على غرار المثل الشعبي المصري القائل “اللي يتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي”، يتجاهل المصريون حملات التبرع سواء تلك التي يطلقها العسكر مباشرة أو التي تأتي من أحد أذرعهم، وبكل ذرة من الريبة والشك استقبل المصريون حملة نهب جديدة أطلقها محافظ الإسكندرية تحت شعار “ادعم عمال اليومية”.
وقام اللواء محمد الشريف، محافظ الإسكندرية في حكومة الانقلاب، بالإعلان عن فتح حساب رقم “9450856162”، ببنكي الأهلي المصري والقاهرة، لبدء قبول الإيداعات للتبرع به لصالح مبادرة “ادعم عمال اليومية”، والتي أطلقت 22 مارس الجاري، بزعم تقليل الآثار الناتجة على عمال اليومية بالإسكندرية، جراء قرار حظر التجول المفروض لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
سبوبة العسكر
وكشف “الشريف” عن شخصية المحتال الذي يقف خلف هذه المبادرة، وهو الجنرال واسع الكرش السفيه عبد الفتاح السيسي، والذي زعم بنبرة لا تخلو من الخداع المعتاد أن عصابته تتحمل أية خسائر مادية ما عدا أرواح المصريين!
جدير بالذكر أنّ سبوبة “الشريف” والترزق من وراء وباء كورونا، يديرها تشكيل عصابي برئاسة نائبته “جاكلين عازر”، واللواء محمد حازم رئيس مكتب المحافظ، وأعضاء من التضامن الاجتماعي، لوضع الآلية اللازمة للسبوبة، وجمع التبرعات التي ربما لن تصل إلى “العمالة اليومية”.
ومع بداية سنوات انقلابه في 2014، طالب السفيه السيسي كل مواطن بأن “يصبّح على مصر بجنيه”، وتنافست وسائل الإعلام الموالية في تسجيل المتبرعين، ولا يوجد مصدر واحد موثوق يمكنه تأكيد حجم المبلغ، ولا أين ذهب، فيما ادعى مفتي الجمهورية شوقي علام أن التبرع لجمعيات وصناديق العسكر أحد أبواب الزكاة!.
ولا يمكن لأحد في مصر أن يسأل عصابة الانقلاب عن الجمعيات الخيرية التي وضع الجيش يده عليها، أو عن الصناديق الرسمية بشأن مسار التبرعات ومصيرها، أو حتى حجم التبرعات السابقة التي يقال إنها تتدفق على جيوب مافيا العسكر، عقب كل دعوة للسفيه السيسي للتبرع، وفق ما يعتقد مراقبون.
ويتذكر المصريون تصريحات اللواء ممدوح شعبان، مدير عام جمعية الأورمان، خلال الجلسة الختامية لمؤتمر الشباب الخامس، عندما قال “محدش فقير فى مصر”، مما أصاب كل من استمع لهذا التصريح بالدهشة؛ لأنه لو لم يكن هناك فقير فى مصر بالفعل، فلماذا تنفق جمعية الأورمان كل هذه الأموال الطائلة على الإعلانات بهدف جمع تبرعات تقدر بالملايين وربما المليارات للفقراء؟!.
وأطلق لاعبون وفنانون وإعلاميون مصريون مبادرة تحت عنوان “تحدي الخير”، للتكفل بعائلات فقيرة وأخرى تضررت بسبب التبعات الاقتصادية السلبية لانتشار فيروس كورونا.
كما انتشرت مبادرات شبابية لتوعية المصريين في الشارع بخطورة انتشار الفيروس وطرق الحماية منه، فضلا عن مساعدة المحتاجين، ولم تكن تلك المبادرة غريبة على أسماع المصريين، فلطالما شهدت مصر في فترات كثيرة العديد من المبادرات لجمع تبرعات لمصلحة الفقراء في النوائب والكوارث التي مرت بها البلاد، أو لإطلاق مشروعات قومية وإعادة تسليح الجيش.
وبعد ثورة يناير 2011، أطلقت عدة حملات أسهم فيها المصريون، منها مبادرة رئيس الوزراء عصام شرف دعما للاقتصاد، وحملة أخرى أطلقها الداعية السلفي محمد حسان بعنوان “صندوق العزة والكرامة”؛ رفضا للمعونة الأمريكية، ولم يعلن عن مصير هذه الأموال!.
