قضية “الفنية العسكرية” بين الحقيقة والخيال الإعلامي وحقيقة دور الإخوان فيها (2\2)

- ‎فيلن ننسى

الإخوان والعنف

الإخوان المسلمون جماعة إسلامية إصلاحية شاملة حيث تعتبر أكبر حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية، تهدف إلى إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل.

ويعتمد منهج الإخوان 1الدعوة والتربية والتزكية للأفراد والإصلاح الشامل للمجتمعات والنصح للحكومات والنضال الدستوري من أجل التغيير وتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات، ولا يعتمد العنف كمنهج في التغيير.

يقول الأستاذ البنا:

” ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكراً وأبعد نظراً أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصون إلى أعماقها، ولا يزنوا نتائجها، وما يقصد منها ويراد بها، فهم يعلمون أن أول درجات القوة قوة العقيدة والإيمان ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط ثم بعدها قوة الساعد والسلاح”.

ويضيف: “ونظرة أخرى: هل أوصى الإسلام و القوة شعاره باستخدام القوة فى كل الظروف والأحوال، أم حدد لذلك حدوداً، واشترط شروطاً، ووجّه القوة توجيهاً محدوداً.

ويضيف في رسالة المؤتمر الخامس قوله:

أيها الإخوان المسلمون، وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم اسمعوها منى كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر فى مؤتمركم هذا الجامع إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده، ولست مخالفًا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقًا طويلة، ولكن ليس هناك غيرها، وإنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها، أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه فى ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات.

ومن صبر معى حتى تنمو البذرة وتثبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره فى ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعادة(حسن البنا: رسالة المؤتمر الخامس).

ويقول الأستاذ محمد حامد أبو النصر:

“الإخوان قاموا لتحقيق الإسلام الصحيح بين الناس، والإسلام لا يقر الإرهاب كوسيلة لتحقيق اهدافه، ولا يتصور عاقل أن الإخوان يتحملون ما يتحملون من سجن وتعذيب وتقتيل، ويواصلون سيرهم رغم ذلك في سبيل الإسلام ودولته ثم يخالفون نهج الإسلام الذي لا يقر الإسلام(عامر شماخ: الإخوان والعنف، السعد للنشر والتوزيع، ط 1، 2006، صـ 161)

ويقول المستشار مأمون الهضيبي:

إن فكر الإخوان المسلمون يحرم الاعتداء على النفس البشرية ومن ثم فإن هذا الفكر المعتدل القائم على الوسطية لا بمكن أن يؤدي إلى تطرف، أو أن يخرج منه جماعات عنف أو إرهاب، كما يدعي البعض، والإخوان يحترمون ويعتقدون حرمة دم المسلم وغير المسلم ويعتبرونها حرمة ضخمة أمام الله سبحانه وتعالى (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) (المائدة: 32)

ولقد أصدر الإخوان المسلمين بيانات تدين العنف دائما، فقد أصدرت بيانا بشأن أحداث الكشح عام 2000م، كما أدانوا في بيان محاولة الاعتداء على الرئيس مبارك في إبريل 1995م.

 

صالح سرية

يعدّ صالح سرية شخصية مركزية في جماعات العنف والتطرف المصرية بشكل خاص، والعابرة للقارات أيضا، فصالح سرية يعد أول من أسس تنظيما ذا خلفية إسلامية للاستيلاء على السلطة بالقوة  العسكرية، مما جرف خلفه الكثير من الشباب والطاقات لمسار مدمّر ومهلك دون ثمرة، ولم يتبين ذلك لأغلبهم إلا بعد سنوات طويلة في غياهب السجون كقادة الجماعة الإسلامية وبعض قادة جماعة الجهاد، بينما لا يزال يواصل نهج الفوضى والتدمير آخرون كأيمن الظواهري وأتباعه ومن انشقّ عنهم كالخليفة المزعوم أبي بكر البغدادي.

