دراسة أمريكية: الولايات المتحدة ساعدت في بناء دولة السجون بمصر

- ‎فيتقارير

نشرت مجلة “jacobin”، الأمريكية دراسة حديثة حول دور الولايات المتحدة في ترسيخ أركان الدولة القمعية التي أنشأها عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب في مصر.

وحسب الدراسة التي ترجمتها “الحرية والعدالة”، كان سقوط حسني مبارك في عام ٢٠١١ بمثابة التهديد لعلاقة واشنطن بأحد أكثر زبائنها أهمية. ولكن منذ ذلك الحين، استخدمت المساعدات العسكرية الأمريكية لبناء آلية جديدة من القمع التي تخنق آمال الثورة.

ونشرت وسائل الإعلام نعيا للدكتاتور السابق في مصر، حسني مبارك، إلى جانب عدد من أحاديثه السنوية عن “حالة مصر” المنهكة بمناسبة ذكرى الإطاحة به في عام ٢٠١١. وسط تجاهل تام للأزمات التي تمر بها مصر اليوم.

ويتعلق أحد هذه الأزمات بتغير العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، وتأثيرها العميق على الشعب المصري، ولا ينبغي لنا أن نستهين بأهمية هذه العلاقة: فمنذ اتفاقيات كامب ديفيد في عام ١٩٧٩، تلقت مصر ما يزيد على ٧٠ مليار دولار من الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعلها في المرتبة الثانية بعد إسرائيل كمتلق للمساعدات الأميركية.

في كتابه الصادر في عام ٢٠١٦ بعنوان “المصريون”، زعم جاك شينكر أن الشعب المصري أظهر للعالم كيف يبدو النضال من أجل الديمقراطية أثناء ثورته، وكان المحتجون في مصر يريدون شيئا أكثر جوهرية من مجرد الانتخابات عندما انتفضوا ضد مبارك في عام ٢٠١١، كان المصريون يحلمون بمستقبل سياسي مختلف، ويطرحون بعض الأسئلة الأساسية حول الطبيعة الحقيقية للديمقراطية، وتداعياتها على الحياة اليومية، والتزامات الدولة. بعد وقت قصير، رد جنرالات البلاد على هذه المعارضة المتفائلة بقمع قمعي، وسجن أعداد غير مسبوقة من الناس. وكان القمع يستهدف غير الملتزمين والمنظمين السياسيين المشتبه بهم، من الإسلاميين إلى الليبراليين واليساريين.

لقد أدت انتفاضة ٢٠١١ إلى أزمة وجودية في الدولة المصرية. الحياة اليومية للمواطن العادي في مصر مبارك كانت بطيئة، طاحنة، وعنيفة، وأنهت الثورة نظام المخلوع مبارك وبدأت في التخلص من التسلسل الهرمي الروتيني للدولة ومؤسساتها وممارساتها.

ولم تعد العلاقات القديمة مع الولايات المتحدة قادرة على الصمود لأن جهاز الدولة أصبح في حالة من الضعف، ولابد من بناء نظام سياسي جديد، وتعاقب على مبارك أكثر من أربعة رؤساء أمريكيين، لكن ظلت العلاقة قائمة على مراقبة الرحلات البحرية لسنوات، حتى مع وجود خلافات بين الدولتين.

ومن جانبها، كانت إدارة أوباما على استعداد لدعم أي شيء تقريبا يحافظ على التحالف الأميركي مع القاهرة، لكن بعد فض الانقلاب مجزرة اعتصام رابعة العدوية في أغسطس ٢٠١٣ والذي قتل فيه ما يقرب من ألف شخص، أعادت الولايات المتحدة صياغة رؤيتها للتحالف، ولقد أسفر هذا التغيير عن عواقب بالغة الضرر على الحياة اليومية، والتنقل، والمعارضة السياسية.

وفي لحظة حاسمة بعد استيلاء عبد الفتاح السيسي على منصب الرئيس في عام ٢٠١٤، غيرت الولايات المتحدة طريقة توزيع مساعداتها، محولة الأموال نحو تكنولوجيا مراقبة الحدود ومكافحة الإرهاب، وكان من الواضح أيضا أن السيسي معجب بفكرة السجون الجماعية على الطريقة الأميركية: يذكر أن مصر بنت ١٩ سجنا منذ عام ٢٠١١، وفي الوقت الراهن، يقبع أكثر من 60 ألف سجين من مجموع ١٠٦ آلاف سجين كسجناء سياسيين.

