتابع، وللأسف فالانقلاب في مصر يعمل مؤخرا على "صهينة" البلاد، ونقصد بها غسل عقول المجتمع حتى يرى بالتدريج "إسرائيل" صديقة وحبيبة لمصر، وتصبح حماس وكل من يقاوم إسرائيل هو شر وإرهاب، وهذا ما استطاع الإعلام على مدار الفترة الماضية تمريره إلى العقول حتى ترسخ واستقر في أذهان قطاع كبير من الشعب.


وكل ذلك إنما يؤكد معني المؤامرة المستمرة منذ الإمام البنا وإلى الآن، ولكنها في هذه المرة قد أخذت دفعة شديدة وقوية، فالانقلاب قام في الأساس من أجل استئصال المشروع الذي يمثل تهديدا لخطة الصهينة ومشروعها، ولذا لا يمكن أن تجتمع الصهينة مع حرية التعبير وإطلاق الحريات السياسية، والسماح بنشر تيار الإسلام الوسطي.