أجهزة السلطة تحبط هجومًا ضد جيش الاحتلال.. قراءة في الأبعاد والتوجهات

- ‎فيتقارير

بالرغم من إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، عن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال في خطاب شهير يوم 19 مايو الماضي، إلا أن صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية كشفت، أمس الأحد، عن أن أجهزة السلطة الفلسطينية تمكنت من إحباط عملية هجومية للمقاومة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وبحسب الصحيفة العبرية، فإن العملية خطط لها شبان من مدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، وذلك رغم وقف التنسيق الأمني بين الجانبين. وأوضحت الصحيفة، نقلا عن مصادر مطلعة (لم تسمها)، أن الأمن الفلسطيني تلقى الخميس معلومات عن التجهيز لهجوم ضد قوات جيش الاحتلال بجنين.

ووفق المعلومات، تمكن شبان فلسطينيون من إخفاء عشرات العبوات الأنبوبية في منطقة مفتوحة عند محور تتحرك عبره قوات الاحتلال لتنفيذ اعتقالات داخل المدينة. وقادت تلك المعلومات، مساء الخميس، إلى اكتشاف مخبأ بداخله 30 عبوة أنبوبية جاهزة للاستخدام، كان الشبان الفلسطينيون يخططون لإلقائها على القوات لدى دخولها المدينة ليلا، إضافة إلى بندقية، وفق ذات المصدر.

وبعد اكتشاف المخبأ المذكور انتشرت قوات الشرطة الفلسطينية المتركزة في جنين، وعثرت على مخبأ آخر به 10 عبوات أنبوبية معدة للاستخدام وبندقية من نوع “كارلو”. وعُثر على المخبأ الثاني في منطقة زراعية بضواحي جنين، على مقربة أيضا من محور تستخدمه قوات الاحتلال، بحسب الصحيفة.

تفريغ لوقف التنسيق الأمني من محتواه

خطوة أجهزة السلطة الأمنية تمثل تفريغا لخطاب “عباس” من محتواه، وتمثل دليلا إضافيا على أن السلطة ما نشأت إلا لخدمة الاحتلال وضمان أمنه واستقراره والقضاء نهائيا على جميع أشكال المقاومة في فلسطين المحتلة.

وبحسب دراسة نشرها موقع الشارع السياسي بعنوان “خطاب عباس حول وقف التنسيق الأمني.. قراءة في المضامين والتوجهات”، فإن عباس نفسه لا يعطي معارضيه أو حتى مواليه سببا لتصديقه؛ ذلك أنه في ذات الخطاب الذي أعلن فيه عن حل جميع الاتفاقيات ووقف التنسيق الأمني يؤكد التزام السلطة الثابت بما وصفه بمكافحة الإرهاب العالمي في إشارة إلى إصراره على القضاء على جميع أشكال المقاومة ضد الاحتلال، قائلا: «التزامنا الثابت بمكافحة الإرهاب العالمي.. نحن ضد الإرهاب العالمي، أيّا كان شكله أو مصدره”، وهو ما لا يتم مطلقا إلا ببقاء واستمرار التنسيق الأمني مع كل من الاحتلال والإدارة الأمريكية كما يؤكد ذلك عدم قدرة السلطة على الانفكاك من أسر الرعاية الأمريكية والإسرائيلية.

لكن الأكثر خطورة بحسب الدراسة أن مسار أوسلو صمم المنظومة الأمنية والسياسية والاقتصادية للسلطة بحيث تبقى دائما تحت رحمة الاحتلال والإدارة الأمريكية وما يسمى بالمجتمع الدولي؛ فالسلطة فعليا غير قادرة على البقاء والاستمرار دون رعاية وكفالة من الاحتلال والإدارة الأمريكية؛ فهي لا تستطيع تحقيق أي اكتفاء ذاتي من جهة التمويل والغذاء والماء والكهرباء ولا حتى الحصول على المساعدات الدولية دون موافقة من حكومة الاحتلال، بل إن قيادات السلطة أنفسهم لا يملكون حرية الحركة داخل مناطق الضفة الغربية دون موافقة من أجهزة الاحتلال الأمنية.