عميل نموذجي

وكما ذكر جايسون براونلي ، فإن التحالف بين الولايات المتحدة ومصر في عهد مبارك قدم نموذجا لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة الإمبريالية “المستقرة”، لم يكن الحاكم المصري مذهلا، كان قائدا عميلا منخفض الصيانة يقدر الاحترام المتبادل بين النخب، قد يتذمر مبارك ويشعر بعدم التقدير، ولكنه كان ليتواجد هناك دوما حين تحتاج الولايات المتحدة إليه لتأمين مصالحها، وحتى عندما كان صناع السياسات في العاصمة واشنطن يصدرون الاحتجاج العرضي ضد اعتقال ناشط معارض، فإن الرئيس المصري أبقى كفيله سعيدا بالحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل، والمساعدة في تسهيل الحملات العسكرية الأمريكية في المنطقة، ووضع الإسلاميين المصريين تحت السيطرة.

فقد تسببت احتجاجات ٢٠١١ في إسقاط نظام مبارك، وبدأت الدولة في التفتت. وقد أدت الانتفاضة إلى حل مؤسسات مثل الحزب الحاكم، وإقالة بعض الوزراء الذين قضوا وقتا طويلا في السرقة. وكانت الشرطة مستاءة، لكنها قبلت خطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للانتقال الذي سيحميها. كما أيدت جماعة الإخوان المسلمين الدور القيادي الذي لعبه جنرالات المجلس الأعلى للقوات المسلحة في هذه المرحلة الانتقالية.

وعندما أجريت الانتخابات، كان قادة الإخوان المسلمين يأملون في محاكاة النموذج التركي للساسة الإسلاميين الذين تمكنوا من طرد المؤسسة العسكرية تدريجيا من مواقع السلطة. ولكن الجيش أجج المعارضة القوية ضد سياسات الرئيس محمد مرسي، واستغل الفرصة لشن انقلاب ضد مرسي وطرح المشير السيسي رئيسا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لنظام جديد.

“استعادة الديمقراطية”

وكان انقلاب يوليو ٢٠١٣ حدثا مفصليا للعلاقات بين مصر والولايات المتحدة، فالتدخل العسكري ضد الرئيس المنتخب يضع إدارة أوباما في مأزق، حيث يقضي القانون الأميركي بقطع المساعدات إذا أقيل زعيم ما من السلطة بوسائل غير ديمقراطية، ولكن وزارة الخارجية رفضت إطلاق كلمة “انقلاب”، حتى أن جون كيري زعم، بعد أقل من شهر من استيلاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة على السلطة، أن جنرالات مصر “يستعيدون الديمقراطية”.

واضطرت الولايات المتحدة إلى الرد بطريقة ما بعد الهجوم العسكري على مجزرة فض اعتصام ميدان رابعة عدوية بالقاهرة بعد ستة أسابيع من الانقلاب الذي أودى بحياة حوالي ألف شخص. وجمد أوباما المساعدات مؤقتا، ولكن حكومته بذلت قصارى جهدها لتجنب إحراج حكام مصر الجدد، وبحلول مارس ٢٠١٥، كان أوباما على استعداد للموافقة على تسليم المروحيات إلى الجيش المصري.

وجاء استئناف المساعدات العسكرية التي تبلغ قيمتها ١.٣ مليار دولار بعد اتفاق على أن تمارس الولايات المتحدة السيطرة على مشتريات الأسلحة، فمصر لديها عدد من الدبابات يفوق عدد الدول في أفريقيا وأمريكا اللاتينية مجتمعة، ولكن شركات تصنيع الأسلحة في الولايات المتحدة تحولت من خط الإنتاج إلى واحد من أسرع الصناعات الدفاعية نموا: معدات مراقبة الحدود، والطائرات بدون طيار، والتقنيات الجديدة المتطورة لممارسة السيطرة على حدود الدولة.