الدارس لسيرة صالح سرية يجد فيها تنوعا وتعددا وتبدلا وتقلبا وجمعا بين المتناقضات، وأعتقد أن ذلك يرجع لشخصيته القوية من جهة، ولذكائه ونزعته القيادية وصغر سنه وفرط نشاطه، وأظن أن هذا كان المدخل الذي تم فيه التلاعب بصالح سرية أيضا من قبل آخرين متعددين!( أسامة شحادة: حكايات جماعات العنف من الانحراف إلى فكر الخوارج (2)، 25 مايو 2017م، https://bit.ly/2S3fo0F)

فرّ إلى سوريا, فالأردن وأرتبط بحزب التحرير الإسلامي بعض الوقت الذى أسسه “تقى الدين النبهانى عام 1950, ثم جاء إلى مصر عام 1971 وحصل على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس عام 1972, وعمل بمنظمة التربية والثقافة والعلوم(الأونيسكو) بجامعة الدول العربية بالقاهرة.

تعرف على الحاجة زينب الغزالي غير انه سرعان ما أدرك صالح سرية أن الإخوان المسلمين فى مصر غير راغبين أو قادرين على المواجهة مع نظام السادات , وذلك بعد لقائه ببعض قادتهم وعلى رأسهم المرشد العام, وكذلك لقاءاته مع كثير من قياداتهم أمثال الشيخين محمد الغزالي والسيد سابق، فعمل علي تأسيس تنظيم مستقل يهدف للخروج علي السادات.

كون مجموعة الفنية العسكرية حيث جمعت قادة المجموعات الشبابية الجهادية في ذلك الوقت ، فمنهم من كان اتجاهه سلفيا مثل “إسماعيل الطنطاوي” ومنهم من يرفض فكرة الانقلاب العسكري ويدعو الى حرب عصابات طويلة الأجل مثل “يحيى هاشم”.

وصفه أيمن الظواهري بقوله: إن صالح سرية كان محدثاً جذاباً ومثقفاً على درجة عالية من الاطلاع والمعرفة، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس، كما كان متطلعاً في علي (العلوم الشرعية)، وانه إلتقاه مرة واحدة أثناء احد المعسكرات الإسلامية في كلية الطب حين دعاه أحد المشاركين في المعسكر إلى إلقاء كلمة في الشباب.

و«بمجرد استماعي لكلمة هذا الزائر أدركت إن لكلامه وقعاً آخر، وانه يحمل معاني أوسع في وجوب نصرة الإسلام. وقررت أن أسعى للقاء هذا الزائر، ولكن كل محاولاتي للقائه لم تفلح».

قاد صالح سرية وثمانية عشر من أنصاره محاولة السيطرة على الفنية العسكرية بالسكاكين في يوم الخميس الثامن عشر من شهر إبريل للعام 1974م غير أن الأمر فشل.

قبض بعدها على صالح سرية وبعض رفاقه حيث قدموا للمحاكمة وأعدموا عام 1975م(رياض حسن محرم: الجماعات السلفية الجهادية.. وفقه التكفير (1)، موقع الإمام الشيرازي).

 

الإخوان والفنية العسكرية

احتوت تحقيقات النيابة اعترافات لصالح سرية بعلاقته بالإخوان، حيث ذكر في التحقيقات هذه العلاقة بقوله:

أول اتصال كان بزينب الغزالي في أواخر 1971 أو بداية 1972 وكانت جايه لزيارة الشيخ ” الحافظ التيجاني ” وهو زوجها السابق وقابلتها عنده وأنا كنت عاوزه باعتباره شيخاً للطريقة الصوفية وكان شيخ بلدنا اخبرهم في فلسطين من أتباعه وكنت أنا عند ترزي اسمه ” عبد السلام حامد عبس ” في شارع القاضي الفاضل المتفرع من شارع قصر النيل لزيارته لأني عرفته عن طريق أحد العراقيين أثناء وجودي هناك واسمه ” لقمان السامراني ” واتصل الترزي ده الشيخ ب” الحافظ التيجاني ” أثناء وجودي عنده فطلبت منه أن يعرفني به ورحنا له سوا وعرفته بنفسي.

