دراسة: التعامل العسكري مع سد النهضة غير وارد.. لا شرعية أو استقرار لـ”السيسي”

- ‎فيتقارير

نفى الأكاديمي والسياسي د. عصام عبد الشافي “احتمالية لجوء مصر إلى عملية عسكرية تستهدف الدول التي تهد مصالحها المائية، أو توجه للسدود التي أنشأتها هذه الدول”.

وقال في دراسة بعنوان “سد النهضة وقضية المياه والأمن القومي المصري” نشرها “المعهد المصري للدراسات”، إنه من “غير وارد على الإطلاق، في ظل طبيعة توجهات السياسة الخارجية المصرية في المرحلة الراهنة، والتي ما زالت تعاني من أزمة شرعية، كون النظام الحالي جاء بانقلاب عسكري في 2013، ومصر ذاتها تعاني من حالة عدم استقرار سياسي”.

وضمن “المسارات المحتملة لإدارة الأزمة” استعرض نحو 4 مستويات منها المفاوضات والدبلوماسية الشعبية والقانون الدولي، لكنه أوضح أن السياق بخصوص سد النهضة، يجعل العمل العسكري وارد عند “عقد المقارنات بين القدرات العسكرية لدول حوض النيل، والتفوق المصري في هذا المجال”، ورأى أن “التوترات الداخلية التي تعاني منها دول حوض النيل، يُمكن أن تُشكل عاملاً يدفع النظام المصري للقيام بعملية عسكرية ولو محدودة لإثبات قدراته الردعية حيال التهديدات، وخاصة تجاه إثيوبيا”.

ولكنه استدرك قائلا: “خيار الحرب لا يرتبط فقط بتوازنات القوى العسكرية، ولكنه يرتبط بأنماط التفاعلات الإقليمية والدولية والتحالفات القائمة”.

وأشار إلى أن “موقع النظام المصري من هذه التحالفات، خاصة في وجود ما يمكن وصفه بالتحالف الاستراتيجي بين كل من إثيوبيا والولايات المتحدة وإسرائيل، والأخيرتان حليفان استراتيجيان للنظام في مصر، ولهما من أوراق الضغط الكثير لضبط حركته الخارجية، إلا إذا قاما هما بالدفع نحو هذه المواجهة، في إطار التدمير الذاتي للقدرات المصرية، التي ستبقى من المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي العدو الاستراتيجي الأول لها في المنطقة”.

5 خلاصات

وأشار “عبد الشافي” إلى بروز خلاصات أساسية، أبرزها نقطتان الثانية منه خاصة بتداخل سعودي إماراتي يصب في النهاية في صالح إكمال تشييد سد النهضة.

أما الأولي فهي ضرورة إدراك أهمية المتغير الصهيوني في المعادلة، وأن شركة (أجرو بروجيكت) الصهيونية، المتخصصة في تصدير التكنولوجيا الزراعية تدير مشروع زراعي في أثيوبيا أعده خبراء صهاينة بدأ فقط باستثمار قيمته 80 مليون دولار، ويقف وراء شركة أجرو بروجيكت، “إيريز ميلتسار”، مدير عام شركة (أفريكا ـ إسرائيل) وشركة معدات الري الإسرائيلية (نيتافيم)، ويدير المشروع خبير زراعي صهيوني “دان ديفوسكين”، ويمتد المشروع مبدئيا على مساحة 100 ألف دونم، ويهدف إلى زراعة الذرة وتباع الشمس والقطن.

وضمن هذه الخلاصة قال إن مكان المياه عند الصهاينة عقيدة أمنية، حيث “تفترض الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، وتطويق الأمن القومي العربي ..وكسر طوق الحصار الذي فرضته الدول العربية لها من خلال تبني نظرية حلف المحيط بإقامة علاقات مع الدول المحيطة بالدول العربية وتمثل عمق استراتيجيا، كوضع إثيوبيا.

وأشار إلى أن لدى السعودية والإمارات خطط استثمارية في إثيوبيا تقوم على استغلال آلاف الأفدنة المطلة على منابع النيل لاستزراع الأراضي المجاورة من خلال عقود استئجار أو حق انتفاع، وهو ما سيتطلب منها إقامة مشاريع عملاقة مثل السدود لتوفير الطاقة الكهربائية، وهو ما يعني توفير الدعم المالي والسياسي لإثيوبيا في مقابل مصر، خاصة لو تحول الأمر إلى اتجاه عام بين الدول التي تعاني فقراً مائياً وتمتلك موارد كافية لمثل هذا النوع من الاستثمارات.