والواقع أن صناعة “الأمن الداخلي” من المتوقع أن تولد أكثر من ٧٠٠ مليار دولار في هيئة مبيعات خلال العقد المقبل، وتضاعفت الأرباح في هذا القطاع في السنوات العشر الأخيرة، إن تكنولوجيا الحدود تشكل البقرة الذهبية الجديدة للنزعة العسكرية، ولقد بدأت الولايات المتحدة في تعديل الأسواق وفقا لذلك.

ومن ناحية أخرى، هبطت المساعدات الأميركية غير العسكرية لمصر إلى مستوى ضئيل، الأمر الذي يبعث برسالة واضحة مفادها أن المشاريع الاجتماعية ومشاريع البنية الأساسية التي من شأنها أن تعود بالفائدة على المصريين العاديين لم تعد تشكل أي أهمية. وعلى حد علمنا، فإن الولايات المتحدة لم تسعى بنشاط إلى تحويل مصر إلى دولة أمنية، ولم تقترح سياسة تقييد حرية الحركة لمواطنيها، ولكن هذا النهج كان يتدفق “بشكل طبيعي” من المنظور الأمني الذي يتسم به النظام الاستبدادي العميل المهتز وراعيه الإمبراطوري.

فقد أعادت واشنطن توجيه مساعداتها من الأسلحة التقليدية والمناورات العسكرية نحو “الأمن الوطني”. على سبيل المثال، وقعت وزارة الخارجية الأميركية في يوليو ٢٠١٥ على اتفاق مع القاهرة لبيع النظام المصري مائة مليون دولار من أجهزة استشعار المراقبة وتحسين الاتصالات، مع توفر العشرات من مقاولي الدفاع لتدريب الأفراد المصريين، وقال البنتاجون إن نقل التكنولوجيا والمهارات على هذا النحو من شأنه أن يزيد من قدرة مصر على إجراء عمليات المراقبة “على طول حدودها مع ليبيا وغيرها”.

الدولة الأمنية

يشرف كبار المسؤولين في مصر الآن على أجهزة الدولة المتعاقبة التي تعاني من خلل في الاقتصاد السياسي. ذلك أن الخدمات الحكومية والإعانات المقدمة للسكان يتم تقليصها على نحو مستمر، الأمر الذي يزيد من السخط الشعبي مع هبوط مستويات المعيشة. ولاستباق هذا، كانت الدولة تستثمر في أجهزتها الأمنية. وكلما زاد إنفاقها على القمع، قل ما يمكن أن تقدمه لتلبية الاحتياجات الاجتماعية، وتكررت الدورة نفسها. وأصبحت وظيفة المسؤولين الأمنيين القضاء على أي مشكلة قبل حدوثها.

القيود المفروضة على حركة المعارضين السياسيين تهدف إلى احتواء أي تراكم من الضغوط حول المظالم الاجتماعية مثل اتساع فجوة التفاوت، وانخفاض قيمة العملة، وأسعار الخبز، ناهيك عن الانهيارات المتكررة لحوادث البنية الأساسية. فالنظام يقوم بإقامة الجدران، المادية والسياسية، للسيطرة على السكان. تساعد علاقات مصر مع الولايات المتحدة على تطبيع أشكال أكثر غدرا من عنف الدولة.

لطالما غض المسؤولون الأمريكيون الطرف عن القمع في مصر. بينما كان باراك أوباما على وشك الصعود على متن طائرة متجهة إلى القاهرة في عام ٢٠٠٩، سأله أحد الصحفيين مباشرة عما إذا كان مبارك مستبد، و قد أصر الرئيس على أنه لا يريد استخدام “تسمية للناس” قبل أن يصف مبارك بأنه “قوة من أجل الاستقرار”. و في اليوم الذي قامت فيه الانتفاضة بإسقاط مبارك أخيرا، ادعى نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أنه من غير المناسب تسمية حليف واشنطن — الذي عرفه جيدا — دكتاتورا.

