هاجمت دراسة صادرة حديثًا الجامعة الأمريكية بالقاهرة، واعتبرت أن تركيزها ينصب على “أنشطة التنصير و”البيزنس” والسياسة والدبلوماسية، في محاولة للسيطرة على شعوب المنطقة وثرواتها، عبر تجنيد الحكام المستبدين لخدمة الأجندة الأمريكية سياسيًّا واقتصاديًّا ودينيًّا”.
وكشفت الدراسة، التي أعدها موقع “الشارع السياسي Political Street” بعنوان “الجامعة الأمريكية بالقاهرة.. رأس حربة للتنصير والتجسس وتكريس التبعية”، عن أن الركائز الحالية للغزو الثقافي الجديد في مصر تتمثل في 36 مؤسسة بحثية، ما بين أمريكية وألمانية وفرنسية وبريطانية وصهيونية، موضحة أن الاحتلال الغربي لبلاد المسلمين له في كل بلد يحتله أربع ركائز كبرى، أولها الكنيسة وجهاز تبشير، وثانيها مدرسة أو مدارس تعلم بلغة الدولة المستعمرة، وثالثها عدد من الشركات في مختلف جوانب الحياة، وأخيرا مصرف رئيسي يهيمن على الجوانب الاقتصادية والمالية.
ومن أمثلة ذلك: مؤسسة الأيد Aid الأمريكية، وهيئة المعونة الأمريكية، ومؤسسة فورد، ومؤسسة فريدرش آيبرت، وفريدرس نومن، وهانز ظايدل، وفولدايت، والمركز الأكاديمي الصهيوني، والجامعة الفرنسية بالإسكندرية، والمركز الثقافي الفرنسي، والمركز الثقافي البريطاني، والمراكز الثقافية الأمريكية. لكن على رأس هؤلاء جميعا تقف الجامعة الأمريكية بالقاهرة كمؤسسة تعليمية وبحثية بما تملكه من إمكانات ضخمة وتمويل واسع.
خريجو “الأمريكية”
وعلى اسم الجامعة الأمريكية في ضمان التوظيف يتسابق القوم، ولكن الدراسة لفتت انتباههم إلى أن الجامعة الأمريكية لم تهتم بتدريس العلوم البحتة كالطب والزراعة والهندسة، ولكنها اهتمت ببث الأفكار الغربية عن طريق الدراسات الأدبية لدوام سيطرتها على العقول والأفكار كتدريس الصحافة والإعلام والاقتصاد والتاريخ والإدارة وعلم المصريات وعلم النفس والاجتماع ودراسات في الشرق الأوسط، كل هذه المواد لا يوجد لها مقرر محدد، لكنها مجموعة محاور يدور حولها أساتذة الجامعة للرؤية التغريبية والمنظور العلماني ومراجع وأبحاث المستشرقين ذوي الاتجاهات المعادية للإسلام.
ومن موقع الراصد، قالت إن الجامعة الأمريكية بالقاهرة “لم تخرِّج لمصر طوال المائة سنة الماضية طبيبًا واحدًا أو مهندسا واحدا أو عالِـما واحدا في أي فرع من فروع العلوم الطبيعية، ولا مخترعا ولا مبتكرا، بينما أسهمت الجامعات الحكومية، ذات الإمكانات المتواضعة، في تخريج مئات، بل ألوف العلماء والمفكِّـرين والمخترعين والمبتكِـرين، ممّـن يُـشار إليهم بالبنان، وهم ملء السمع والبصر، يكرّمون في مختلف المحافل الدولية”.
جامعة العصافير!
وبقصد ودون قصد يصبح خريجو الأمريكية عصافير (جواسيس) موظفة لصالح الأجندة الغربية بمواجهة الإسلام، وهو أخطر ما توصلت إليه الدراسة تحت عنوان “اتهامات بالتجسس”، وكشفت عن أن “كريستوفر ثورن”، رئيس سابق للجامعة الأمريكية، كان عميلاً في ذات الوقت للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، كما يتضح من كتاب “فيليب آجي” “يوميات المخابرات المركزية الأمريكية”، كما كان “مالكوم كير” مدير الجامعة الأمريكية السابق ببيروت، والذي عمل تحت لواء المخابرات الأمريكية خلال الستينيات، على علاقة حميمة مع الجامعة الأمريكية في القاهرة من خلال برامج مشتركة بين الجامعتين الأمريكيتين في بيروت والقاهرة.
وأضافت أن علاقة الجامعة الأمريكية بالمخابرات المركزية الأمريكية هي علاقة إرسال تقارير عن الأوضاع في القاهرة، واستقبال تعليمات موجهة طبقا للخطة الموضوعة، فيطلب من الدارسين والطلاب المصريين أثناء تدريس بعض المواد كأبحاث ضمن المناهج التعليمية بجانب الجماعات التبشيرية.
وكشفت عن أن تقارير التجسس “الأبحاث” تدور حول:
1) الأنشطة الطلابية في الجامعات المصرية وبيانات الاتحادات الطلابية وحجم التيار الإسلامي في الجامعات.
2) عدد ونشاط الجماعات الإسلامية خاصة جماعتي الإخوان المسلمين والجهاد وأعداد المسلمين الذين يقومون بصلاة الفجر في مناطق معينة.
3) بحث ظاهرة انتشار الحجاب على جميع المستويات وخاصة في الجامعة، وأسباب انتشار هذه الظاهرة. وهذه الأبحاث تطلب خاصة من طلاب قسم دراسات الشرق الأوسط ضمن مادة الحركات الإسلامية المعاصرة.