قضية المياه
ووضع الباحث المخاطر التي تتعلق بمصير حصة مصر من المياه في زاوية أنها “لم ولن تنته عن هذا الحد”، حتى ولو تم إيجاد حلول وسطية مع دول حوض النيل، للحفاظ على حصة مصر أو الجانب الأكبر منها، خاصة وأن المشكلة لا تقتصر عند هذه المنطقة، ولكنها تتعلق بقضية عالمية قد تتسبب في حروب مستقبلية أكثر ضراوة من حروب النفط أو حروب مد النفوذ أو حتى العمليات العسكرية التي تشن لتجربة أنواع جديدة من السلاح.

مشيرا في خلاصته الثانية توضيحا بأن “دول المنبع” النامية، تحتاج بطبيعة الأمور إلى دفع عجلة التنمية، ولو تم قياس الأمور بمفهوم الاقتصاد، فإن مياه نهر النيل تشكل لهذه الدول كنزا لا يقل عن النفط، وما ينقصها فقط هو الخبرات والتكنولوجيا والمال، وإذا كانت هناك دول ستوفر لها هذه العناصر، على رأسها “إسرائيل” والولايات المتحدة ودول أخرى في أوروبا وآسيا، وهو ما سيؤثر حتما على حصة مصر من مياه النيل، بشكل مأساوي.
مشكلة في مصر
وفي علاقة سببية بالخلاصات الأربعة السابقة أوضح عبد الشافي أن “حدوث مشكلة حقيقية ولو حتى بالتدريج في حصة مصر تعني كارثة حقيقية على الشارع المصري، والترجمة العملية لنقص حصة مصر، هو إلغاء وتجميد العديد من المشاريع الزراعية والصناعية، وتبوير الآلاف من الأفدنة، خاصة وأن هناك بالفعل مشاكل تتعلق بالمزارعين الذين لا يجدون أحيانا كثيرة مياه لري المحاصيل، ناهيك عن فرض رسوم إضافية على فاتورة المياه الأمر الذي سيستنزف المجتمع المصري، هذا إن توفرت في حال تفاقمت الأزمة”.

تداعيات خطيرة

ولفت ضمن بحثه إلى دراسة تمت في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي، حيث قدم 12 من خبراء المياه والوزراء السابقين دراسة أعدتها “مجموعة حوض النيل بكلية الهندسة جامعة القاهرة، حول مخاطر سد النهضة على مصر والسودان وآثاره التي يصعب احتواؤها أو التعايش معها، من بين هذه الآثار:
– السدود الإثيوبية الأربعة المقترحة على النيل الأزرق تهدف إلى التحكم الكامل في مياه النيل الأزرق، وهو الرافد الرئيس لمياه النيل، وبالتالي؛ التحكم في حصة مصر المائية وإلغاء (أو على أقل تقدير “تقزيم”) دور السد العالي في تأمين مستقبل مصر المائي.

– سد النهضة وحده بتصميمه الحالي بسعة 74 مليار متر مكعب ستكون له آثار سلبية عنيفة على حصة مصر المائية وعلى إنتاج الكهرباء من السد العالي وخزان أسوان، وذلك أثناء فترات ملء الخزان وأثناء تشغيله، وتزداد حدة هذه الآثار السلبية خلال فترات الجفاف؛ حيث تتعارض مصالح إمداد مصر والسودان بالمياه الكافية مع تعظيم إنتاج الطاقة من سد النهضة.

– تقليل الحصة المائية المصرية سيؤدي إلى بوار مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وتشريد ملايين الأسر، وزيادة في تلوث المسطحات المائية، ومشاكل في إمدادات مياه الشرب، والصناعة ومشاكل في النقل النهري والسياحة النيلية ويشكل تهديدًا للمزارع السمكية.

– انهيار السد سيؤدي إلى نتائج كارثية تحل بالسودان ومصر، تشمل انهيار سدود وغرق العديد من المدن الكبرى والقرى، وتعرض ملايين الأرواح إلى مخاطر الموت والتشريد.

مبادرة “حجي”

واستعرض أيضا، مبادرة طرحها في نهاية العام 2019، العالم المصري د. عصام حجي وذكر 5 سيناريوهات أساسية لما يمكن أن تتعرض له مصر من أضرار ومخاطر استراتيجية ليس فقط على حجم حصتها من الموارد المائية، المقررة وفقاً للاتفاقيات الدولية.

ولفت إلى أن تضمن المبادرة أخطار هذه السيناريوهات على معدلات البطالة في مصر، وخاصة بين الفلاحين الذين سينال الخطر من أراضيهم الزراعية، ففي سيناريو السنوات العشر، ستزيد البطالة بنسبة 17%، وفي سيناريو السنوات السبع ستزيد البطالة بنسبة 20%، وفي سيناريو السنوات الخمس ستزيد البطالة بنسبة 27%، وفي سيناريو السنوات الثلاث ستزيد البطالة بنسبة 34، الأمر الذي سيترتب عليه العديد من المخاطر الاجتماعية والاقتصادية مثل ارتفاع معدلات الجريمة وزيادة معدلات النزوح الداخلي والهجرات غير النظامية.