وكان دونالد ترامب أقل فرحا في امتداح خليفة مبارك السيسي، حتى أنه أشار إلى السيسي باعتباره “الدكتاتور المفضل لدي” في مؤتمر مجموعة الدول السبع في سبتمبر ٢٠١٩، واستغل وزير خارجية ترامب مايك بومبيو، مناسبة خطاب في الجامعة الأمريكية في القاهرة في نفس العام ليعيب أوباما لعدم تأييده الكافي للدكتاتوريات العربية (واسرائيل). وفي كل الأحوال فإن مصر نادرا ما تظهر على أجندة الأخبار الأميركية هذه الأيام.

وقبل ثورة ٢٠١١، كان في البلاد ثلاثة وأربعون سجنا، وبنى المجلس الأعلى للقوات المسلحة سجنا جديدا خلال الفترة الانتقالية، كما أضافت رئاسة مرسي التي لم تدم طويلا، اثنين آخرين، أما الستة عشر الباقية فقد شيدت جميعها منذ انقلاب عام ٢٠١٣، ولا يشمل رقم السجون الجديدة مراكز الاعتقال في معسكرات قوات الأمن المركزي أو السجون العسكرية. وفقا ل هيومن رايتس ووتش، هناك “خط تجميع للتعذيب” في جهاز أمن الدولة، وقد ظل بعض السجناء وراء القضبان لمدة تصل إلى خمس سنوات دون توجيه تهم إليهم بارتكاب أي جريمة.

كما تم حبس آخرين بتهم وهمية، مثل علاء عبد الفتاح الذي أمضى حكما بالسجن خمس سنوات بسبب التظاهر بدون إذن، وبعد إطلاق سراحه في مارس ٢٠١٩، اضطر عبد الفتاح إلى البقاء بمركز شرطة الحي الذي يقطنه لمدة اثنتي عشرة ساعة من الاحتجاز كل ليلة.

وتفرض الدولة هذه الشروط الاختبارية المتطرفة على السجناء السابقين الذين تعتبرهم خطرة، وبطبيعة الحال، فإن هذا يحد بشدة من قدرة الشخص على السفر إلى أي مكان بعيدا عن بيته خوفا من تأخره عندما يأتي موعد الاحتجاز في المساء.

وفي سبتمبر ٢٠١٩، أعيد اعتقال عبد الفتاح بعد احتجاجات ضد الفساد الحكومي والعسكري، وهو الآن في السجن، ولكنه لم يواجه أي تهمة، ورغم أن فريقه القانوني نجح في الحصول على حكم المحكمة الذي دعا إلى إطلاق سراحه، إلا أن النيابة استأنفت الحكم على الفور، ولا يزال قابعا في السجن.

السيطرة على المعارضة

كما ارتفعت أشكال العنف الأخرى في الدولة تحت رقابة السيسي، وكان مركز النديم المعني بضحايا التعذيب قد أبلغ عن ٤٦٤ حالة اختفاء بحلول فبراير ٢٠١٦، وقد شاركت قوات وزارة الداخلية في عدد غير عادي من المعارك المسلحة في المناطق الصحراوية، وقد وثقت وكالة رويترز ١٠٨ حالات تبادل لإطلاق النار بين منتصف ٢٠١٥ ونهاية ٢٠١٨، مما أدى إلى مقتل ٤٦٥ شخصا، حتى لو لم نتمكن من التعرف على الأشخاص الذين قتلتهم قوات الأمن، يمكننا أن ننظر إلى صور جثثهم الميتة والدموية المعروضة على صفحة الوزارة على فيسبوك.

وقد حكم على أكثر من ٢١٠٠ شخص بالإعدام خلال حكم السيسي، وتحتل مصر الآن المرتبة السادسة في العالم في عمليات الإعدام التي تنفذها الدولة سنويا، مقارنة بالسنوات الثلاث الأخيرة من حكم مبارك، التي أعدمت الدولة فيها أحد عشر شخصا، وفي عام ٢٠١١، لم يكن هناك سوى تنفيذ حالة واحدة، ولم يسجل أي منها في عام ٢٠١٢ أو ٢٠١٣، ولكن بعد الانقلاب شهد تنفيذ أحكام الإعدام زيادة كبيرة على النحو التالي: ١٥ حالة في عام ٢٠١٤، ٢٢ حالة على الأقل في عام ٢٠١٥، و٤٤ حالة في عام ٢٠١٦، ثم ٣٥ و٤٣ حالة في عامي 2017 و2018.