صبح على مصر
وبعد الانقلاب العسكري في صيف 2013، أطلق رئيس الوزراء إبراهيم محلب حملة صندوق دعم مصر، التي جمعت 827 مليون جنيه، وبعدها بعام آلت جميع أموال هذا الصندوق لصندوق “تحيا مصر” الذي أطلقه السفيه السيسي.
وبات صندوق “تحيا مصر” هو الجهة التي تستقبل تبرعات المصريين، في ظل دعوات السفيه السيسي المتعددة مثل “صبّح على مصر بجنيه” و”فكة البنوك”، ويحوطه الكثير من الغموض حول قيمة ما جمع فيه من أموال وأين تنفق.
وفي عام 2017 قرر محافظ الإسكندرية السابق، فتح باب التبرعات لبناء أكبر كنيسة ومسجد بالعاصمة الإدارية الجديدة، وفق ما أعلنه السفيه السيسي فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، خلال احتفالات عيد الميلاد المجيد.
وقال المحافظ: إنه سيكون أول المتبرعين لبناء الكنيسة والمسجد بالعاصمة الإدارية الجديدة، تطبيقا لحالة التسول التي ابتكرها السفيه السيسي، عندما قال: “الجنيه ونص دول مش هيأثروا عليكم.. لكن هيفرقوا مع مصر”، كان ذلك الطلب من أبرز الجمل التي استوقفت المصريين في خطاب السفيه السيسي يوم 26 سبتمبر 2016.
يومها طلب السفيه السيسي من الشعب التبرع بأموالهم لما يطلق عليه “بناء مصر”، بات متكرر الظهور في خطاباته، بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية وموجة غلاء الأسعار التي تعصف بالبلاد.
مطالبة السفيه للشعب بـ“التبرع” لم تكن الأولى، وفيما يلي نرصد أبرز المرات التي طلب فيها السفيه السيسي بشكلٍ مباشر من المواطنين التنازل عن أموالهم لصالح خزائن وصناديق ومشاريع عصابة الانقلاب:
1- “أنا عايز الفلوس دي”
في واحدة من قصائد التسول وإبان افتتاح فنكوش تطوير حي شعبي بالإسكندرية، طالب السفيه السيسي بإيجاد آلية للاستفادة من “الفكة” التي يتداولها المصريون، وإيداعها في مشاريع قومية لخدمة البلاد، وختم هذه المطالبة بالقول: “أنا عايز الفلوس دي”.
إذ قال في خطابه، “بالمناسبة ينفع ناخد القروش الفكة نحطها في إنشاء مثل هذا المشروع، والناس في مصر عاوزه تساهم بس الآلية فين؟ تحيا مصر، والجمعيات الخيرية؟ ماشي؟.. لكن فيه آلية أقوى لو كل واحد أخد الفكة دي واتبرع بيها، فبنتكلم في 20 مليون جنيه، لو سمحتم أنا عاوز الفلوس دي”.
2- سبوبة جامعة زويل
عقب وفاة العالم الحائز على جائزة “نوبل” أحمد زويل، طالب السفيه السيسي المصريين بالتبرع عبر صندوق “تحيا مصر” لاستكمال مشروع مدينة وجامعة زويل.
وقال، في كلمته التي أقيمت في ذكرى مرور عام على افتتاح قناة السويس الجديدة، إن تكلفة مشروع زويل تبلغ قيمته نحو 4 مليارات جنيه، وإن زويل لم يقم بجمع أكثر من 300 مليون جنيه، وتابع “بطلب من المصريين إكمال هذا المشروع من خلال التبرع لصندوق تحيا مصر”.
وتساءل عالم هندسة الفضاء والنانو تكنولوجي محمد علي حسن: “هل بدأ وبهذه السرعة الاستيلاء على تبرعات المصريين لمدينة زويل العلمية؟” في إشارة إلى خطاب السفيه السيسي بمناسبة مرور عام على افتتاح التفريعة الجديدة الذي قال فيه إن د. زويل نجح في جمع ثلاثمئة مليون جنيه (27 مليون دولار) فقط.