وبدأنا نتناقش في علم الإسلام وخاصة علم الحديث وتوطدت العلاقة بيننا وكنت باتردد عليه باستمرار في زاوية عنده وفي أحد الأيام كنت عنده في تاريخ لا أذكره كله في أواخر 1971 أو أوائل 1972 وجت ” زينب الغزالي ” لزيارته فأحببت أن أتعرف عليها لأني كنت أعرف إنها من زعماء الإخوان وكنت معجباً بشخصيتها وبدأت تتحدث عن ذكرياتها في السجن وأنها عذبت في السجن وأن الإسلام مظلوم في مصر لأن الناس الذين كانوا يدعون إليه وتقصد الإخوان المسلمين كانوا يوضعون في السجون(مختار نوح: قضية الفنية العسكرية 1974م، مركز المحروسة، 2006م، صـ104)

ويضيف أيضا: قابلت أيضاً ” عبد الرحمن البنا ” و الشيخ ” محمد الغزالي ” مدير إدارة الدعوة بالأوقاف و” سيد سابق ” و ” صالح أبو رقيق” و” هارون المجددي ” وهو إخواني ومسئول الإخوان خارج مصر ومقره بيروت ولكني قابلته في مصر وقد سعيت للتعرف بهم وكنت أقابلهم في منازلهم أو مكاتب عملهم وكانت زيارات تعارف فقط وكنت أتبادل الزيارات مع ” صالح أبو رقيق ” باعتباره زميل عمل في الجامعة العربية وآخر مرة شفته فيها قبل القبض عليّ بأسبوعين ولكني لم أتحدث مع أي منهم إطلاقاً في أي أمور تنظيمية عن التنظيم اللي أنشأته ولكن كانت أحاديثي معهم عن الإخوان بصفة عامة وكنا نتكلم عن أوضاعهم لكن لم نتفق على شيء نقوم به في سبيل إصلاح حالهم وكنت من جانبي أعزمت القيام منفرداً بواسطة التنظيم الذي شكلته بقلب نظام الحكم الحالي والاستيلاء عليه بالقوة لتطبيق مبادئ الإسلام.

ومما جاء في أسئلة المحقق:

س/ هل معنى ذلك إنك قمت بإنشاء التنظيم وإجراء المحاولة التي قمت بها لقلب الحكم بالقوة كبديل عن قيام الإخوان المسلمين بهذه العملية ؟

ج/ أيوه .

س/ هل معنى ذلك أيضاً إنك قمت بهذا العمل انطلاقاً من رغبتك في إعادة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وتمكينهم بالقوة من الاستيلاء على الحكم ؟

ج/ لأ مش كده بالضبط إنما أنا أنشأت التنظيم ومحاولة قلب نظام بالقوة لإقامة الدولة الإسلامية بصرف النظر عن موافقة هذا الإخوان أو عدم موافقته لها(مختار نوح: مرجع سابق، 106)

يقول رياض حسن محرم: تعرف على الحاجة زينب الغزالي وزارها أكثر من مرة في منزلها، وسرعان ما عرفته بالمرشد العام المستشار “حسن الهضيبي” وتعريفه بمجموعات الشباب الجديد ومنهم “طلال الأنصاري” و”إسماعيل طنطاوى”و”يحيى هاشم”.

سرعان ما أدرك صالح سرية أن الإخوان المسلمين فى مصر غير راغبين أو قادرين على المواجهة, وذلك بعد لقائه ببعض قادتهم وعلى رأسهم المرشد العام, وكذلك لقاءاته مع كثير من قياداتهم أمثال الشيخين محمد الغزالي والسيد سابق.

ويمكن التماس العذر لهؤلاء القادة الذين كان يهمهم فى الأساس الأول بقاء الدعوة واستمرارها, وحماية أعضائها, وهم ليسوا بعيدين من محنة قاسية ألمت بهم فى العام 1965, وما زالوا يرممون نتائجها, ويضمدون جراحها(رياض حسن محرم: مرجع سابق).

 

الخلاصة

ربما تكون قضية “الفنية العسكرية” هي القضية الأولي التي يستخدم فيها “فريق يتبني فكر الجهاد” الأسلحة ومحاولة السيطرة على الحكم بالقوة (رغم سذاجة التخطيط والعدد)، وقد نتج هذا الفكر من خلال تواجد رأس المجموعة (صالح سرية) بحزب التحرير بفلسطين، كما زاد من الأمر متابعته لما حدث للشباب في مصر من تعذيب وقتل للعلماء، فترسخت فكرة الانتقام لدى سرية.