النشأة والأهداف
وأشارت الدراسة إلى أن نشأة الجامعة الأمريكية تنصيرية، لافتة إلى دراسة للدكتورة سهير البيلي، الأستاذة بكلية التربية بجامعة طنطا بعنوان «أهداف الجامعة الأمريكية في القاهرة.. دراسة وثائقية منذ النشأة وحتى عام 1980»، كشفت عن الدوافع التنصيرية لتأسيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة وبيروت من أجل مواجهة الإسلام فكريا وثقافيا، والعمل على نشر المسيحية وفق مفاهيم المذهب البروتستانتي؛ حيث بدأ التفكير في إنشاء الجامعة الأمريكية في القاهرة في عام 1899م، تقريبا عندما نادى ثلاثة من مبشري الإرسالية الأمريكية في مصر، منهم أندرو واطسن الذي أصبح مؤسس الجامعة الأمريكية بعد ذلك بإقامة كلية بروتستانتية في القاهرة، حيث ذكر فرنمان جوست أن مؤسسة كهذه يمكنها أن تكون مركزا للمواجهة الفكرية مع الإسلام.
ونبهت إلى أن “واطسن” ورفاقه قدموا وثيقة للقنصل العام الأمريكي في مصر حول الحاجة إلى إقامة مؤسسة للتعليم العالي، وتم تشكيل لجنتين بالفعل لدراسة المشروع: الأولى عام 1902 بطلب من هيئة الإرساليات الأجنبية للكنيسة المسيحية المتحدة في أمريكا التي قدمت تقريرها عام 1908 مؤيدة إنشاء الجامعة تحت اسم “جامعة مسيحية لمصر”، وصدقت اللجنة على المشروع عام 1911.
وفى عام 1913 جاءت لجنة ثانية من الهيئة كذلك وقدمت تقريرها، ولخصت فيه أسباب إنشاء الجامعة وهي:
1) عدم وجود جامعة مسيحية في منطقة شمال إفريقيا التي يوجد بها 24 مليون نسمة على الأقل يتكلمون العربية، وهم بحاجة إلى التعليم المسيحي لكي يشكل حياتهم اليومية ويعد قادتهم للمستقبل.
2) المكانة الاستراتيجية لمصر باعتبارها مركزا فكريا للعالم الإسلامي، مما يفرض على المسيحية أن تقدم أفضل ما لديها من التعليم المسيحي لتتحدى الإسلام في مركزه الفكري.
3) استكمال منظومة التعليم الأجنبي التبشيري.
4) إظهار شخصية المسيح للناس وإعدادهم مهنيا لكي تتحول بلادهم إلى مملكة للرب(!).
ثلاثة توجهات
وأوضحت الدراسة أن للجامعة الأمريكية 3 توجهات (ديني وأكاديمي واجتماعي)، فالأول تشير إليه وثائق الجامعة بنص “ضمان الشخصية المسيحية للجامعة، وتأثيرها في الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وذلك من خلال المقررات الدراسية والحياة الجامعية بغية تنمية الولاء المسيحي لديهم”، وأشارت أيضا إلى أن الجامعة ستكون “أداة الإرسالية الأمريكية لتنفيذ أهدافها المتعلقة بالتنصير والإصلاح الفكري والديني في مصر والبلدان المجاورة”.
أما بشأن التوجه الأكاديمي: فبدا واضحا من البداية أنها ستكون جامعة أكاديمية متكاملة تضم عددا من الكليات والعلمية واللاهوتية وغيرها، إضافة إلى فتح باب إنشاء كليات جديدة مستقبلاً.
وحول التوجه الاجتماعي، فقد كان الهدف منه تحويل المجتمع المصري نحو القيم الغربية، وبذلك امتزج الهدف الديني (التبشير) بالهدف الاجتماعي (التغريب)، وتم تقسيم الجامعة الأمريكية إلى ست كليات، وهي كلية الآداب والعلوم ومدرسة الدراسات الشرقية التي انقسمت إلى قسمين: أحدهما لغوي، والآخر لاهوتي لدراسة الأديان ويرأسه القس المبشر زويمر، والثالث قسم الدراسات الممتدة المهتمة بالدراسات الاجتماعية وكلية التربية للتأثير في التعليم المصري ومركز البحث الاجتماعي بهدف جمع وتحليل وتقويم المعلومات الخاصة بأوضاع مصر الاجتماعية والأقطار الشرق أوسطية ، وأخيراً معهد اللغة الإنجليزية.
العداء للإسلام
وبشكل صريح اعتبرت الدراسة أن هذه الرؤية والفلسفة والأهداف التي تأسست عليها الجامعة الأمريكية بالقاهرة جاءت توجهاتها شديدة العدائية للإسلام وقيمه وشرائعه في ظل إصرار من مؤسسيها على المضي قدما في أنشطة التنصير التي لم تقف عند المسلمين فقط، بل امتدت كذلك لإقناع الأقباط الأرثوذوكس بالمذهب البروتستانتي.
وأضافت أن ذلك سبب تحفظ الأقباط الأرثوذوكس على الإرساليات التنصيرية الأمريكية؛ وهو تحفظ وصل في بعض مراحله إلى الرفض والعداء؛ لأنها كانت تستهدف دعم المعتقدات البروتستانتية على حساب العقائد الأرثوذوكسية التي تؤمن بها الكنيسة المصرية التي ترى في البروتستانت وأنشطة كنائسها ابتداعا في الدين لا يمت للمسيحية الأولى بصلة وتمثل أيضا اختراقا للأرثوذوكسية المصرية العتيقة التي أسستها كنيسة الإسكندرية الأولى.