وتتعرض المنظمات غير الحكومية التي تتواصل مع ضحايا التعذيب أو تنشر تقارير عن الانتهاكات بحقهم إلى الحجب، كما بتعرض الصحفيون المستقلون الذين يقدمون تقارير جادة إلى تهديدات دائمة، ويستهدف الانقلاب الصحفيين الأجانب: فقد اعتقلت السلطات الصحفي ديفيد كيركباتريك من صحيفة نيويورك تايمز عندما حاول دخول البلاد في فبراير ٢٠١٩ ورحلته إلى بلاده، وكان كيركباتريك قد نشر تقريرا حول موافقة السيسي على شن غارات جوية إسرائيلية ضد المتمردين الإسلاميين في سيناء، ولإخفاء انتشار الطائرات الإسرائيلية والطائرات بدون طيار والمروحيات فوق الأراضي المصرية، حول النظام شمال سيناء إلى منطقة عسكرية مغلقة.

وعقب الانقلاب العسكري أصبحت العلاقات بين إسرائيل ومصر أكثر دفئا مما كانت عليه في عهد مبارك، وعندما نقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس، أدان الدبلوماسيون المصريون هذه الخطوة رسميا، لكن تم نشر تسريب لمسؤول في جهاز الأمن الوطني يوجه مقدمي البرامج التلفزيونية إلى إقناع المشاهدين بأن على الفلسطينيين مواكبة مبادرة ترامب وقبول رام الله كعاصمة لإدارة الدولة.

ووفقا لدبلوماسي غربي مقيم في القاهرة، فإن الحكومة الإسرائيلية قد ردت الجميل موضحا: “أن الدبلوماسيين الإسرائيليين مصرون دوما على الدفاع عن مصر ضد الانتقادات التي تندلع في عواصم العالم الرئيسية، سواء كانت تلك الانتقادات مرتبطة بحالة حقوق الإنسان أو الوضع الاقتصادي”.

ويشكل حظر السفر شكلا آخر من أشكال القمع الرئيسية التي يفرضها النظام، ولم يعد يسمح لمعظم الناشطين بمغادرة مصر، سواء في الأعياد أو في المؤتمرات المهنية، خصوصا قيادات المعارضة، مثل عايدة سيف الدولة، جمال عيد، أو الصحافي المحقق حسام بهجت، ولا أحد يعرف من هو على القائمة مقدما: يمكنك فقط أن تعرف عن طريق الذهاب إلى المطار لتفاجئ بقرار حظر السفر، وكان هناك ٥٦ حظر سفر فرضه النظام العسكري ومرسي في الفترة ٢٠١١-٢٠١٣، وفى العامين التاليين للانقلاب ارتفع الرقم إلى حوالى ٥٠٠.

ويعد التجسس على منتقدي النظام من الأمور الشائعة، ففي أكتوبر ٢٠١٩، اكتشفت شركة أمن الفضاء الإلكتروني الأمريكية أن المسؤولين الحكوميين أنشأوا تطبيقا متطورا لتركيب البرمجيات على الهواتف المحمولة الخاصة بالنشطاء، الأمر الذي يسمح للدولة بتعقب تحركاتهم ومراقبة اتصالاتهم ورسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم، تطابق إحداثيات التطبيق الافتراضية مع تلك الخاصة بمقر أمن الدولة في القاهرة.

الحدود الداخلية

ومع تحرك المزيد من الناس على مستوى العالم، ومع تصدير الدولة الأمنية في الولايات المتحدة لتكتيكات مكافحة التمرد العسكرية والشرطة، وفقدان النخبة الحاكمة الجيدة التسليح والتمويل في البلدان الفقيرة القدرة على الحكم، فإن الرؤية الخطيرة تنشأ الآن لمستقبلنا السياسي. إن أغلب الناس لا يميلون إلى تجربة التقنيات الحدودية داخل أي بلد. ولكن هذا يتغير بسرعة.

