شاهد| تداعيات انسحاب القوات السعودية من سقطرى جنوبي اليمن

- ‎فيعربي ودولي

القوات السعودية تنسحب من جميع مواقع انتشارها في حديبو عاصمة محافظة سقطرى اليمنية، هكذا تحدث مصدر حكومي يمني أيضا عن استمرار قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات في تعزيز صفوفها، دون أن يحرك السعوديون ساكنا لمنعها من مهاجمة حديبو.

ماذا لو كانت سقطرى نسخة مصغرة من اليمن؟ هل تقترب الإمارات من تحقيق ما ينسب إليها من أهداف؟ وفي المقابل ما الذي تحقق للسعودية من تدخلها مع الإمارات في اليمن؟ والأهم ما الذي حققته الشرعية من الحرب التي شنت بدعوى دعمها والسعي لإعادتها إلى السلطة في اليمن كامل اليمن؟

للحروب دائما منطق أخلاقي يبرر شنها، وقد تذرعت الحرب على اليمن بمنطق أنها إعادة للحكومة الشرعية إلى سدة الحكم بعد سقوط صنعاء في يد الحوثيين في 21 سبتمبر عام 2014، لكن مسار الحرب، أي حرب، سرعان ما يكشف عن النيات المبيتة غير المصرح بها فإذا هي نقيض لما نشأت الحرب من أجلها.

فالحرب في اليمن بعد 5 سنوات من شنها تقدم نموذجا في تلاشي هدفها الرئيس وفي انحلال عرى منطقها الأخلاقي، فالشرعية لزمت الرياض لا تغادرها وإن رغبت، وما سمي بالتحالف العربي انتهى إلى حليفين هما السعودية والإمارات، ثم قررت الإمارات بعد تحقيق أهدافها الاستراتيجية عبر الوكلاء خفض قواتها في اليمن لتبقى السعودية وحدها تتحمل تبعات وجنايات حرب جلبت، في رأي المراقبين، إلى اليمن الجوع والفقر والمرض وتدمير البنية الأساسية، وأتْبعت كل ذلك بتفتيت وحدته وكيانه.

فالصراع الذي كان بين الحوثيين وبين الشرعية لم يعد كذلك، أو لم يعد هو، كل القصة اليوم ثمة شرعيات شتى تتصارع، شرعية الأمر الواقع لدى الحوثيين في صنعاء، وشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي حبيسة الرياض، وشرعية المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن المدعوم من الإمارات.

سيرة الحرب تقول إن الحرب في اليمن أصبحت مشروعا استثماريا، وإن الرابح فيه حتى الآن هي دولة الإمارات التي استطاعت تحت غطاء الحرب تأمين مصالحها الاستراتيجية في الجنوب وصنعاء، والشرعية بالنسبة للإماراتيين لا تعدو كونها حاشية صغيرة في متن مشروع كبير اسمه جنوب اليمن والجنوب في التصور الإماراتي هو الموانئ وهو الجزر التي متى سيطرت عليها اتسع مجال نفوذها التجاري والبحري والعسكري في المنطقة .

عمدت الإمارات خلال سنين الحرب إلى تحقيق اختراقات على مستويات كثيرة شعبيا مضت إلى محاولة خلق هويات وولاءات جديدة تعزز ارتباطها بالإمارات واستمالت القوى الانفصالية الجنوبية، وأحيت لديها مشروع الانفصال الذي وفرت له غطاء عسكريا وأمنيا تحت عناوين الحزام الأمني والنخبة الحضرمية وغيرها من النخب والتشكيلات العسكرية المرتبطة بالإمارات.

وليس الصراع الجاري في جزيرة سقطرى إلا حلقة في مسلسل إحكام السيطرة، وكانت الإمارات قد طلبت استئجار جزيرة سقطرى والموانئ الجنوبية لمدة 99 عاما، وهو ما رفضه الرئيس هادي في حينه، لكن الإمارات لم تسقطه من أجندة مشروعها في اليمن كما تكشف الأحداث الجارية.

الكاتب الصحفي يوسف دياب، رأى أن الانسحاب السعودي هو خطوة تكتيكية لدراسة الوضع على الأرض قبل القيام بأي مبادرة، كما أن القرار يأتي لتلافي وقوع أضرار في قواتها العسكرية، مطالبا القيادة السعودية بتوضيح موقفها من التطورات في سقطرى خلال الساعات المقبلة.

وقال دياب، في مداخلة هاتفية للجزيرة، إن القيادة السعودية تأخرت في الإعلان عن موقفها عقب إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارية الذاتية في الجنوب اليمني، متسائلا: هل ما قام به المجلس الانتقالي هو قرار انفرادي ومبادرة شخصية منه قلبت الموازين في سقطرى أم أن الأمر متوقف على دعم إماراتي وأجندة إماراتية في هذه المنطقة؟  

بدوره رأى عادل الحسني، القيادي في المقاومة الجنوبية، أن انسحاب السعودية من الجنوب اليمني لم يكن مفاجئا، خاصة بعد أن منع الرئيس هادي من الدخول إلى عدن وتم إخراج الحكومة من المدينة وتشكيل مليشيات في جنوب اليمن لا يخضع للدولة اليمنية ولا للجيش اليمني.

الدكتور محمد المختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية بجامعة حمد بين خليفة، قال إنه من الواضح أن السعودية بدأت شيئا فشيئا تتخلص من عبء سقطرى وتترك يد الإمارات طليقة فيها، مضيفا أن سحب القوات السعودية من سقطرى يعري قوات الشرعية في تلك الجزيرة الاستراتيجية المهمة التي تعد حارسا لباب المندب وللملاحة الدولية.

وأضاف الشنقيطي، في مداخلة هاتفية للجزيرة، أن موقف السعودية ليس مستغربا فقد تخلت عن الشرعية في أغسطس الماضي في عدن، وتركت الإمارات ترتكب مذبحة بحق الشعب اليمني على مشارف عدن ومنعت قوات الشرعية من إيقاف المجلس الانتقالي الجنوبي، متسائلا: هل ما تقوم به السعودية ينم عن استراتيجية واعية أم تراجع وضعف لصالح مطامع أبو ظبي؟  

وأوضح الشنقيطي أن الهدف من سيطرة الإمارات على سقطرى هو تنفيذ مشروع أبوظبي للسيطرة على المنافذ البحرية والنقاط الاستراتيجية في السواحل اليمنية لربط سقطرى بميون والقواعد الإماراتية في الساحل الإفريقي وهذا المشروع لا يصب في مصلحة السعودية.