الاختراق الإسرائيلي والأمريكي

وبحسب الدراسة، فإن الدور الأخطر في ملف التنسيق الأمني هو ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب انتفاضة الأقصى (2000 ــ 2005)، حيث اتجهت إلى التلاعب بالعقيدة الأمنية لقيادات وعناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية من خلال مأسسة هذه الأجهزة وتغيير عقيدتها، وشكَّلت واشنطن مجلسا لتنسيق التعاون الأمني بين السلطة وإسرائيل، بقيادة الجنرال الأمريكي “كيث دايتون” الذي تولى شخصيا مهمة الإشراف على إعداد وتدريب أجهزة السلطة الأمنية لتحسين قدرتها على إحباط العمليات المسلحة للمقاومة.

وإلى جانب “مأسسة” أجهزة السلطة الأمنية لتكون أكثر ولاء  لأفكار وتصورات أبو مازن المتطابقة مع أفكار الاحتلال والأمريكان؛ حرص دايتون على أن تسهم دورات التدريب التي أشرف عليها في فرض عقيدة أمنية جديدة على المؤسسة الأمنية في السلطة، بحيث يفضي تشرب منتسبي الأجهزة الأمنية الفلسطينية تلك العقيدة إلى “صناعة الفلسطيني الجديد”، الذي يرى في إحباط العمل المقاوم ضد الاحتلال مصلحة وطنية له. وقد أثنى جيش الاحتلال على دور هذا التحولات على النظام السياسي الفلسطيني وزيادة فعالية التعاون الأمني وإسهامها في تحسين ظروف المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية.

وحققت خطة دايتون في الضفة نجاحا مبهرا، في تفكيك تنظيمات المقاومة المسلحة واعتقال المئات من كوادرها وإجهاض أعمال المقاومة بشكل كامل، لكنها باءت بالفشل في غزة بعد فوز حركة حماس بالأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي 2006م ثم الحسم العسكري ضد أجهزة السلطة المتمردة بقيادة دحلان سنة 2007م وسيطرة الحركة على قطاع غزة؛ وهو ما تم توظيفه من جانب الاحتلال على مستويين:

الأول على المستوى العسكري: شن الاحتلال ثلاثة حروب مدمرة على غزة وحركات المقاومة، أسفرت عن خسائر بصفوف المقاومة والقطاع عموما، كما فرض حصارا شاملا على القطاع حتى اليوم. ورغم ذلك لم تسفر هذه الإجراءات القاسية على إجبار المقاومة على الاستسلام أو الاعتراف بمسار أوسلو.

الثاني على المستوى السياسي: وظف الاحتلال الحدث لتكريس الانقسام الداخلي الفلسطيني؛ عبر مساومة سلطة رام الله وابتزازها من أجل مزيد من التنسيق الأمني بحجة أن التعاون في مواجهة حركات المقاومة، وعلى رأسها حماس، هو ضرورة ليس للاحتلال فقط، بل لضمان بقاء السلطة ذاتها وحكم حركة فتح وعدم السماح لحماس وحركات المقاومة في نقل وتكرار تجربتها بغزة إلى الضفة.

ووفقا للدراسة فإنه عبر سنوات طويلة تمكن كيث دايتون والأمريكان والصهاينة من تكوين شبكة أو مافيا فلسطينية حاكمة  ترتبط  وجودا وعدما بالاحتلال تستمد منه القوة والنفوذ والسيطرة. وحتى لو أراد عباس الخروج على هذه القواعد التي شارك في تكريسها فسوف يجد من داخل السلطة وأجهزتها الأمنية من يتمردون عليه إمعانا في خدمة أجندة الاحتلال، كما فعل هو من قبل مع ياسر عرفات؛ حيث بات ولاء كثير من هذه الطبقة الحاكمة أولا وأخيرا للاحتلال وليس للسلطة ولا حركة فتح، فضلا عن قضية فلسطين التي تعد بالنسبة لهؤلاء مجرد بيزنس يحققون من ورائها ثروات طائلة.