وتقوم مصر حاليا ببناء جدار ثان إلى جانب غزة لعزل سكانها الفلسطينيين البالغ عددهم مليوني نسمة، وقد جرى الحديث عن بناء جدار على طول الحدود الليبية أيضا، ورغم هذا فإن هذه الضراوة الكاملة من الضوابط الحدودية تستخدم أيضا في الداخل، مع السجن الجماعي، وحظر السفر، والقيود الشديدة، والحواجز المادية التي قد تقيد نقاط الرمزية الثورية مثل ميدان التحرير، تقوم السلطات المصرية بإغلاق المقاهي والأنشطة الترفيهية في وسط مدينة القاهرة، بينما تقوم كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة بالقمع على قمم المباني المهملة والتي كانت رائعة.

تدرك الولايات المتحدة أنها لا تستطيع شراء مخرج لقادة مصر، إن الموقف الذي خلفه مبارك هو حالة من الفوضى والمديونية والعنف، ولكن الأمر سوف يتطلب وفرة من الأموال الأجنبية لمجرد دعم جهاز الدولة الضعيف، ومنذ عام ٢٠١١، شهدت واشنطن اعتماد الاقتصاد المصري بشكل أكبر على المساعدات الدولية من الولايات المتحدة، وأيضا من المملكة العربية السعودية ودول الخليج.

إن ديون مصر الخارجية حاليا أعلى مما كانت عليه في أي وقت مضى، حيث ارتفعت إلى عنان السماء منذ عام ٢٠١٤، وقد تلقت البلاد ما يقرب من ١٢ مليار من الدولارات من المساعدات سنويا منذ الانقلاب من ثلاث دول خليجية: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت. وإلى جانب سلطنة عمان والبحرين وقطر، قدمت هذه الجهات المانحة ما مجموعه ٩٢ مليار دولار منذ سقوط مبارك في عام ٢٠١١، وأصبح صندوق النقد الدولي في مصر الآن في وضع يسمح بتضخم الديون الخارجية التي يعوض عنها خفض الدعم الحكومي والخدمات التي يعتمد عليها المصريون.

ومع اضطرار الناس العاديين إلى الاستمتاع بأقل وأقل، فإن قوات الأمن تحتاج إلى استثمارات ورعاية ودعم منتظم من أجل الحفاظ على تماسك الدولة، فلم يعد هناك حزب حاكم كبير يمكن استخدامه لتنظيم الموالين للنظام، ونادرا ما أبدى أعضاء البرلمان مقاومة لما يريده السيسي، وصوتوا مؤخرا لتمديد فترة ولايته، ومن ناحية أخرى، تستخدم المؤسسة العسكرية احتكاراتها الاقتصادية الهائلة والمليارات غير المعلنة لتشكيل تحالفات مع رجال الأعمال المصريين وتوظيف أكبر عدد ممكن من العمال الفقراء.

السيسي منهمك في محاولة بناء جدران تمنع الناس من التواصل، لكن إعادة توزيع الثروة من الشعب المصري إلى النخبة الحاكمة يمثل وقودل لثورة شعبية أخرى، إن شبح الانتفاضة الأخيرة يطارد الجنرالات في كل منعطف. والآن يعاد تنظيم بنية السلطة من أجل مستقبل حيث تخلت الدول عن التزاماتها الاجتماعية ولكنها تحتاج إلى مساحات من أجل الحد من هؤلاء الذين لا يرغبون في تقبل الاختناق البطيء.

وخلصت الدراسة إلى أن نظاما كهذا لا يمكن أن يستمر إلا من خلال نشر أكبر للعنف والسجن ضد مواطنيه، وبدعم ملتزم من أقوى دول العالم، إن مؤسساتنا الأمنية الخاصة تقدر بحرارة دور السيسي كحصن قسري ضد الحركات الاجتماعية المصرية، وضد المقاومة الفلسطينية، وأيضا ضد تدفق الهجرة إلى أوروبا الحصينة، ولكنهم أيضا سيبحثون في المختبر المصري لاستراتيجيات مبتكرة للسيطرة والقمع، ذلك أن العالم المشوب بالحدود الذي يرغب فيه الأثرياء العالميين يرتبط ارتباطا وثيقا أكثر مما قد يتصور المرء.

لمطالعة الدراسة:

https://www.jacobinmag.com/2020/03/egypt-prison-state-client-mubarak-al-sisi