وقال العالم المصري المقيم في اليابان: “تذكرت بسرعة ما صرح به الدكتور زويل نفسه يوم 3 يوليو 2012 لجريدة الأهرام من أن تبرعات المصريين لمدينة زويل وصلت لمبلغ المليار جنيه (نحو ثمانين مليون دولار).
وتساءل علي حسن: “أين ذهبت السبعمئة مليون جنيه الفرق بين كلام زويل وكلام السيسي؟!” وأضاف “في الحقيقة أنا غير قادر على تصديق أن السرقة بدأت بهذه السرعة بعد وفاة الدكتور زويل مباشرة، والرجل رحمه الله لم تبرد بعد جثته في قبره”.
ورأى أن تصريح السفيه السيسي بأن الجيش سيتبرع للسيطرة على المشروع العلمي، وهو ما يعني انتهاء الموضوع، واستدرك “نظام التبرع سواء للتعليم أم غيره موجود في كل العالم، شرط وجود نظام موثوق في التلقي والإنفاق، والتجارب تعتمد على البيئة السياسية والاقتصادية السائدة”.
3- “صبّح على مصر بجنيه”
في فبراير 2016، طالب السفيه السيسي المصريين بـ “التصبيح على مصر” برسالة من هواتفهم للتبرع بجنيه مقابل كل رسالة، ولفت خلال كلمته في احتفالية “رؤية مصر 2030” إلى أن استجابة كل مصري لطلبه ستدر على مصر نحو 4 مليارات جنيه سنوياً.
وسرعان ما أطلقت سلطات الانقلاب رقمين لـ“التصبيح على مصر” من خلال صندوق “تحيا مصر”، الرقم الأول 37037 إذ كان يتم خصم 5 جنيهات من رصيد كل شخص يرسل رسالة إليه، وبعدما أثار هذا الأمر العديد من الشكاوى بأنه من المفترض أن تكلف الرسالة الواحدة جنيه فقط، أطلق صندوق “تحيا مصر” رقما آخر وهو 1333 بقيمة جنيه للرسالة الواحدة.
وعقب يومين فقط من تلك الدعوى أعلن المدير التنفيذي لصندوق تحيا مصر، محمد عشماوي، في مداخلة هاتفية على فضائية “الحياة”، أن التبرعات وصلت قيمتها 2 مليون و300 ألف جنيه، بعد وصول 460 ألف رسالة بقيمة 5 جنيهات للرسالة الواحدة، ولفت إلى أنه لم يكن تم البدء بعد في استقبال الرسائل بقيمة جنيه للواحدة.
4- صندوق “تحيا مصر”
عقب استيلاء السفيه السيسي على الحكم بفترة وجيزة، أصدر قرارا جمهوريا بإنشاء صندوق “تحيا مصر”، وأعلنت العصابة العسكرية أن الصندوق سيختص في إقامة مشروعات خدمية وتنموية بمعاونة أجهزة الدولة.
ومنذ إقامته، لم يكل السفيه السيسي ولم يمل من جمع التبرعات لصندوق “تحيا مصر”، فخلال كلمته في احتفالية بمناسبة ليلة القدر في العام 2014، طالب المصريين من القادرين داخل وخارج البلاد بالتبرع للصندوق، ولفت إلى حاجة الصندوق لنحو مليار جنيه لدعم اقتصاد مصر.
وبعد عام ونصف من إنشاء الصندوق، أعلن السفيه السيسي أن إجمالي المبلغ الذي استطاع الصندوق تجميعه وصل إلى 4.7 مليارات جنيه، ومن ضمنها مليار تم تجميعه من الجيش.
5- المصريون في الخارج
وقبيل مسرحية انتخابات الرئاسة في العام 2014، أعلن السفيه السيسي أنه سيعتمد في برنامجه الاقتصادي على ثلاثة محاور لتمويل المشاريع الاقتصادية، بدأها بالمصريين في الخارج، الذين طالبهم بألا يتركوا مصر وحدها، وأن يقدموا الدعم المالي لها.
وطالب المصريين في الخارج في مرة أخرى أن يحولوا اهتمامهم بأسرهم الصغيرة إلى الأسرة الكبيرة “مصر”، وألا ينسى المصري أسرته الكبيرة عندما يُرسل المال لشراء منزل أو ادخاره من عمله بالخارج!