ساعد سرية أيضا خبرته العسكرية والتي أهلته للتدريب على جميع فنون القتال ونقل هذه الخبرة للشباب الطيب، حيث كان من الواضح أن عنصر الطلبة هم أكثر عنصر في جماعة صالح سريه حيث استطاع بأسلوبه أن يقنعهم بفكره المتطرف.

كان واضح أن صالح سرية يعرف جماعة الإخوان المسلمين جيدا، مما أهله أن يتعرف على السيدة زينب الغزالي، حيث كان معجبا بشخصيتها ككونها امرأة تحدت الطاغوت داخل المعتقل في عهد عبدالناصر، والتي عرفته بالأستاذ الهضيبي والذي كان في أواخر حياته، وحينما عرض سرية على المستشار الهضيبي استخدام القوة رفض المستشار هذا الكلام وهذا الفكر، وأخبره بحقيقة دعوة الإخوان الذين تحملوا من أجلها عشرين سنة اعتقال للحفاظ على سلميتها ومنهجها التدريجي السلمي في التغيير.

أدرك صالح سرية أن جماعة الإخوان لن تنصفه في قضيته ومن ثم ملك على وجدانه فكرة حمل السلاح، فاندفع لها دون تخطيط، ودون تقدير للقوة التي أمامه، ودون تخطيط استراتيجي على أرض الواقع حيث تصور أنه ومعه 18 عضو يستطيعون أن يسيطروا على مقاليد حكم بلد كبيرة بأجهزتها.

ويؤكد ذلك ما جاء في الوثائق السرية الأمريكية والتي أرسلها السفير الأمريكي بمصر إلى الخارجية الأمريكية وبعض سفارات أمريكا بالسعودية ولبنان وليبيا – معتمدا على ما ذكره السفير السعودي فؤاد نظير-يوضح فيها هوية منفذ حادث الفنية العسكرية، حيث يوضح السفير أنه لا يوجد سوى تقرير واحد يوضح أن سرية كان عضوا قديما في جماعة الإخوان، وعدا ذلك فليس هناك ما يؤكد اتصال تنظيم الإخوان الحالي بالهجوم، مثلما جاء في الوثيقة رقم 1974CAIRO02568_b بعنوان «السنة المحمدية وشباب محمد والإخوان: رؤية سعودية» المؤرشفة بيوم 24 أبريل 1974م أن المسئول السعودي استبعد تورط الإخوان المسلمين في الحادث(أماني عبد الغني: مرجع سابق).

بل مختار نوح المحامي يؤكد ذلك في كتابه موسوعة العنف في الحركات الإسلامية المسلحة: خمسون عامًا من الدم من أن من يروج أن للإخوان صلة بالفنية العسكرية هو اللواء فؤاد علام، وأن المستشار الهضيبي وزينب الغزالي رفضوا طلب صالح سرية بإقامة الدولة الإسلامية بالقوة.

ويضيف مختار: فالمتأمل للأوراق يجد أن نصف الأوراق أعدت للتحقيق مع المتهم وهي بالمئات قد دارت خول علاقة المتهم بالإخوان المسلمين، بل إننا نلاحظ أن هناك رغبة مع التجاوز في القول لدى النيابة لإثبات وجود ذلك ولقد كان هذا واضحا في الأوراق(مختار نوح: موسوعة العنف في الحركات الإسلامية المسلحة: خمسون عامًا من الدم، طـ1، دار سما للنشر، القاهرة، 2014م،  صـ125 وما بعدها).

ومن ثم تضح الحقائق وتنجلي وسط التشوية الإعلامي المتعمد من صحفي وكتاب تابعين لنظام السيسي والأنظمة الإماراتية والسعودية، وهو ما يجعلنا أن نؤكد أن فكر الإخوان ينبذ العنف وليس في منهجهم ولا مبادئهم استخدام العنف في التغيير لكن منهجهم سلمي يعتمد على التدريج في تغيير المجتمع، وستظل سلميتهم أقوى من الرصاص.